ترتيبات التسوية والانعطافة الامريكية.. هل دقت ساعة الحل ؟

ترتيبات التسوية والانعطافة الامريكية.. هل دقت ساعة الحل ؟

تحليل وآراء

السبت، ٢٥ أكتوبر ٢٠١٤

 اربعة اعوام مرت على "الحريق العربي"، تلك المؤامرة الكبرى التي دمرت الوطن العربي من اقصاه الى اقصاه، ودمرت مقدرات الامة المادية والبشرية واعادتها عقودا الى الوراء.
صورة الاسلام ومفاهيمه هي اكبر ضحايا هذا الاستهداف، وقد تحول الاسلام الى وسيلة للقضاء على الاسلام ومحاربته واستعماله في تحقيق الغايات والمطامع. ولا شك في اننا سنحتاج الى عقود عديدة من الجهد الفكري والديني لاعادة ترميم هذه الصورة وعلاج ما اصاب مفاهيمها من مغالطات وممارسات.
بعيد انتهاء ولاية جورج بوش الابن ووصول اوباما الى سدة رئاسة الولايات المتحدة الامريكية، بدأت حقبة جديدة من الصراع , "الحرب الناعمة ".
في 17112012 خرجت اخر قافلة امريكية من العراق وتم قطع رأس القاعدة ورميه في البحر تحضيراً لنسخة قاعدية جديدة تلائم شروط الحرب القادمة ( الاسلام بمواجهة الاسلام ) وبدأ الدعم الخفي للاخوان السياسي لتمكينهم من السلطة خدمة لمشروع الفوضى وتفكيك منظومات الحكم الحديدية تمهيدا لمرحلة الحريق الاكبر , مرحلة داعش .
بداية نجحت الخطة , وانقلبت الموازين في تونس وليبيا ومصر واليمن وسوريا واخيراً العراق . الفوضى في كل مكان، وتجارة السلاح على احسن حال, والخراب العارم يحقق للامريكي وحليفه الصهيوني في المنطقة اكثر من المتوقع .
العقل الاخر المواجه لهذا المحور التدميري، لم يكن مجرد مراقب بقدر ما كان يتحضر للمواجهة التي ترد هذه المؤامرة وتحول هذا الهجوم الشرس الى انتصار يراكم نجاحاتها كمنظومة ممانعة استطاعت ان تنتصر على مشروع الاستكبار العالمي بتحرير عام 2000 وتدمير سمعة الجيش الصهيوني عام 2006 وتحرير غزة عام 2008 وما بعدها.
منظومة الممانعة كانت تعي ان محور الانتصار او الانكسار هو سورية، فكان القرار بأن على سوريا أن تنتصر وممنوع عليها أن تسقط وهنا بدأ الانعطاف الاول في مسار المواجهة.
صمدت سورية, واستطاعت ان ترد كرة النار على مطلقيها وساعدها الخصم, عن غباء او قلة دراية, بالذهاب بعيداً في المواجهة, فكانت داعش وكانت المفاجئة.
كان المطلوب من داعش و"خليفتها "، عميل المخابرات الصهيو- امريكي ابو بكر البغدادي , ان يضرب المالكي وان يشكل حالة دعم لما يسمى ثوار سوريا, فانقلب المارد الذي خرج من القمقم على اسياده الغربيين وتحول الى خطر داهم على امن المنطقة والعالم . وبغض النظر عن دور اميركا ومساهمتها في صناعة داعش وفي استغلالها المنقطع النظير, وحتى اذا اسقطنا نظرية المؤامرة واعتبرنا ان داعش تخدم المصالح والاهداف الامريكية والصهيونية في المنطقة, الا ان هذا الغول الذي ربّاه الغرب تحول الى وحش حقيقي يهدد ليس فقط امن المنطقة وامانها بل امن وامان العالم باسره بحيث ايقظ شياطين الارهاب في كل العالم وخصوصاً في اوروبا واميركا في ظل تنامي الوجود الاسلامي الحاضن ببعض مكوناته للفكر التكفيري والارهابي .
على المقلب الاخر, شكل انتصار حزب الله في القصير نقطة تحول كبيرة في مجرى الصراع وبدأ مع الجيش العربي السوري يعيدان الإمساك زمام المبادرة, الى ان جاءت خطوة التراجع الامريكي عن ضرب سوريا لتشكل مساراً جديدا في المواجهة عزز الموقف السياسي لخط الممانعة وجعلها تنتقل من الدفاع الى الهجوم, فصفعت اسرائيل في غزة و نجحت في امتصاص تداعيات المؤامرة الداعشية في العراق عبر استبدال المالكي وتحصين بغداد ودعم الاكراد بالسلاح , ثم سددت ضربة قاصمة للمحور الاخر في اليمن عبر اسقاط الهيمنة السعودية عنها على يد الحوثيين لتصل الى نقطة القوة التي تفرض فيها التفاوض المعزز بالانجازات والمكاسب .
