استراتيجية الضد النوعي الأمريكية.. إسلام ضد الإسلام

استراتيجية الضد النوعي الأمريكية.. إسلام ضد الإسلام

تحليل وآراء

الأحد، ٢٦ أكتوبر ٢٠١٤

 يعلم الجميع كيف سقط عدوان تموز 2006 وفشل في تحقيق أهدافه في كسر شوكة المقاومة، تلك الأهداف التي صممت - لو نجحت- لتكون مقدمة لشرق أوسط جديد أمريكي صهيوني، فسقط المفهوم الأمريكي الصهيوني بانتصار محور المقاومة مبشرًا بشرق أوسط جديد من صنع محور المقاومة.. وكان حينها لا بدّ من استراتيجية أمريكية جديدة في مواجهة تقدم محور المقاومة الذي بات عسكريًا متوقعًا منه خاصةً مع تعميم تجربة حزب الله ونقلها إلى المقاومين في فلسطين المحتلة، ومع تعديل الطريقة القتالية المتّبعة من قبل وحدات المشاة في الجيش السوري مستفيدًا من تجربة حزب الله الناجحة في القتال مع الإسرائيلي، مضافًا إليها تعاظم قدرات وحداتهما الصاروخية مع امتلاك القدرة على تصنيع وتطوير تلك الصواريخ إلى حد بات فيه الأمر مقلقًا جدًا للكيان الصهيوني ويهدده استراتيجيًا في وجوده وبقائه..

وقبلها نذكر معًا كيف فشل المخطط الذي كان مرسومًا أمريكيًا للهجوم -باسم المحكمة الدولية والشرعية الدولية- لإسقاط الأسد عبر جرّه ونظامه الى المحكمة الدولية (عبر قتل استخباراتها والاستخبارات الاسرائيلية لرفيق الحريري واتهام الأسد شخصيًا أنه من أعطى الأوامر بتنفيذ الجريمة..)، فامتصت الدبلوماسية السورية الهجوم وتعاملت معه بذكاء وكشفت المؤامرة والمتآمرين.. وسقط المخطط.

وكذلك كان واضحًا للجميع صعوبة اختراق إيران الثقل الاستراتيجي والداعم النوعي للمقاومة بعد قيام الثورة الإسلامية.. حيث فشل الغرب معها بكل الوسائل في تحريض الشارع الإيراني وإحداث البلبلة بينما لقي الدخول عليها من باب الملف النووي واتهامها بأنّ لها فيه غايات عسكرية فشلًا ذريعًا، فلا إيران تخلّت عن برنامجها النووي ولا ردعَها التلويح بالقوة من قبل الأمريكي الذي بدا عاجزًا عن الخيار العسكري في مواجهة ترسانة عسكرية صاروخية إيرانية وقدرات برية وجوية وبحرية عسكرية هائلة بيد جيش مدرّب وعصري وعقائدي يشكل الحرس الثوري الإيراني عصبه الرئيسي، ويعلم الأمريكي وكذلك الإسرائيلي علم اليقين أن لا طاقة لهما في تحمل نتائج كارثية كانت ستحلّ عليهما لو تحوّل تلويحهما باستعمال القوة إلى عمل عسكري عدواني على إيران..

من هنا كان التخلي عن فكرة الحروب المباشرة (الفاشلة بالتجربة في كل من أفغانستان والعراق) ضد محور المقاومة، خاصةً بعد فشل "إسرائيل" في المواجهة مع حزب الله في العام 2006 لصالح فكرة "الضد النوعي"، أي خلق وتجنيد وتدريب عشرات الآلاف من "الجهاديين" تحت مسمى "الجهاد" ليكونوا الند السني لحزب الله فيحارب هؤلاء ليس ضد "إسرائيل " كما يفعل حزب الله وإنما ضد "أعداء إسرائيل والغرب في المنطقة"، أي ضد نظام الأسد وضد حزب الله نفسه وضد إيران "الشيعية" وكذلك ضد كل من لا يروق لواشنطن وتل أبيب، وليس شرطًا أن يكون العدو من الشيعة وإلا فما هو تفسير انخراط ذات العصابات في القتال ضد نظام معمّر القذافي المسلم السني أو ضد حكومة الجزائر.. أو قيامهم بمجازر ضد الأكراد "السنة " في كل من العراق – وسورية مؤخرًا..

لقد خلق الغرب هذه الجماعات باختصار ليكونوا العصا الغليظة في يد الأمريكي والإسرائيلي يقاتلون إنما لتحقيق الأهداف الاقتصادية لواشنطن والتوسعية لتل أبيب..

