الإعلام الاستقصائي بين الحلول والفضائح .. بقلم: سامر يحيى

الإعلام الاستقصائي بين الحلول والفضائح .. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الجمعة، ٢٤ أكتوبر ٢٠١٤

لا يمكن لأيٍ كان أن ينكر أنّ "الوسيلة الإعلامية" ما هي إلا أداة بيد مشغلّيها أو موجّهيها، سواءً كان قطاعاً عاماً أم خاصاً، ومعظمنا يعلم أن أكبر ست شركات في العالم تدير 90% من الشبكات الإعلامية، ما يؤكد أن الإعلام لم ولن يكون في يومٍ من الأيام مستقلاً أو شفافاً مهما ادّعى ذلك، وهذا ليس خطأ، فلا يمكن لشخصٍ مهما بلغ من النقد الذاتي أن يجلد نفسه علناً وصراحةً ويعرّيها أمام الآخرين ولو أقرب المقرّبين إليه، بل يحاول إيجاد كل الحجج والسبل من أجل إخراج أفضل ما عنده، وتبرير أخطائه، فكيف بالمموّل والمشغّل، ومن هنا يجب أن ندرك أنّ دور الإعلام وخاصة الحكومي هو الاستفادة من الأفكار بما يساهم بكشف الحقائق وتفادي الأخطاء وتصحيح المسار، فلنكن صادقين مع أنفسنا، لأنّه شتّان بين الواقعية والمنطقية والشفافية، وبين التنظير والشعارات الجاذبة والخادعة، شتّان بين كشف الحقائق وتوضيحها للرأي العام، وبين نشر الفضائح وزرع بذور الشك والريبة لدى الرأي العام، تحت شعارات جذّابة تدس السم بالدسم، وأكبر مثال لدينا قنوات كثيرة تسمي نفسها بالرأي والرأي الآخر، وأن تعرف أكثر وغيرها، وبنفس الوقت لا تتجرأ أن تنبس ببنت شفة بما يتعارض مع مموّليها أو مشغّليها.. حتى إنني في الكثير من الأحيان أخال أنّ الإعلام الرسمي السوري يعمل ضد نفسه، ولتشويه صورة المؤسسة التي تموّله بدلاً من شرح مواقفها الحقيقية الوطنية. فبالتأكيد لا أحد يدرك أنه يقوم بالخطأ ويستمر به، بل يعتبر ما يقوم به شطارةً، ويعمل على إبراز أفضل ما لديه، وكل له تبريره حتى الفاسد يستند إلى مبررات قانونية ومنطقية والبعض منهم دينية ومعايير اجتماعية إلى ما هنالك، فمن حق بل من واجب الإعلام الرسمي أن يبزر الجوانب الإيجابية والبناءة لدى مؤسسات الحكومة، بل وإيجاد المبرّرات وشرح كل ما يحصل بصورةٍ إيجابية بما يصب بمصلحة الوطن والمجتمع، وإحالة الأخطاء للجهات المختصة لمتابعتها بالتنسيق مع المكاتب الصحفية ودوائر العلاقات العامة والتخطيط بتلك المؤسسات، لأن الإعلام ليس نشر الفضائح، وإحباط المواطن، ولا حتى رفع معنوياته بطريقة مخادعة وكاذبة، بل التكلّم بواقعية ووعي بما يصب بمصلحة الوطن، وتصحيح مسير المؤسسات التي يحيد بعض أبنائها عن الطريق بقصدٍ أو غير قصد، بوعي أو بغير وعي، خيانة مقصودة أم عن حسن نية، فيكفي ما يمرّ به وطننا من حرب من كافة الجهات، العسكرية والاقتصادية والإعلامية وغيرها .... من هذا المنطلق نحن بحاجةٍ لإعلام استقصائي سوري حقيقي يقوم على البحث والاستقصاء عن أفضل السبل لكشف الأخطاء والتجاوزات ضمن المؤسسات لإيجاد العلاج الفعّال لها واقتراح الحلول المناسبة، مع عدم تجاهل الإيجابيات الكثيرة جداً، والتي هي سر صمود البلد طوال سني الحرب، ولا ننسى أن سورية ليست أول مرة يفرض عليها الحصار، بل مفروض عليها منذ منتصف ثمانينات القرن الماضي، ولو بطريقة مختلفة ومشاركون أقل وطأةً. إننا لسنا بحاجة للتنظير، ولسنا بحاجة لخبير أوروبي ولا غربي ولا أميركي ليشرح لنا هذه المعلومة أو تلك، إنّما نحن قادرون على بناء مجتمعنا، وصياغة إعلام حقيقي ووطني، فقط عندما نضع  نصب أعيننا مصلحة الوطن وأبنائه، وعدم الركون إلى مقولة أن الفساد منظومة، فالفساد ليس منظومة ولا مؤسسة بحد ذاته، بل هو نتاج تجاهل الإيجابيات، والتركيز على السلبيات والفساد، ما جعل الحديث عن الفساد أمراً عادياً، مثل تجاهل البياض الموجود في صفحة بها نقطة سوداء، ونستمر بأخطائنا وبجلد أنفسنا ما يؤدي لتوسيع دائرة الفساد والمفسدين بدلاً من تضييق الفجوة عليهم.
