موسكو وطهران درع قوي لدمشق.. الأردن يروّج لحلف "اعتدال" وعينا النصرة على الساحل وحمص

موسكو وطهران درع قوي لدمشق.. الأردن يروّج لحلف "اعتدال" وعينا النصرة على الساحل وحمص

تحليل وآراء

السبت، ٢٥ أكتوبر ٢٠١٤

علي مخلوف
ترتفع صيحات جنود الجيش العربي السوري في الميدان، فيما يخفت صراخ المسلحين شيئاً فشيئاً تحت ركام الأنقاض أو تحت الأرض مولياً، عمليات نوعية مستمرة بزخمها في كل مكان، على الساحة الدولية والإقليمية يجتمع الحلفاء، موسكو وطهران تريان في دمشق خطاً أحمر وتعلنان أنهما يشكلان درعاً لحماية الحليف السوري، فيما الملك الأردني يعود لترويج فكرة محور"الاعتدال" التي ابتدعتها واشنطن وكثر الحديث عنها بالتحديد في عامي 2005 و2006 لتعود اليوم مجدداً، أما الأتراك فهم باتوا في مرحلة الترنح ودخلوا نفق الأزمات مع العديد من الجهات الإقليمية والدولية.
رتم الميدان
ترتفع صيحات جنود الجيش العربي السوري في الميدان، فيما يخفت صراخ المسلحين شيئاً فشيئاً تحت ركام الأنقاض أو تحت الأرض مولياً.
جبهات مشتعلة كحمم جهنم، ورصاص الجيش المصبوب كتعويذة تقضي على أرواح شريرة تملأ تلك الجحور والأنفاق التي حفرها مقاتلون لم يعودوا يتواجدون في أكثر أحيانهم سوى تحت الأرض.
مناطق عديدة شهدت معارك قوية، تطهر بعضها وبعضها الآخر قاب قوسين من رفع راية النجمتين الخضراوين، ففي جوبر تستمر عمليات الجيش، لاسيما شرق طيبة ودوار المناشر، فضلاً عن تنفيذ عمليات حصدت عشرات أرواح المسلحين في كل من عربين وزملكا وجسرين، أما في ريف إدلب فقد كان الهدف معسكراً لتدريب ميليشيا "جند الأقصى" على الطريق الواصل بين بلدتي كورين وبكفلون وتم حصد عشرات المسلحين فيه.
وفي حلب فقد استعاد الجيش السيطرة على كتيبة حفظ النظام والمسلمية ومعامل الزجاج والاسمنت شمال حلب، فضلاً عن السيطرة على حندرات وسيفات والتلال المحيطة بها، فيما تحدثت وسائل الإعلام عن تأمين الطوق الأمني حول حلب والمدينة الصناعية وسجن حلب المركزي، وإطباق الطوق الكامل على حلب وقطع خطوط امداد المسلحين من المدينة وإليها، ما يهدد بسقوط الأحياء الشرقية الخاضعة لسيطرة المسلحين بيد الجيش السوري.
بالمحصلة فإنّ عمليات الجيش السوري تكتسب زخماً كبيراً، تأمين الطوق على مدينة حلب وقرب تطهير بعض البلدات في ريف دمشق، فضلاً عن عمليات نوعية مستمرة في مناطق متفرقة من الريف الإدلبي والدرعاوي.
موسكو وطهران درع لدمشق
يعلو الصوت في طهران فيأتيه النداء من موسكو، سورية خط أحمر، هي بالنسبة لطهران خط دفاع أول كسره يعني النيل من محور المقاومة، ولدى موسكو تتحول سورية إلى شبيهة بستالينغراد مقدسة يُمنع سقوطها بأي شكل من الأشكال.