ومؤخرًا ومع استفاقة الغرب على خطورة داعش وتخوفه من ارتداد أعماله الوحشية على مواطنيها ومصالحها واتخاذه قرارت ضده:
ها هي ذي تتصاعد دعوات آل سعود – العائلة الحاكمة المطيعة لسيدها الأمريكي - للتطبيع مع «جبهة النصرة»، لقد حسمت السعودية خيارها لتقرّر مؤخراً مدّ الخيوط والخطوط مع فرع تنظيم «القاعدة»، المسمّى بـ«جبهة نصرة بلاد الشام» لتكون المسمى المعتدل للمعارضة السورية..!! بديلًا عن داعش غير المقبولة من الغرب ظاهريًا.. (لفظاعتها في نشر أعمالها الوحشية عبر أقنية الإعلام ، بينما تقوم جبهة النصرة بنفس الأعمال وذات الوحشية لكنها تتبرأ منها أو لا تنشرها على الأقل مفتخرةً كما تفعل داعش)، وبديلًا عن الجيش الحر الذي لا وزن له على الأرض لأنه ببساطة لم يكن يومًا أكثر من واجهة تبنّت على فترة أعمال الآخرين القتالية على الأرض ولم ينجح في استقطاب مقاتلين.. حيث أنّه مع التسليم باستحالة بعث الروح في جثة "الجيش الحر" والائتلاف المعارض، الذي يتهاوى أمام الصراعات الداخلية والتنافس على الزعامة والتنافس حسب التبعية لمصادر الدعم والتمويل ليظهر الصراع على حقيقته بين نظام الأسد والتكفيريين، وحيث أنّ الجيش الحر لا يشكل حجمًا يذكر أو وزنًا ذا بال في إسقاط الأسد. وهكذا تكون الاستراتيجية الأمريكية على الدوام والتي لا مناص منها هي استعمال "الضد النوعي" التكفيريين تحت غطاء اسمه جيش حر تارةً  أو معارضة معتدلة تارةً أخرى..

يعتقد الصهيوأمريكي أنّ استراتيجية "الضد النوعي" أو"إسلام ضد الإسلام" يمكنها أن تنتصر في فرض واقع جديد على محور المقاومة أو أن تلحق الهزيمة بهذا المحور رغم صدمته من نتائج معارك هذه المجوعات على الأرض، حيث لم تستطع الصمود في مواجهة أي هجوم مضاد قام به الجيش السوري أو حزب الله لاستعادة أية منطقة استولت عليها تلك الجماعات بالغدر أو بالخيانة.

لم يدرك الغرب عندما أنشأ تلك الجماعات نقاط ضعفها والتي يستحيل معها أن تكون المكافئة السنية أو الضد النوعي لحزب الله بل هي النسخة المسخ المشوهة عن حزب الله، فما هي نقاط الضعف القاتلة في تلك الجماعات والتي يستحيل ترميمها:

- لا توجد عقيدة واحدة موحدة يقاتل بسببها أفراد تلك الجماعات، منهم من يقاتل في سبيل المال ولدى البحث بين من يعتقد منهم أنه يقاتل عن عقيدة نجد أنه لا توجد عقيدة موحدة -ولو ضالة- تجمع كل هؤلاء القادمين من شتى أصقاع الأرض حيث لكل منهم لغته وعاداته ولهجته المختلفة وفهمه المختلف عن الإسلام..
- بعض أفراد تلك الجماعات من المقاتلين وخاصة من القيادات أجانب أو هم في الغالب ليسوا أصحاب الأرض التي تدور عليها المعارك ولا يهمهم بالتالي الثبات والانتصار.
- يعمل معظم أفراد تلك الجماعات بقيادة غير موحدة وسبب ذلك واضح فلكل منهم مصدر تمويله ولكل ممول غاية مختلفة حسب ارتباطاته.
- تناحر وتطاحن تلك الجماعات سواء على الزعامة أو على الغنائم وهذا ما يثبت غياب العقيدة القتالية.
- سوء المعاملة التي يلقاها المقاتل من قياداته فهو بالنسبة لهم مجرد أجير وعبد يقاتل في مقابل مبلغ شهري مدفوع.
- سوء المعاملة مع الأهالي في المناطق التي تقع تحت سيطرتهم من حيث السلب والنهب والاستغلال المادي بسطوة السلاح ومن حيث اتخاذهم للمدنيين دروعًا بشرية، ويصل الأمر بهم أحيانًا إلى الاستغلال الجنسي والاغتصاب والزواج بالإكراه إضافةً لمحاولة تطبيق المبادئ الوهابية المشوّهة عن الإسلام على الأهالي مما يثير حفيظة الأهالي فتجدهم راضخين (ظاهريًا فقط) بينما يتحينون الفرصة للانقضاض في أقرب فرصة سانحة..
- السمعة السيئة الناتجة عن ارتكاب هذه الجماعات لفظاعات يندى لها جبين الإنسانية والخوف المتراكم لدى الغرب -خاصةً مع فشل هذه الجماعات في سورية من عودتهم خائبين- للأماكن التي أتوا منها (وبعضهم جاء من دول الغرب)، ليمارسوا فيها ما تعلّموه من تقطيع للرؤوس أو استعمال الغازات السامة وغيرها من فظاعات كان الغرب ينكر حدوثها ويحمّل مسؤوليتها للنظام في دمشق.