هنا لا بد من الاضاءة على مسألة بالغة الاهمية وهي المسألة الكردية , وتقاطع الدور الكردي ازاء كل هذه الاحداث . فالاكراد الذين اضاعوا "امتهم" ايام سايكس – بيكو, وتقربوا من الغرب ومن الصهيونية في فترة الغزو الامريكي وما بعده , يعرفون جيدا ان الذي حرمهم من كيانهم الكردي الخالص هو الغرب سنة 1917 وان التماهي معه بتقاطع المصالح النفطية هو تكتيك ظرفي يحقق لهم عناصر قوة مرحلية ولا يحقق حلمهم الاسمى وهو اقامة الدولة الكردية الخالصة , ومن جهة اخرى, فقد اثبت التطوارات الاخيرة ان من ساعد وحمى الاكراد من خطر داعش هم الايرانيون, الذين ساعدوا على وقف تمدد داعش بإتجاه أربيل بتدخل شخصي وعسكري مباشر من قاسم سليماني وبدعم عسكري وامداد فوري بالسلاح لمقاتلي البشمركة منذ الايام الاولى للهجوم الداعشي, بالاضافة الى المواقف السياسية الواضحة والحازمة من قبل طهران ازاء مسألة عين العرب وتصديها لمساعي انقرة الخبيثة.
ومن نافل القول ان للاكراد وللمناطق الكردية الجيوسياسية اهمية خاصة واستراتيجية لطهران, فالمنطقة الكردية العراقية تشكل خط وصل اساسي لسلسلة منظومة الممانعة الممتدة من طهران الى بيروت بقدر ما تشكل تلك المنطقة من اهمية استراتيجية لامريكا في المنطقة , ولذلك , فان المسألة الكردية الان, باتت تشكل نقطة العقدة ومنطلق الحل لاي تسوية بعدما تجلت نقاط القوى ونقاط الضعف للفريقين المتصارعين في المنطقة على مدى السنوات الاربع الماضية.
لكن السؤال الاهم , كيف يمكن ان تنتج تسوية تحقق المكاسب لكل من محور الممانعة والمحور الاخر وتحقق للاكراد مبتغاهم مع مراعاة الحسابات التركية والسورية والعراقية في الاخراج ؟
لنرجع قليلاً الى الوراء، مستفدين من نتائج السياسية لتسوية الخروج الامريكي من العراق, وكلنا يعلم ان تقاسم نفوذٍ حصل في العام 2008 ادى الى خروج امريكيين مع الحفاظ على مصالح اقتصادية في العراق تتعلق بالنفط والشركات الامريكية العاملة في هذا المجال, بالاضافة الى اتفاقيات تسليح الجيش العراقي وبعض المكاسب الاخرى.
وفي المقابل, استحوذت ايران على القرار السياسي في العراق والمتمثل بتثبيت نوري المالكي ( الحليف البراغماتي ) لايران والذي حرص على تثبيت منظومة الممانعة من طهران الى بيروت.
نفس هذا السيناريو سيتكرر الان, الامريكي لا يهمه في نهاية المطاف من المنتصر ومن المهزوم , ولا يسعى الى معركة كسرعظم لا منتصر فيها ولا منهزم , وكما راينا في حرب الخليج لاولى, فقد كان همه بيع السلاح للعراق والسعوديين وابتزاز الخليج ماليا واقتصاديا , ولم يأبه اذا ما انتصرت ايران او خسر صدام . لذلك, فان الامريكي يتحضر لتسوية تشكل نسخة مكررة عن تسوية 2011 , نفوذ اقتصادي في اربيل مقابل نفوذ سياسي لايران متمثل بتعاون كردي ايراني يتناعم مع مشروع طهران السياسي في المنطقة.
ان نضوج هذه التفاهمات ارخى بظلاله على مسار المواجهة في سوريا وشكل تفسيرا واضحا للدور الامريكي المتغير تجاه الحرب فيها, ولعل الخاسر الاكبر من هذه التسوية الحتمية هم تركيا والسعودية والكيان الصهيوني , وهم لهذه الاسباب يستميتون في الاستمرار في المواجهة علهم يحسنون شروط التفاوض لتصب التسوية في مصلحتهم في نهاية المطاف , فنرى الاسرائيلي يحضر لمعركة جنوب دمشق والتركي يحشد للدخول الى سورية وانشاء منطقة عازلة والسعودي يسعى لتجديد الحرب في سوريا عبر انشاء فصيل مقاتل جديد وعبر زج اليمن في حرب اهلية وقبلية .
لا شك ان العودة الى الوراء باتت مستحيلة, وان بقاء العراق موحدا هو امر غير مضمون , وما بعد "ربيع العرب " ليس كما قبله , وان الاستمرار في المواجهة سيحقق لمنظومة الممانعة مكاسب اكثر مما يحقق للغرب وامريكا. واننا المستقبل الكردي بعد كوباني ليس كما قبله. فالخريطة تغيرت , ليس باتجاه شرق اوسط كبير او شرق اوسط جديد , بل باتجاه توازن عالمي جديد من ارض الشرق الاوسط .