ضمن هذا السياق أكد أمين المجلس القومي الإيراني علي شمخاني أن إيران وروسيا متفقتان على ضرورة حفظ سيادة ووحدة أراضي الدولتين السورية والعراقية، وبعد توقيع مذكرة التعاون مع نظيره الروسي نيكولاي بتروشوف أكد شمخاني أن ظهور داعش هو نتيجة السياسات الخاطئة لاسيما ما يتعلق بدعم المجموعات الإرهابية، بدوره أكد بتروشوف على أن أساليب ورؤى طهران وموسكو متطابقة أو متقاربة جداً حيال الكثير من القضايا الرئيسية في المنطقة، و"قد ناقشنا اليوم على وجه الخصوص أوضاع سورية والعراق وليبيا".
قبل ذلك شكّل التصريح الذي قاله وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف صفعة للأميركي حينما قال إن روسيا تقدم الدعم لكل من "سورية والعراق" حليفتيها في الحرب ضد الإرهاب، وتعزز قدراتهما العسكرية بمختلف الأسلحة والمعدات الحربية، إضافةً لاتهامه واشنطن بمحاولة التدخل في شؤون الآخرين تحت ذريعة حقوق الإنسان، فضلاً عن محاولتها إسقاط الدولة السورية ودعم ما تُسمى بالمعارضة "المعتدلة".
إذاً فإن هناك تشبثاً في المواقف لدى كل من إيران وروسيا منذ ثلاث سنوات وحتى الآن، بل كلما مر الوقت كلما انقشع الضباب واتضحت الصورة، المشروع يستهدف الإيرانيين والروس من خلال استهداف سورية هكذا هي المعادلة باختصار، ما يجعل هاتين الدولتين القويتين تتحولان إلى درع متين لسورية التي إن سقطت فإن إيران ستكون التالية وموسكو ستعود إلى زمن الندب والفقر قبل عودة صعودها ونهضتها الحالية.
عينا النصرة على حمص والساحل
تتشظى العمائم، وتتكاثر اللحى لتقاتل بعضها بعضاً، داعش تكفّر النصرة وغيرها، والنصرة تخون داعش وتكفّرها، لقد اتهمت جبهة النصرة فرع تنظيم القاعدة في سورية على لسان أحد قادتها المدعو أبو ماريا القحطاني واشنطن بأنها أنقذت تنظيم داعش عبر منحه السلاح والمال لدحرها في المنطقة الشرقية، مشيرة إلى أن واشنطن أيقنت أن انتصار المجاهدين بالمنطقة الشرقية سيتيح الفرصة لإقامة دولة من البصرة للساحل وهذا خطر حقيقي
كما زعم القحطاني أن داعش أفشل حملة لها كانت تستعد للتوجه إلى حمص، متهماً التنظيم بالسعي لإنهاء كل الجماعات وشراء الناس، معتبراً أن تقدمهم بالعراق ما هو إلا فتوحات وهميةـ كما أعرب عن خشيته من وجود من سماهم "داعشيي الهوى" بالجبهة، داعياً إلى تطهير الصف من هؤلاء.
مما سبق يتضح أن جبهة النصرة تضع عينيها على كل من الساحل السوري ومحافظة حمص، لاسيما بعد ذكر المدعو أبو ماريا لدولة تمتد حتى الساحل السوري، ثم حديثه عن حملة كانت تعدها الجبهة للتوجه نحو حمص، إذ لم يُسمع بعد الآن عن وجود نشاط ملحوظ للنصرة في الكثير من المناطق كما في السابق فهل لذلك علاقة بمحاولته تنظيم صفوفها وتجميع مقاتليها تحضيراً لمعركة صوب حمص أو الساحل؟
كلام أبو ماريا بحق داعش يعكس مدى مرحلة العداء التي وصل إليها التنظيمان الشقيقان، فالنصرة فضلت القتال إلى جانب ميليشيات إسلاموية سورية ضد داعش والأخير بات يرى في الجبهة طرفاً لا يقل عداوة عن غيره بالنسبة للتنظيم، ماذا سيفعل التنظيم الأم الذي يتبع لأيمن الظواهري من أجل ردم الهوة بين الجبهة وداعش، وهل ستبدأ حرب استنزاف مقبلة بين هؤلاء إلى جانب الحرب الدائرة الآن.