على الإعلام الرسمي السوري، وحتى الخاص الوطني منه، ألا يكون ضد الدولة والوطن، بل أن يكون عوناً له، بشرح الإيجابيات التي تقوم بها مؤسسات الوطن، والتطرّق للسلبيات واقتراح أفضل الحلول لها، ليكون إعلام دولة بحق، ولا يجوز أن يكون ضد مشغّليه وممولّيه، فكيف والشعب هو من يموّل هذه المؤسسة أو تلك..  فكل له نظرته ورؤيته للموضوع، وما أراه أنا صواباً تراه أنت خطأ والعكس صحيح، ولسنا بحاجة للكلام والشعارات التي نتكّلم بها ونعيدها في كل مناسبة وكل لقاء وكل خطاب، ولا نقوم بأي عملٍ حقيقي على أرض الواقع لضمان عدم تكرارها، وعندما نقوم بأي عمل حقيقي يأتي من يثبّط الهمم تحت حجج واهية ولا منطقية، فنحن قادرون فقط إن وضعنا نصب أعيننا الوطن وبناءه، وعدم التسليم بأن الفساد منظومة أو مؤسسة بحد ذاته بل هو داء وآفة مجتمعية بلا شكّ، ولكن أولى خطوات تشجيع الفساد التي تغيب عن بالنا، هي الحديث عن الفساد وتسليط الضوء عليه، لدرجة بات موضة، بل بات من يتهم بالفساد يفتخر تحت شعار "الشجرة المثمرة ترمى بالحجارة" وخاصةً أن كل فاسدٍ لديه من القدرات والإمكانات للدفاع عن نفسه بالوسائل المادية والمعنوية والانتهازية والوصولية وحتى الشهود الذين يقفون لجانبه ويصعد على أكتافهم من كافّة شرائح المجتمع..  المهم في العمل الإعلامي هو أن يصب في مصلحة المجتمع العليا، والإعلام الاستقصائي ما هو إلا البحث والتنقيب لما يصب في هذه المصلحة وتحقيقها والاستقصاء عن أفضل الطرق والسبل لنشر الوعي بين أبناء المجتمع وشرح وجهة نظر المؤسسة، وفضح مكامن الفساد والإشارة إلى أماكن النجاح، فليقوم الإعلام الاستقصائي بدوره الحقيقي عبر البحث والتنقيب عن المعلومة لتوضيح الحقائق وتصويب المسار، فالإعلام الاستقصائي ليس إعلام الفضائح، ولا إعلام كشف الفساد ولا إعلام توضيح الأخطاء، بل استبيان الحقائق والبحث عن المعلومة والهدف واقتراح الحلول لها عبر العمل بشكلٍ جاد ومنطقي لشرح الحقائق للرأي العام. يجب علينا أن لا نأخذ المصطلحات التي وضعها أشخاص، فكما أن القانون يخضع للتغيير والتجديد، أيضاً المصطلحات وضعها إنسان ويجب أن نتعامل معها بما يتناسب مع الواقع الذي نعيش به، ولا نخضع لمصطلحات يطلقها الآخرون بهدف جعلنا نبتعد عن الأهداف الحقيقية بما يتناسب مع الوضع في بلدنا وشعبنا.. وللوصول إلى إعلام استقصائي سوري حقيقي يجب أن يقوم الإعلام الحكومي بدوره كصلة الوصل بين المواطن ومؤسساته الحكومية، من خلال اقتراح الحلول وتسليط الضوء على الإيجابيات، وتوضيح الجوانب الغامضة في بعض القرارات والمواقف التي تتخذها الحكومة، إضافةً للتنبيه لمواطن الفساد وكشفها واقتراح طرق تلافيها..
سوريتنا تنادينا ودماء الأطفال والشهداء أغلى من كل مال، فليعمل كل من مكانه لبناء وطنه وتحقيق استقراره وازدهاره، والوقت الآن أكثر مناسبةً، فكل مؤسسة إن قامت بدورها تحقق شيئاً، ولا نرمي كل الثقل على مؤسسة الجيش العربي السوري ولا على القيادة السياسية...