طبول الزحف المقدس للجيش السوري تُقرع وعين العرب شعلة صمود..جحيم في لبنان ومأزق الأردن وأنظار تونس نحو دمشق فيما أنقرة تعيش الكابوس

طبول الزحف المقدس للجيش السوري تُقرع وعين العرب شعلة صمود..جحيم في لبنان ومأزق الأردن وأنظار تونس نحو دمشق فيما أنقرة تعيش الكابوس

تحليل وآراء

السبت، ١ نوفمبر ٢٠١٤

تزداد نسبة الإثارة على الساحة السورية، طبول الزحف المقدس للجيش السوري تُقرع، فيما عين العرب لا تزال صامدة، أكراد المنطقة يعلنون النفير، فيما الغرب وحلفاؤه العرب يقومون بمؤتمرات استعراضية ويطلقون تصريحات تخديرية تؤكد على ضرورة مكافحة التطرف والإرهاب، أما لبنان فهو على فوهة جحيم وأحداث الشمال تنذر بوضع خطير، والأردن بلغ مرحلةً لا يُحسد عليها بسبب تراكم العديد من التحديات التي تعترضه سواء لجهة اللاجئين السوريين أو تعاظم قوة التيار السلفي الأردني ووجود مقاتلين أردنيين بأعداد كبيرة تقاتل في سورية مروراً بالضغوط الغربية والخليجية عليه، وفي تونس فإن التغيير نحو الدولة المدنية الحقيقية ومحاربة التطرف هو ما ينشده العلمانيون هناك، إن وصل هؤلاء لمراكز القرار التونسي هل ستتغير السياسة تجاه سورية ويُعاد فتح طريق قرطاج دمشق بفعالية؟ في حين يعيش الأتراك الكابوس الكردي حالياً ويحاولون القيام بأية مناورة قد تجنبهم أية خسائر مترتبة عن السياسة التركية بحق الأكراد والتدخل في الشأن السوري.
الساحة السورية
تتسارع الأحداث على الساحة السورية، معارك حامية مستمرة بالاشتعال، تقدم للجيش السوري في العديد من المناطق، عين العرب لاتزال صامدة ومقاتلو البيشمركة بدؤوا بالتوجه إليها، مخاوف أوروبية متزايدة من وجود مواطنيها الذين يقاتلون في سورية ومن عودتهم غير المرحب بها، غزل أميركي باتجاه إيران من أجل المشاركة في الحرب على داعش تمثل بترحيب الوفد الأميركي المشارك في اجتماع الكويت المخصص لمحاربة داعش الكترونياً بأية مشاركة إيرانية، العالم كله مشغول إذاً بالموضعة الداعشية، فيما رتم العسكر يقرع طبول الزحف المقدس للجيش السوري نحو العديد من المناطق.
ففي الريف الدمشقي سيطر الجيش على حوش الفارة المحاذية لبلدة ميدعا التي فرض طوقاً عليها، وعلى محور العمليات في حي جوبر كثفت وحدات من الجيش والقوات المسلحة عملياتها في الجانب الشمالي من الحي مواصلة تقدمها بعد سيطرتها على العديد من كتل الأبنية وتدمير أوكار للإرهابيين بما فيها من أسلحة وذخيرة، كما قضى على عشرات الإرهابيين في أرياف حماة وحمص والقنيطرة ودرعا وحلب.
في سياق آخر كشفت هيئة التنسيق الوطنية المعارضة على لسان رئيس مكتبها الإعلامي منذر خدام أن مساراً جديداً لحل الأزمة التي تشهدها سورية منذ أكثر من ثلاثة أعوام ونصف يجري حالياً العمل عليه قد يؤدي إلى "طائف سوري" بتوافق إقليمي ودولي.
ما أعلنته الهيئة يؤكد أن هناك جهوداً فعلية من أجل لبننة سورية إن لم يتم تقسيمها، إذ لم يعزز التقسيم المجتمعي في لبنان سوى المحاصصة الدينية والمذهبية المباشرة بحيث أصبح الانتماء لطائفة أو مذهب أو حزب هناك فوق الانتماء للوطن الجامع، في هذه الحالة سيُعتبر هذا السيناريو بمثابة مكسب لأعداء سورية، ما يضع الهيئة وأي فصيل معارض يتبنى فكرة "طائف سوري" موضع الاتهام بتزكية ذلك الحل التقسيمي للمجتمع السوري.