تركيا في مواجهة أزمات تتراكم
تدخل تركيا نفق الأزمات، دبلوماسية عثمانية بلغ منها الصدأ مأخذاً كبيراً، فبين ملف الأكراد والحديث عن عودة إشعال حرب مع حزب العمال الكردستاني، فضلاً عن ما يجري في بلدة عين العرب، مروراً بالفتور الأميركي ـ التركي والحرد الذي أبدته أنقرة تجاه واشنطن من الحلف العالمي للحرب على "داعش" وصولاً إلى توتر في العلاقات مع القاهرة وعداء عمره أكثر من ثلاث سنوات مع سورية، وجفاء بين الأتراك وبغداد، كل ذلك بات متراكماً ويشكل عقبات أمام حكم العدالة والتنمية، الذي أدت سياسته إليها.
في هذا السياق تحدث مصدر مسؤول في وزارة الخارجية المصرية عن دور لعبته بلاده في منع تركيا من الحصول على كرسي غير دائم في مجلس الأمن، من خلال ممارسة جهود دبلوماسية في أروقة الأمم المتحدة من أجل حث الدول على عدم التصويت لتركيا، يأتي ذلك على خلفية التوتر الذي يسود العلاقة بين البلدين منذ الإطاحة بالرئيس المصري السابق محمد مرسي.
بالمحصلة فإن الأتراك الآن باتوا أمام جمع كبير من الخصوم "السوريين والمصريين والعراقيين والأكراد في كل من سورية وتركيا" فضلاً عن المشكلة الناشئة مع واشنطن، والخطر الداعشي الذي يهدد الجميع بمن فيهم أنقرة ذاتها.
الأردن وحلف الاعتدال المزعوم
لطالما حاول النظام الأردني إعطاء نفسه هالةً أكبر مما يستحق، في أفضل الأحوال كانت السلطات الأردنية تقوم بعملية تسول لجمع مساعدات ومساهمات مالية من الدول الإقليمية والدولية بحجة عدم قدرة الأردن على استضافة اللاجئين السوريين، وقبل حملات التسول المالية تلك، كانت هناك حملات تسول خاصة صوب الخليج الذي لطالما كانت ذراعه ممدودة في الحلق الأردني بسبب الأعطيات والمنح المالية الكثيرة، ناهيكم عن حاجة الأردن للماء والكهرباء والتي دوماً ما كان يحصل عليها من سورية قبل الأزمة.
بلد كالأردن لا يتمتع بمواصفات تجعله رقماً إقليمياً يريد الادعاء بأن الجميع بات بحاجته، علماً أن النظام الأردني هو من أكثر الأنظمة هشاشةً، ويكفي أن يقوم تجمهر كبير للأخوان المسلمين أو السلفيين، أو مظاهرة للفلسطينيين في الشارع الأردني حتى تبدأ فرائص الملك بالارتعاش.
لقد اعتبر الملك الأردني عبد الله الثاني خلال لقائه بعدد من النواب الأردنيين أن حرباً أهلية تدور داخل الإسلام بين قوى الاعتدال والتطرف، موضحاً أن هناك تطرفاً إسلامياً وأيضاً في المقابل يوجد تطرف صهيوني، كما شدد على أن الحرب على الإرهاب ستستمر لمدة طويلة، وربما تمتد إلى 10 أو 15 عاماً، وأكد أن الأردن يعمل ضمن ما أسماه تحالف "معتدل عربي إسلامي" وبمساعدة دول أخرى لمواجهة هذا الخطر، والجميع اليوم بحاجة الأردن وجهوده ليسير الوضع في الاتجاه الصحيح".
كان الأولى بالملك لو أعاد حساباته لما يجري في بيته الداخلي، فتصريح كهذا قد يزعج الإسلاميين الأردنيين والذين يشكلون كتلةً ليست بقليلة في الداخل، وكان الأولى به لو أعمل فكره بكل تلك التنظيمات الراديكالية "الوهابية" التي تم تمريرها عبر أراضي بلاده باتجاه سورية، ولكان أيضاً تحدث لنوابه عن العدد الكبير للأردنيين المنضوين في تلك الميليشيات المتطرفة التي تقاتل في سورية، فضلاً عن مكاشفته لهؤلاء النواب بأهداف المساعدات التي تقدمها السعودية لهم.