من هنا يمكننا أن نفهم ماهية الثقة التي يتحدث بها قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني حين قال إنّ "التدخل والغزو الأميركي لدول المنطقة بذريعة مكافحة ‘داعش’، مصيرها الفشل والهزيمة، ولن تحقق اغراضها المشؤومة، وذلك لأنها تفتقر الی المبدأ.."

حزب الله الذي أذهل "إسرائيل" في التسعينيات ثم صدمها بانتصاره في الـ2006 رغم عدم التوازن من حيث العدة والعتاد مقارنةً بـ"إسرائيل" الكيان العسكري المدعوم من الغرب والمصمم أن ينتصر في مواجهة مهاجمة الجيوش العربية له ولو مجتمعة.. لم يكن حزب الله مجرد جماعات إسلامية منظمة مدربة ومسلحة تسليحًا جيدًا ، لقد انتصر حزب الله لأنه توجد عقيدة قتالية لا يمتلكها العدو يديرها عقل استراتيجي جبار يعرف كيف يستعمل وسائله وإمكاناته وكيف يطورها بحكمة واقتصاد.. هذه العقيدة القتالية يستحيل هزيمتها ولو اجتمعت عليها كما نرى الآن كل قوى الشر في الغرب وفي المنطقة.. تلخص هذه العقدة عبارة "هيهات منا الذلة"، هذه العبارة ليست شعارًا أو مجرّد كلمات.. انها فعل ومقاومة ينفذها المقاتل في أحلك الظروف القتالية ومعناها لا استسلام فإما أن نحيا بكرامة أو نموت بشرف..

يضاف الى ذلك أنّ الروسي الواقف مع سورية منذ بدء الأزمة في وقت راهن فيه الكثيرون على تغير الموقف الروسي حيال سوريا كما حصل مع صدام حسين في 2003 ومع القذافي لاحقًا.. وهو ما أثبتت السنوات الأربعة المنصرمة خطأ هذا الرهان، لنجد أن تطور الأحداث في أوكرانيا ومحاولات الغرب لإضعاف روسيا والاستخفاف بإمكاناتها كدولة عظمى، مضافًا لها أن تطور الأحداث في منطقتنا تثبت أن تصريحات ومواقف المسؤولين الروس مما يسمى الربيع العربي بشكل عام ومن دعم سوريا بشكل خاص وكذلك تصريحاتهم ومواقفهم المعلنة المنتقدة لسياسات الغرب عمومًا والأمريكيين على وجه خاص حيال قضايا المنطقة كانت محقة.. وها أعرض هنا كمثال التصريح الأخير للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في منتدى فالداي بالأمس:

"الدول الغربية تكرر أخطاءها التي ارتكبتها في الماضي حين موّلت حركات متطرفة لمواجهة الاتحاد السوفيتي، خرجت منها فيما بعد طالبان وتنظيم القاعدة..
الغرب دعم تدخل الإرهابيين في روسيا ودول آسيا الوسطى ماليًا وإعلاميًا..
تدخل الغرب في ليبيا دفع البلاد إلى حافة الانهيار وهذا البلد أصبح ميدان تدريب للإرهابيين..
الشركاء الغربيون يحاربون ما نتج عن سياساتهم"..
لينتهي بعبارة: "لن نسمح للإرهاب أن ينتصر في سورية.. قرار اتُخذ ولا رجعة عنه."

كلام قيصر مثل بوتين تترجمه الأفعال وتعني دعمًا عسكريًا واقتصاديًا وسياسيًا غير محدود لدمشق في صمودها حتى الانتصار..
أمريكا ستدرك ولو متأخرة ، أنّ عقيدة اللقطاء المرتزقة التي تقوم على "المنفعة" بأسلوب القتل والتفجير من أجل السلب والنهب والاغتصاب، لا يمكنها أن تنتصر على عقيدة رجال عاهدوا فصدقوا.. وهنا يكمن الفارق الكبير بين القتال من أجل تحقيق مكاسب غير مشروعة وبين القتال دفاعًا عن الحق، دفاعًا عن الإنسان وعن المبادئ والقيم.