لبنان وفوهة جهنم
في لبنان بات الجمر يظهر من تحت الرماد، خلايا نائمة وجهات تعزف على وتر الفتنة المذهبية، أهي حملة وقائية للجيش يقوم بها أم فات الأمر على ذلك وتوغل "الجهاديون" بين صفوف اللبنانيين؟ منطقة الشمال تغلي، والمراد نسخة مصغرة عما يجري في بعض المناطق السورية، طرابلس هي الهدف الأكبر التي لطالما نادى حزب التحرير الإسلامي المتشدد بجعلها عاصمة الإسلام في لبنان.
من طرابلس إلى عكار وباب التبانة والمنية، ومناطق وبلدات أخرى يقوم الجيش اللبناني بعملياته العسكرية ويصادر سيارات مفخخة كانت تعد للتفجير في عدد من المناطق، إضافةً لأسلحة وعبوات وأحزمة ناسفة.
فيما تحدثت وسائل الإعلام اللبنانية عن مخطط وسيناريوهات أمنية خطيرة ومكلفة كان يعدها المسلحون من شأنها تهديد مجمل الوضع في لبنان لا في الشمال فقط وأن الجماعات الإرهابية كانت تخطط للهجوم على مواقع الجيش للسيطرة على الطريق الدولية والواجهة البحرية في الشمال، تمهيداً لإعلان إمارة إسلامية.
ما يحصل في لبنان الآن هو نتيجة طبيعية عن سياسة النأي بالنفس، واحتضان المسلحين والمطلوبين للعدالة الذين لجؤوا إلى الأراضي اللبنانية، يكفي أن تسير في بعض شوارع التبانة أو غيرها لترى أعلام النصرة والانتداب الفرنسي التي تدل على وجهات سياسية ودينية معينة، نواب الحليب والبطانيات والحرية أمثال عقاب صقر وأحمد فتفت وخالد الضاهر ومصطفى علوش هم من أوصلوا شمال بلادهم إلى تلك الحالة، أعداد مهولة من النازحين السوريين، خلايا نائمة لا تُحصى، ليس من مصلحة السعودية وأميركا تفجير لبنان كلياً في الوقت الحالي فهذا سيشكل إرباكاً لهم، لكن لا مانع من إحداث خضات أمنية بين الفينة والأخرى من أجل إشغال حزب الله وحلفائه على الساحة اللبنانية، أو بهدف التمهيد لإحداث تغييرات سياسية ما، ما بات معروفاً الآن هو أن لبنان أصبح على فوهة جحيم قد تندلع حممه في أية لحظة.
مناورات تركية في القضية الكردية
محاولات عدة قام بها الأتراك لتحصيل شيء ما في الملف الكردي، حاكوا علاقات باتت توصف بالجيدة مع إقليم كردستان العراق ومع مسعود البرزاني على وجه التحديد، فتحوا بازار السلام مع حزب العمال الكردستاني وأفردوا مطالبهم التي كان منها انسحاب مقاتلي الحزب من الأراضي التركية كبادرة حسن نية للبدء بمفاوضات السلام والإفراج عن الزعيم الكردي عبد الله أوجلان، وقبلها كانت زيارة صالح مسلم رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي إلى تركيا بدعوة من أحمد داود أوغلو في الشهر السابع للعام 2013 وحينها كان أوغلو وزيراً للخارجية، وقتها قال مسلم إن اللقاءات كانت مثمرة وستستمر مستقبلاً، وأخيراً تحاول تركيا المزايدة في مسألة عين العرب! لاسيما بعد الجدل الذي أُثير حول ما إذا كانت تركيا ستسمح لمقاتلي البيشمركة بالمرور عبر أراضيها نحو عين العرب، وبالفعل فقد غادرت مجموعة من قوات البيشمركة يوم الثلاثاء 28 تشرين الأول العراق متوجهة إلى مدينة عين العرب السورية بعد أن سمحت لهم الحكومة التركية بالمرور.