أما عن الحلف الذي أسماه حلف اعتدال "عربي ـ إسلامي" فهو عودة لمشروع طُرح قبل سنوات وتحديداً بعد حرب تموز 2006 في لبنان، عندما كان الملك الأردني والرئيس المصري حسني مبارك والنظام السعودي من مروجيه ألا وهو "حلف الاعتدال" الذي ابتكرته واشنطن بالأساس، حلف اعتدال في مواجهة "هلال" ناشئ يشكل خطراً هكذا كان الحديث وقتها، واليوم مع وجود داعش التكفيري يصبح في مواجهة الحلف عدو آخر بالإضافة للهلال المزعوم الذي يُحارب الآن لاسيما في سورية.
...
المجهر السياسي
أطلق الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون تحذيراً من أن الرد العسكري وحده على تهديد "الدولة الإسلامية" في سورية يمكن أن يغذي التطرف لدى جماعات مسلحة أخرى، مؤكداً أن الهدف الاستراتيجي الطويل الأمد في سورية لا يزال التوصل لحل سياسي"، مضيفاً أن " مدينة عين العرب مجرد واحدة من أماكن كثيرة في أنحاء سورية يواجه المدنيون فيها خطراً داهماً زاعماً أنه وبالإضافة إلى وحشية "داعش" تواصل الحكومة السورية تنفيذ هجمات ضد مناطق سكنية باستخدام البراميل المتفجرة.
من الطبيعي أن يظل كي مون مصراً على حلم الحل السياسي في سورية، لأنه بات من الميؤوس منه إسقاط الدولة السورية بالقوة، حلهم السياسي وفق أماني المجتمع الدولي المسيطر عليه أميركياً هو استبعاد القيادة السورية واستبدالها بحكومة مضمونة الولاء للغرب، لكن أخطر ما حاول كي مون قوله هو مساواته بين الدولة السورية التي تدافع عن سيادتها وفقاً للدستور السوري وبما يتوافق مع القانون الدولي، وبين تنظيم "داعش" الإرهابي الذي يستنفر العالم لقتاله، فهل يريد كي مون يريد استنفار العالم لقتال الدولة السورية كما يتم العمل الآن مع داعش.
...
قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن مدينة عين العرب السورية، إستراتيجية بالنسبة لتركيا، وليست للولايات المتحدة الأميركية، مشيراً إلى أن الإجراءات التي ستتخذها بلاده حيال ذلك ستكون ذات أهمية خاصة، منتقداً ما وصفه بسياسة الكيل بمكيالين التي تنتهجها الولايات المتحدة التي تقود التحالف ضد "داعش" في المنطقة، من دون أن يسمها قائلاً "تشعرون بكل هذا القلق حيال عين العرب، لكنكم لماذا لا تشعرون بأي قلق حيال بقية المدن السورية التي تشهد أحداثاً مماثلة.
تزداد حدة التوتر بين أنقرة وواشنطن يوماً بعد يوم، وعين العرب هي القشة التي قسمت ظهر البعير، ما هي تلك الأهمية الاستراتيجية التي قصدها أردوغان لتلك البلدة السورية؟ هل يرى فيها خطراً داهماً على تركيا كونها مدينة سورية كردية؟ وما هي الإجراءات التي قد تتخذها أنقرة؟ هي سمحت لمقاتلي البشمركة بالمرور عبر أراضيها باتجاه عين العرب، لكن هل يمكن أن تقوم تركيا بتحريك شيء من قواتها تجاه تلك البلدة، بحيث تضرب عصفورين بحجر واحد الأول هو قيامها بتدخل عسكري لطالما حلمت به، والثاني هو إيهام الأكراد بأنها تساعدهم وتطلب ودهم.