بيدنا الحل..؟.. بقلم: سامر يحيى

بيدنا الحل..؟.. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الخميس، ٣٠ أكتوبر ٢٠١٤

لاأزال أذكر مذ كنت في المرحلة الثانوية حواراً جمع مجموعة من الأصدقاء بخصوص مستقبلنا بعد نيل الشهادة الثانوية، فكانت معظم الطموحات في ذلك الوقت تندرج تحت البحث عن أفضل مجال يمكن من ورائه الحصول على مصدر دخلٍ مادي لمواكبة تطوّرات الحياة، طبعاً هذا لا يبتعد كثيراً عن موضوع قرأته على صفحات الانترنت يندب المجتمع وكيف سيكون المستقبل، في حين جلّ أبنائه همهم ومطالبهم اللهو والتسلية والسعي للحصول على أحدث وسائل التكنولوجيا، وآخرون يموتون تحت الجوع والفقر والتشرّد والخيم، وآخرون يهتمّون بالبرامج التلفزيونية التي تقدّم مسابقات تكلّف الملايين من أجل الغناء والفن والطرب والنكات والتسالي، بعيداً عن العلم والأخلاق، والبعض يطالب بإلغاء مادة التربية الدينية واستبدالها بمادة الأخلاق، رامياً عليها العبء الكبير في تخلّف المجتمع وأخطائه، متناسياً أنّها مادة من عدّة مواد يتلقّاها الطالب، ومن الخطأ تحميلها مسؤولية ما يجري الآن، ومتجاهلين أنّ الدين هو الأخلاق، والدين هو المعاملة، وحتى الرسول الكريم محمد عليه الصلاة والسلام قال "إنمّا بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، متجاهلين أنّ الأخلاق هي بالتصرّف الشخصي ولا تؤخذ من الكتب، فقد ترى الأب الذي يتحدّث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان بل ويؤلف الكتب، لكنّه في أرض الواقع يحتقر أو يستخف بجاره، لأنّه أقل منه مرتبةً علمية أو مادية أو ينتمي لعرقٍ أو نسيجٍ اجتماعي، وترى الشخص الذي يدعو لنبذ الطائفية والعنف، أكثر شخص طائفي في منزله وأمام أولاده، وقد يكون الكثير ممن ينادي بالعمل الجاد والوطني ويتكلّم عن محاربة الفساد، أكثر الناس تخلّفاً في القيام بواجبه الوطني، بل أكثر شخص يهدر ويخرّب في إطار عمله، ويشجّع على الفساد..
نحن نحتاج لرفع الوعي لدى كلٍّ منا، ويتعاون بذلك الجميع دون استثناء أحد، ولا يقتصر على فئةٍ دون أخرى، ورمي العبء على مادة في منهاج دراسي أو تصرّف فردي من شخصٍ في مؤسسة ما، ونلبسه أكثر مما يحتمل، وننسى النجاحات والإيجابيات الكثيرة الموجودة..
أنا من أنصار إعادة النظر بكافة المواد، بما فيها مادة التربية الدينية، ووضعها بما يجمع لا بما يفرّق فالدين لله والوطن للجميع، والدين منهاج حياة وتنظيم مجتمع، ولا يحض على القتل والتكفير بل يدعو للتفكير والعمل المنطقي، "أفلا تعقلون، وأفلا تفكّرون" وطالب بالتوكّل الذي يتطلّب من الشخص القيام بواجباته وإتقان عمله، وليس الجلوس ينتظر السماء أن تمطر عليه ذهباً أو فضة، والتحابب والتواد والتآخي بين أبناء المجتمع، "فكلّكم من آدم"، وليس الدين الذي يحصل عبر صفحات الانترنت وبعض المأجورين الذين يتحدّثون باسم الدين، أو ينظّرون بهدف التنظير، ومن ثم تراهم انقلبوا للمقلب الآخر في أول فرصة تسنح لهم. فلا يكفي أن نعرف مكان الخطأ ونشير إليه ونتحدّث عنه ونناقشه، بل علينا أن نعمل على دراسة كافة السبل والإمكانيات لعلاج المشكلة، بما يناسب المجتمع وتوجّهاته وأفكاره.
إنّ ما تمرّ به سوريتنا في هذه المرحلة هو حرب شبه عالمية تكاد تجتمع بها كل وسائل الحروب، النفسية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعسكرية، وغيرها مما بطن ومما ظهر، ومن بينها تناول هذه الموضوعات والتنظير بها بعيداً عن العمل على أرض الواقع، وفي نظرةٍ سريعة أقول فقط لو قام الأعضاء في صفحات الفساد بالعمل الجاد والمسؤول ونبذ الفساد ودفع الرشاوى، لرأينا دائرة الفساد تضيق وتتسع دائرة العمل الجاد والوطني والنزيه، ولما وصل لسدّة المسؤولية إلا الشرفاء وضاقت الهوة على الانتهازيين، ومن يريد بإزالة مادة التربية الدينية أن يبدأ بنفسه بعدم الحديث عن الطائفية لضاقت الدائرة على الطائفيين والمتعصبّين وأصحاب العقول الجامدة، ولو كل من ينادي بتطوير البلد ويشتم الإعلام قام بعملية الاستقصاء والتفكير السليم قبل نشر المعلومة أو الخبر، والسعي من أجل توضيح وجهة نظره الحقيقية، وتعاون مع إخوته لتوحيد هذه الصفحات والوصول لرؤية موحدة مشتركة لبناء الوطن، لضاقت الفجوة على الأخبار السلبية والكاذبة والشائعات، وكنا عنصراً فاعلاً في بناء المجتمع وتصحيح أخطاء بعض المؤسسات بما فيها الحكومية..
إنّ ما نمرّ به الآن لم يعد مؤامرة، فالمؤامرة سابقاً لم تكن معروفة، الآن بات كل شيء معروف وبات اسمه اعتداء، بكل الإمكانات، فعلينا العمل لتجاوز هذه المعوقات والتحديات، ومواجهة هذه المؤامرة وهذا الاعتداء، لا أن نبقى كالشخص المريض الذي يشخّص الداء، ويتم وصف الدواء والعلاج المناسب، وينادي بتناوله، وهو بجانبه ولا يتناوله، بل يستهزأ في بعض الأحيان ممن يتناول الدواء تحت شعار "شو مفكّر حاله رح يصلح الكون".....
نعم إنّ ما نحتاجه نحن في هذا الوطن الحبيب هو العمل على رفع مستوى الوعي، بغض النظر عن الموجود أمامنا، فالشخص المسلّح عقائدياً وفكرياً بشكلٍ صحيح وفق تفكير منطقي لن يتأثر بترّهات ولا بأخطاءٍ ولا بهفوات ولا بزلّات هنا وهناك، ولن يتأثر بمادةٍ وضعها أشخاص ولو كانت التربية الدينية.. فسر نجاحنا في اختلافنا لا في اتفاقنا، وشتان بين الاختلاف والخلاف... 
واجبنا النظر إلى الإيجابيات الكثيرة في المجتمع والاستفادة منها، ولنبتعد عن التنظير والحديث العشوائي البعيد عن إمكانية التطبيق على أرض الواقع، وذلك عبر التعاون معاً يداً بيد، لاستكمال بناء سوريتنا المتجدّدة.
ليبدأ كل منا بنفسه لبناء المجتمع وتطويره، وتلقائياً ستتسع الدائرة، لنصل إلى مجتمع يعمل كخلية نحل، كلٌّ من مكانه ووفق إمكاناته وحسب وضعه وظروفه.