هذه الحركة من قبل أنقرة تُعتبر بمثابة إبداء حسن نية للأميركي بأنها عندما تريد المساعدة فإنها تستطيع ذلك، فضلاً عن كون أنقرة تريد المحافظة على علاقتها بمسعود البرزاني كونه بات أشبه بصمام أمان لها في الملف الكردي، بالتالي فإن أنقرة تناور الآن في القضية الكردية.
علمانيو تونس والطريق إلى سورية
انتهت الثورة في تونس وهي بغض النظر عن النقاش في حقيقتها أكانت عفوية أم مدبرة ثورة أم مؤامرة إلا أنها لم تفضِ لحكم داعشي أو وهابي، بل ظل النفس العلماني هو الأعلى في تونس الخضراء، والعلمانية تعني الإصرار على مدنية الدولة التي يلفظها الراديكاليون المتطرفون.
بعد إزاحة حكم زين العابدين بن علي، وصل الإسلاميون إلى الحكم، لم تتغير أحوال البلاد والعباد، بل تردى الوضع الأمني والاقتصادي، وضاقت الحريات، الكل يذكر اسم المنصف المرزوقي ومواقفه المتسرعة والكيدية مما يجري في سورية وقتها كان مجرد ضيف يحل على استديوهات برامج "التوك شوو السياسي" تم تزكية الرجل ليصل إلى كرسي الرئاسة في تونس ثم ما لبث أن خبا نجم الرجل وبات نسياً منسياً على الرغم من كل الجعجعة التي رافقت وصوله للحكم من قبل الإسلاميين على طول الشارع العربي من محيطه وحتى خليجه، وقتها اعتبر الإسلاميون أن وجود أنظمة راديكالية إسلاموية في كل من مصر وتونس وليبيا بداية تشكل نظام عربي جديد تكون فيه الغلبة لكل تلك التيارات التي تحمل لواء الإسلام السياسي.
بالمحصلة فإنّ تقدم العلمانيين في تونس دليل على تعافي المجتمع التونسي المؤمن بدولة مدنية تحترم كل المعتقدات والحقوق، إن فاز العلمانيون فلابد أن يطرأ تغير ما على السياسة الخارجية التونسية عموماً وتجاه سورية خصوصاً، فدمشق لها خصوصية لدى المثقفين التوانسة، بالتالي هل سنشهد تغيراً ملموساً حقاً يقوده هؤلاء بعد أن سادت فترة تراوحت ما بين الجفاء تارةً والعداوة تارةً ضد سورية من قبل الراديكاليين التوانسة، هل يُعاد فتح طريق قرطاج دمشق بسواعد النخب والمثقفين العلمانيين الصاعدين إلى مراكز القرار.
الأردن في موقف صعب
الموارد شحيحة، والاستطاعة لاستقبال لاجئين من دول الجوار بلغت الطاقة القصوى بحسب المسؤولين الأردنيين، أما السياسة الخارجية فهي ما بين الخوف من ردة فعل سورية في حال اتخاذ عدائي مباشر من دمشق أو الانخراط فيه، وما بين تلقي الضغوط السعودية والأميركية، تارةً سياسة العصا من قبل واشنطن والرياض، وتارةً أخرى سياسة الجزرة متمثلة بمنح مالية ومساعدات اقتصادية وودائع. ضمن هذا الجو الذي يعيشه الأردن، برز مؤخراً حدث أمني لافت كشفت عنه مصادر إعلامية أردنية، تمثل بمقتل 40 شخصاً من التيار السلفي الأردني في سورية، وأضافت تلك المصادر أنّ السلفيين التحقوا بتنظيمات مسلحة في سورية في الآونة الأخيرة ومعظمهم انضم إلى تنظيم "الدولة الإسلامية".
