داعش.. ضرورة استراتيجية للولايات المتحدة الأميركية

داعش.. ضرورة استراتيجية للولايات المتحدة الأميركية

تحليل وآراء

السبت، ١ نوفمبر ٢٠١٤

 محيّرٌ هو عقل الإدارة الأميركية ومنطقها في إدارة الصراع القائم في منطقتنا، وفي كل مناطق العالم. ولكن المحيّر أكثر، هو سذاجة حلفاء الإدارة الأميركية في المنطقة، من دول مجلس التعاون الخليجي، إلى السلطتين التركية، الذين لم يتعلّموا شيئاً من التاريخ، ولا يبدو بأنهم يتعلّمون من الحاضر.

الولايات المتحدة الأميركية تخوض حرباً ضروس ضد "الإرهاب" ومعه في وقتٍ واحد، والنتيجة أعداد كبيرة من الضحايا الأبرياء بين شهداء وجرحى وتدمير ممنهج للبنى التحتية من جهة، واكتساب التنظيمات الإرهابية شرعية "المقاومة" من جهة أخرى، ليزيد التدخّل الأميركي من رصيد تنظيم "داعش" السياسي بعدما كان فاقداً للتأييد وأدنى درجات التعاطف معه لدى معظم أهل السنّة في بلاد المشرق العربي.

ولكن هل يمكن للعاقل أن يصدّق بأن الإدارة الأميركية وحلفاءها يخوضون حرباً فعليةً على "داعش"؟ هل يعقل أن أقوى الجيوش وأجهزة الاستخبارات في العالم، لا تستطيع كسر "داعش"، التنظيم الذي لم يتجذّر بعد في المجتمع، ولم يكسب تأييد الناس بل يسيطر عليهم بقوة السيف والبطش والقمع الدموي، وما زال لا يحمل أي مشروعٍ اقتصادي – اجتماعي حقيقي يحلّ به مشكلات القوى الاجتماعية المتضرّرة، ولا يحمل إلى الناس إلّا الأفكار الوهابية المدمّرة للإنسان والإنسانية؟ هل يمكننا أن نصدّق بأن أقوى جيوش العالم التي أسقطت بغداد في مدة زمنية قياسية عام 2003، لا تستطيع بالحد الأدنى إضعاف "داعش" وإبطاء توسّعه؟

وكيف لا يزال هذا التنظيم يحاصر "عين العرب كوباني" البطلة منذ أكثر من شهر، ويشدّد من حصاره عليها أيضاً؟ لمَ لا تضرب الطائرات الأميركية قوات "داعش" البرية، التي تعتبر أهدافاً سهلة جداً؟ كيف يكون لدى القوات الجوية الأميركية قدرة رصد أفراد من المسلّحين الإرهابيين في أفغانستان، وسط الصحراء، وليس لديها قدرة رصد وضرب الأعداد الكبيرة من المسلّحين والآليات التابعة لقوات "داعش" حول المدينة المحاصرة؟ ولماذا تماطل السلطة التركية بفتح حدودها أمام قوات "البشمركة" الكردية لكي تدعم عين العرب كوباني المحاصرة؟ وكيف تساهم السلطة التركية في حصار عين العرب كوباني، وهي في نفس الوقت تستقبل مئات الجرحى من "داعش" في مستشفياتها؟ وما هي مصلحة أردوغان في سقوط عين العرب كوباني، غير تحجيم دور حزب العمال الكردستاني؟ في المقابل، ما هي الأضرار التي ستتحمّلها تركيا، سلطةً وشعباً، وربما المنطقة بأكملها، إن سقطت عين العرب كوباني بيد الإرهابيين؟ هي أسئلة كثيرة ولن تنتهي!

يعرف الأميركيون جيداً، بأن "داعش" قوة لا يجب أن تباد، بل يجب أن تروَّض ويعاد توجيهها لكي تصبّ جام غضبها على كل قوةٍ مقاومةٍ للإمبريالية والكيان الصهيوني في المنطقة، من اليمن والعراق إلى سوريا ولبنان وفلسطين، فهي ورقةٌ لا يمكن التخلّي عنها، وما البديلُ عنها إلّا قوى المقاومة الحقيقية. ومن يراهن على "التحالف الدولي" الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية ضد "داعش"، فإن رهانه خاسر، تماماً كما خسر الأخوان المسلمون رهانهم على السلطة في مصر وتونس بعدما دقّوا أبواب السفارات الأميركية التي أشبعتهم وعوداً، وكما ستخسر تلك القوى مجدداً عندما يؤكد المنطق الاستراتيجي الأميركي براغماتيته عند أول تحالف مع إيران، تحالفٌ إذا جرى لن يكون بطبيعة الحال إلّا تحقيقاً للمصلحة الاستراتيجية الأميركية، تحقيقاً لأهدافها البعيدة المدى، فيما يكون الطرف الآخر كالعادة، مكرهاً في تحالفه. هي تحالفاتٌ لتجديد السيطرة بالنسبة للإدارة الأميركية، أما الطرف الآخر، فهي بالنسبة له، دوماً، تحالفات ضرورية ووجودية. ولكن المشكلة تكمن في قبول من يفهم هذا العقل الاستراتيجي الأميركي بتلك التحالفات، عوضاً عن الدفع إلى الأمام لتشكيل القوة المضادة والقطع النهائي مع القوى الإمبريالية المسيطرة، إفساحاً في المجال أمام شعوبنا لكي تنهض من واقعها الأليم.