الخلافات التركية ـ الإيرانية وتغيير خريطة سايكس ـ بيكو

الخلافات التركية ـ الإيرانية وتغيير خريطة سايكس ـ بيكو

تحليل وآراء

الأربعاء، ٢٩ أكتوبر ٢٠١٤

ترى إيران أن أموراً كثيرة يمكنها أن تتغيّر إذا ما تعاونت معها تركيا لحلّ الأزمة السورية. هي تعتبر «داعش» العدو المشترك للبلدين، مما يدعو برأيها إلى مزيد من التعاون مع أنقرة. يأتي هذا الكلام كردّ على تصريحات أردوغان الأخيرة، لا سيما تلك المتعلقة بالمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية علي خامنئي، الذي اعتبر «أنّ الأسد هو الرئيس الوحيد الذي يتحدّى إسرائيل». اتهم أردوغان بعد عودته من أفغانستان إيران بأنها «طائفية»، وأشار إلى عدم إيفائها بالتزاماتها في التنسيق مع تركيا. لكن ردّ أردوغان على المرشد أتى قاسياً، إذ زعم «أنّ الأسد لم يطلق رصاصة واحدة على إسرائيل، بل قتل أكثر من 250 ألف سوري وما زلتَ تدعمه وتمدّه بالسلاح والمال».
لم تعط الصحف الإيرانية أهمية لهذا التصريح الهجوم بل إنّ الصحف العربية استعملته ضدّ إيران، التي لا تريد توتراً في العلاقة بين البلدين. بل هي أكدت أهمية التشاور حول التطورات في المنطقة التي تتسارع وتيرتها. هذا الهدوء الإيراني مقابل التوتر التركي. أكد الإيرانيون أنّ تصريحات أردوغان غير مسؤولة وهي تصلح للاستهلاك المحلي.
اعتبرت إيران أن زيارة أردوغان في كانون الثاني من العام الماضي عززت العلاقات الاقتصادية والسياحية والثقافية بين البلدين. ويمكن إعادة بناء جسور الثقة بينهما. وهي تعلم أن أردوغان يمكنه أن يجد الجواب في السياسة التي اعتمدها في سورية طيلة ثلاثة أعوام.
لكن انعطافة جديدة في المعادلات الأمنية والسياسية على مستوى المنطقة قد تشكلت اليوم بعد هجوم تنظيم «داعش» في الموصل وأربك حسابات تركيا التي سعت إلى استخدام الجماعات المسلحة لإسقاط النظام السوري، وعليه جعلت أراضيها ممراً لها وحاولت استخدامها في حربها ضد أكراد سورية. هذه السياسة ساهمت في ارتفاع الضغط على الحكومة التركية بعد أن بات أكراد سورية اليوم قوة حقيقية، وطرح تساؤلات حول إعراضها عن المشاركة الفعالة في الحرب ضد الإرهاب وزاد موجة انتقاد حليفتها الولايات المتحدة لها. لقد تحولت تركيا بفضل طموحات أردوغان التي فشلت بالتحقق إلى دولة وظيفية بيد السياسة الأميركية التي أغرقت المنطقة في حال من الفوضى والتفكك، يخشى أردوغان اليوم أن تطاوله في الموضوع الكردي.
تبدو تصريحات أردوغان كأنها تعكس عدم رغبة تركيا في التعاون من أجل إنهاء الأزمة السورية. بل هي تترك «داعش» ينقض على جيرانها الأكراد ولا تحرك ساكناً. بيد أن صعود «داعش» وتشكيل التحالف الدولي باتا يحتمان على كافة أفرقاء الصراع إعادة النظر بمشاريعهم، فما قبل «داعش» ليس كما بعده. لا سيما أنها لا تعترف بحدود الدول والخريطة الجديدة باتت أوضح، صحيح أن لكل من تركيا وإيران سياسته اتجاه سورية. لكن الأوضاع اليوم باتت متغيّرة وتقتضي التشاور، بعد تقييم رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو وتصريحه أن تركيا لا تريد أن تصبح حارساً لحدود «سايكس ـ بيكو»، وكأنه يطالب بدور لبلاده في النظام الإقليمي الجديد. تؤكد هذه القراءة أن مخطط «داعش» قد تغيّر، وأن تركيا لا تريد المشاركة عسكرياً في القتال ضده، قبل أن تتأكد من مكتسباتها جراء هذا التدخل. إذ لا يمكنها فرض شروطها بعد التدخل. وهذا جوهر خلافها مع الأميركي.
من جهة أخرى يريد الإيرانيون التخلص من «داعش»، رفضوا دعم التحالف، وانتقدوا الضربات الجوية التي تطاول الإرهابيين. هم كتركيا يفكرون في ما بعد زوال اتفاقية «سايكس ـ بيكو». ولا يريدون خسارة ما ربحوه في الاستراتيجية خلال العقود الماضية. يأتي تمسكهم بالأسد من هذا الباب ومن دونه سيفقدون التواصل مع حزب الله، الذي سينكفئ إلى داخل الحدود اللبنانية. كما أن إيران ستفقد تأثيرها في بغداد. وهذا ما جعلها تغيّر تكتيكاتها في شأن التدخل بقفازات، خلعتها، وأكدت وجودها على الأرض، كذلك أكدت تدخلها في العراق، دافعت عن البيشمركة وأرسلت إشارات أنها ستكون حيث يناسب وهذا ما فسّره المراقبون في تغيير الحوثيين للمشهد العسكري والسياسي في اليمن.
تستطيع الدولتان اللتان تشكلان قوتين إقليميتين لعب دور محدد في مسار الشرق الأوسط، وتشدّد إيران على أن تعاوناً إيرانياً- تركياً سيغيّر أموراً كثيرة في الشرق الأوسط. يترك الإرهاب آثاراً سيئة على بلاد المنطقة بأسرها لكن للعلاقات الشخصية والمصالح الحيوية مكانة كبيرة في إصلاح الأمور بين البلدين.
ما زالت بلدان الخليج تقاتل إيران في سورية ولبنان واليمن والعراق. وما زالت الحرب الدائرة في المنطقة تعكس هذا الصراع. وضعت هذه الدول الإخوان المسلمين على لائحة الإرهاب، واعتبرت أن تركيا تمارس الحرب الناعمة لتفجير الدول العربية من الداخل بغية التأثير فيها وتشكيل مشهدها السياسي من جديد عبر دعم الإخوان المسلمين. هذه العوامل يمكن أن يكون لها تأثير إيجابي على العلاقة التركية الإيرانية… على أبواب تغيير الخرائط.