هذا الحدث يسلط الضوء على مشكلة "السلفيين" المتواجدين بكثرة في الأردن، فهم خزان لهؤلاء الذين يذهبون للقتال في سورية، كما أنهم معنيون بتشكيل خلايا نائمة في بلادهم، فضلاً عن كونهم ينظمون عمليات تمويل المسلحين المتطرفين في سورية ويجندون الشبان من أجل ضخهم إلى الصفوف الراديكالية، بمعنى آخر فإنّ الأردن أمام معضلة مواطنيه المتطرفين الذي يقاتلون في سورية إن عادوا، فضلاً عن كون التيار السلفي الأردني منخرط حتى النخاع في الحرب على سورية ما سيحرج النظام الأردني أولاً وسيجعله يحسب ألف حساب عن مدى القوة المتزايدة لهؤلاء في الداخل الأردني أيضاً، كل ذلك يضاف إليه مشكلة اللاجئين السوريين على أراضيه، فضلاً عما ذكرناه آنفاً من قلة الإمكانات والموارد الأردنية وتعرضه لمخاوف ردة الفعل السورية وعدم تحمله الضغوطات والإغراءات الغربية والخليجية في آن واحد.
***
المجهر السياسي
أكد رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو أنه يجب ألا ينتظر البعض أن ترسل بلاده قوات للدفاع عن مدينة عين العرب السورية، مشدداً على أن ما أسماها بالمعارضة المعتدلة ومقاتلي البشمركة العراقيين هم وحدهم القادرون على إنقاذها، وأضاف أنه إذا كان التحالف الدولي لا يريد إرسال قوات برية كيف يمكنهم أن يتوقعوا من تركيا إرسال قوات برية وهناك المخاطر عينها على حدودنا".
إصرار واضح يبدو في كلام أوغلو بأنه يجب على المقاتلين الأكراد أن يدخلوا عناصر من مقاتلي ما تُسمى بالمعارضة المعتدلة إلى عين العرب، على ما يبدو فإنّ المسؤول التركي يريد بشكل غير مباشر ضمان أن تكون عين العرب تحت سلطة "المعارضة" المدعومة من أنقرة لا تحت سلطة الأكراد منعاً لضمها إلى كردستان العراق أو حتى تحويلها إلى كانتون عرقي على البوابة التركية تكون جيباً خطيراً يتسبب بالمشكلات لأنقرة ويفاقم قضية الأكراد فيها، بمعنى آخر يريد أوغلو أن يحول مقاتلي معارضته "المعتدلة" إلى حصان طروادة في عين العرب، أما فيما يتعلق بالتدخل البري، فمنذ البداية كانت تركيا تطالب به لكن على أن يكون ضمن قوات متعددة الجنسيات لأن الأتراك غير قادرين على التورط بتدخل بري لوحدهم قد يثير لهم مشكلات مع روسيا وإيران والعراق، فضلاً عن الخسائر التي قد يُمنون بها.
...
كررت إيران اتهامها للحكومة التركية بإطالة أمد الصراع في سورية من خلال الإصرار على تغيير النظام ودعم "الجماعات الإرهابية" هناك، حيث قال مسؤول رفيع بوزارة الخارجية إنّ تدخل أنقرة في الشؤون الداخلية السورية أدى إلى إطالة أمد الحرب وسقوط أعداد كبيرة من القتلى في صفوف المدنيين السوريين الأبرياء.
إيران لم تعد تستطيع إخفاء امتعاضها من الدور التركي ضد حليفتها سورية، وقبل هذه المدة كانت طهران حريصة على إبقاء المرونة والهدوء في خطابها السياسي ضد أنقرة، لكن الأخيرة وبسبب تصريحات أردوغان التي اتهم فيها إيران باستغلال الانقسامات الطائفية في سورية، جعلت إيران تعلن وبصراحة عما كانت تنتقده بلطف خلال الاجتماعات التي كانت تجمع الإيرانيين بالأتراك، بحيث رُفع منسوب الخطاب السياسي المتشنج، إذ كما تصر أنقرة على إسقاط النظام ودعم الجماعات الإرهابية، فإنّ طهران مصرة على نصرة حليفها ومحاربة تلك المجموعات المدعومة تركياً.