العقود الدرية.. بقلم: فادي برهان

العقود الدرية.. بقلم: فادي برهان

تحليل وآراء

الاثنين، ٢٧ أكتوبر ٢٠١٤

العقود الدرية في رد شبهات الوهابية، قصيدة من نظم آية الله العظمى الإمام المقدس السيد محسن الأمين المتوفى سنة 1952م العلامة المرجع والشاعر والأديب والمفكر، صاحب الكتاب المعروف: (كشف الارتياب في أتباع محمد بن عبد الوهاب)
حيث ناقش فيها ما ابتدعه التيار الوهابي التكفيري من مسائل غريبة وشاذة ومستحدثة، وأسقط كل الحجج التي تذرّع بها الوهابيون وأوضح بالأدلة والبراهين الشرعية أحقية الدين الإسلامي الأصيل البعيد عن التعصب والتكفير والقتل والإجرام وهدم القبور والأضرحة إلى غير ذلك من الأفعال الشنيعة التي ارتكبها ويرتكبها الوهابيون باسم الله  والتي يدّعون أنها عين الإصلاح وهي في الحقيقة عين المفاسد والابتداع في الدين، وبؤرة التفرقة والتشرذم والتي عادت على الأمة بالوبال الخطير الذي تعيشه اليوم.
وتعتبر القصيدة (العقود الدرية) مدرسة عقائدية متكاملة لا ريب فيها، إذ يفتتحها الإمام بالتحسر على حال المسلمين والبكاء لما حلَّ بهم من فرقة وتآكل بسبب الدعوة الوهابية التي انطلقت من الحجاز ثم ينتقل إلى وصف هذه الحركة وممارساتها الإرهابية ويناقش بالأبيات الجزلة الدقيقة مسألة هدم قبور وأضرحة الأئمة والصحابة والأولياء الصالحين، ويرد على احتجاج الوهابيين ويبيّن الروايات المدسوسة التي اعتمدوها واستدلوا بها على  هدم القبور، ثم ينتقل لمناقشة طلب الشفاعة من النبي (ص) والاستغاثة والتوسل والحلف بغير الله ويوضح معايير التوحيد والشرك على ضوء القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.
يبدأ الإمام قصيدته الغراء بمطلعٍ رائع حيث يقول:
أشجاك ربعٌ عند برقة ثهمدِ               أقوى فبتَّ مسهداً لم ترقدِ
 لعب الزمان به وبان قطينه           من رائح منهم وآخر مغتدي
ثم يبكي حال المسلمين وما وصلوا إليه من تردٍ:
قم وابكِ منتحباً لما قد حل بالـ               إسلام من وهنٍ وفرط تبددِ
أبناؤه متشاكسون عراهمُ                    محلولة ما بينهم لم تعقدِ
 زرعوا وكان الغير حاصد زرعهم          يا ويح أيدٍ زرعها لم تحصدِ
ويصف في نفس السياق حال محمد بن عبد الوهاب الذي ادّعى أن الدين الإسلامي قد اعترته البدع والانحرافات وأصبح بحاجة إلى الإصلاح والتجديد:
ويقوم فيهم من يسمى مصلحاً            بين البريّة وهو عين المفسدِ
 أو مرشداً هو أحوج الأقوام لو        عقل الأمور إلى اتباع المرشدِ
 معبوده  إما  هوى  أو  درهم         فسوى الدراهم والهوى لم يعبدِ
ويتساءل الإمام في أبيات أخرى عن الأمة العربية والإسلامية في حينها ويبين حالها، ألم يكف ما حدث من غزوٍ واحتلالٍ واستعمار وتقسيم حتى تأتي الوهابية وتفصم عرى الأخوة بين أبناء الأمة وتقسم المقسم وتثير الضغائن والحساسيات بين المذاهب والأطياف:
لم يكف ما قد حلَّ بالإسلام من        ضيمٍ تذوب له صخور الجلمدِ
وتقَسُمِ المستعمرين بلادَه               ووقوف سطوتهم له بالمرصد
وتتابع الحملات من أطرافه               قصداً لهدم أساسه المتوطدِ
حتى أتت أعرابُ نجدٍ تبتغي            نكأ القروح وفعل ما لم يحمدِ
جاءت لتهدي الناس وهابيةً            كلا وهل يهديك غير المهتدي
لولا المساعي الأجنبية مااغتدى   في الناس لابن سعودها من مسعدِ
لولا سيوف الغرب لم يك نجمه       في الشرق يوماً طالعاً بالأسعدِ  
ثم يعرج الإمام على مسألة هدم قبور الأولياء والصحابة والأئمة (ع) ويوضح بشاعة الموقف الذي دعت إليه الحركة الوهابية بضرورة هدم الأضرحة والقباب والعتبات المقدسة، حيث اعتبر الوهابيون القبور كأصنام الجاهلية بما فيها قبر النبي محمد (ص) وحذروا من عبادتها ودعوا إلى هدمها وبذلك أرادوا محو كل أثر تركه النبي (ص) في سبيل القضاء على الإسلام الأصيل وإحلال إسلام بدلاً عنه لا يعرف إلا القتل والتخريب فجروا الويلات على الأمة:
ما قبر أحمد عندها أمسى سوى            صنم لقد ضلّت ولمّا تهتدِ
كلا لعمر الله هدم قبورهم                  هدم لصرحٍ بالفخار ممردِ
جرّت على الإسلام أعظم ذلة                 بفعالها وأتت بكل تمردِ
ساءت جميع المسلمين بفعلها                ورمت قلوبهم بحرٍ موقدِ
 ويتابع الإمام حواره مع الوهابية الذين يدعون أن هناك أحاديث نبوية وردت في مسند الإمام أحمد بن حنبل تدعو إلى هدم القبور وقد رواها أبو الهياج، وهي في الحقيقة روايات منفردة لا يصح سندها ولا متنها اعتمدها الوهابيون كذريعة لإنفاذ مشروعهم وهدم قبور أهل البيت (ع) والصحابة الكرام (رض):
زعمت بأن الدين أوجب هدمها            لرواية جاءت بمسند أحمد
لا تبق قبراً مشرفاً إلا وقد                 سويّته فاقصد لذلك واعمد
أني وليس طريقها بمصحح                وبواضح التوثيق لم تتأيد
وبها أبو الهياج منفرداً وليس            له سوى هذا الحديث المفرد  ويتساءل الإمام باستنكار شديد كيف نصّب هؤلاء الأجلاف أنفسهم أوصياء على الدين وهم يجهلونه:
أعراب نجد تبتغي تعليمنا                وتقوم فينا في مقام المرشد
جهلت لعمر الله سنة أحمد                وإلى مدينة علمه لم تقصد