تركيا.. الدولة الممر!.. بقلم: محمد نور الدين

تركيا.. الدولة الممر!.. بقلم: محمد نور الدين

تحليل وآراء

الجمعة، ٢٤ أكتوبر ٢٠١٤

عكست التطورات الأخيرة المتعلقة بمدينة عين العرب (كوباني) السورية مدى التخبط في السياسة التركية تجاه مجمل الأوضاع الإقليمية، ولا سيما المسألة الكردية.
وكم كان فاضحاً ذلك التحول في السلوك التركي بين ليلة وضحاها تجاه ما يحدث في عين العرب. وهذا ليس على قاعدة تحول في الموقف، أو تخل عن العناوين التي رفعها المسؤولون الأتراك، بل على قاعدة «مُكره أخاك لا بطل».
لقد أظهرت الأحداث أن الخلاف بين أنقرة وواشنطن كبير، ولا سيما بشأن المسألة الكردية. ففي حين كان الرئيس التركي رجب طيب اردوغان يضيف «حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي في سوريا إلى لائحة التنظيمات الإرهابية، معتبراً انه و«حزب العمال الكردستاني» واحد، كانت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية ماري هارف تكرر التأكيد على أن «الاتحاد الديموقراطي» ليس منظمة إرهابية.
ومع رفض تركيا فتح أي ممر مساعدة إلى عين العرب كانت الولايات المتحدة تلقي مساعدات من الجو للمدافعين عن المدينة، قبل أن تضغط وتجبر أنقرة على فتح ممر عسكري هذه المرة عبر تركيا لوصول مساعدات أسلحة ومقاتلين من «البشمركة» الكردية في شمال العراق إلى عين العرب. وبذلك كانت واشنطن «تمسح بالأرض» كل طروحات «حزب العدالة والتنمية» حول المدينة وأكراد سوريا.
وهذا لا شك يدخل أنقرة في حرج إضافي، وهو أن تسهيل المساعدات لكوباني هو دعم غير مباشر إلى «حزب العمال الكردستاني» على اعتبار أن «الاتحاد الديموقراطي» هو الشقيق السوري له.
كما أن مجرد مرور مقاتلين أكراد، ولو غير مسلحين، في طريقهم إلى عين العرب عبر الأراضي التركية سوف يشكل مشهداً سوريالياً يجعل مقولات «السيادة الوطنية» التركية، ولو بموافقة رسمية، مثار سخرية. وهذا لا شك سوف يقلل من اعتبار الدولة التركية بكل مقاماتها. غير أن وضع المؤسسة العسكرية هو الأصعب، خصوصاً أنها تعتبر حامية السيادة.
لقد أظهرت التطورات الأخيرة أن تركيا مهما وصلت خلافاتها مع الولايات المتحدة إلى الذروة، فليس أمامها سوى الرضوخ في النهاية، في حال كانت واشنطن مصرة على مطلب معين، وهو ما حصل في تطورات عين العرب.
ومن نتائج هذه التطورات أن تركيا فقدت المبادرة في الموضوع الكردي. وبدلا من أن تقدم المساعدة لعين العرب ضد تنظيم إرهابي مثل «الدولة الإسلامية في العراق والشام»-»داعش» فتكسب قلوب أكراد تركيا وسوريا معاً فإنها فوتت هذه الفرصة التاريخية، وأظهرت أقصى قدر من الكراهية للأكراد بضم «الاتحاد الديموقراطي» إلى قائمة أعداء تركيا ووصفه بالإرهابي.
وفتح هذا الموقف أمام تحول إستراتيجي في المنطقة مع إظهار الولايات المتحدة على أنها الحامي للأكراد في العراق وسوريا وتلقائياً في تركيا. وسيذكر الأكراد أن أميركا هي التي أنقذت عين العرب من خطر الإبادة «الداعشية». وفي ذلك تكرار للسيناريو العراقي عندما بادرت واشنطن إلى غارات جوية تردّ «داعش» عن أبواب أربيل.
أيضاً انتقلت صورة الحامي والمدافع عن الأكراد إلى يد دولة أخرى، هي إيران المنافسة لتركيا في المنطقة. وبذلك تكون أنقرة خسرت بالجملة لمصلحة خصومها بعدما كان بإمكانها إصابة عدة عصافير بحجر واحد.
ودفاع أميركا عن عين العرب هو دفاع عن فكرة «الحكم الذاتي» وإصابة في قلب النظرة التركية التي اشترطت على أكراد المدينة التخلي عن فكرة «الحكم الذاتي» لتبادر إلى مساعدتهم.
يتقدم اللاعب الكردي من أربيل إلى عين العرب، ليس فقط في الأحداث المتصلة بالمسألة الكردية بل أيضاً في لعبة رسم الخرائط الجديدة في الشرق الأوسط، وبرعاية أميركية. ولعلها مفارقة أن يكون اللاعبان الرئيسيان الآن في أحداث المنطقة ليسا دولتين، بل قوتان هما «داعش» والأكراد. وليس تساؤلا في غير محله عما إذا كان هذا مؤشراً على ملامح الدول الجديدة التي ستنشأ في المنطقة في مرحلة إعادة رسم الخرائط والحدود، ولو بعد سنوات.
لقد حولت تركيا أراضيها على مدى ثلاث سنوات إلى ممر كبير وواسع لكل أنواع المسلحين من أنحاء العالم في طريقهم إلى سوريا. وليس كثيراً عليها بالتالي أن تفتح ممراً، ولو صغيراً، لـ«البشمركة»، إلى عين العرب. وباتت تركيا في أذهان الرأي العام أنها «دولة ممر»، سواء بإرادتها أو رغما عنها. وهذا كله ليس سوى نتاج السياسات الخاطئة والطامعة لسلطة «حزب العدالة والتنمية» التي أرادت أن تتفرد في الهيمنة على سوريا والمنطقة، فإذا بها غير قادرة على ممارسة سيادتها على أراضيها نفسها.