العمليات العسكرية السرية: مصادمات سورية – تركية وشيكة

العمليات العسكرية السرية: مصادمات سورية – تركية وشيكة

تحليل وآراء

الجمعة، ٢٤ أكتوبر ٢٠١٤

 من التفسيرات الجاهزة للتحالف الدولي ضد "داعش" وشن هجمات جوية أمريكية على سوريا هو الرجوع إلى نظرية المؤامرة. فليس هناك ثمة تفسير أسهل من ذلك. و لكن ما يتعلق بتعقيدات المشهد السوري وتداخل المصالح الدولية والإقليمية فيه يدفعنا نحو إعادة النظر حول جدوى نظرية المؤامرة فى تفسير شن الهجمات على سوريا بزعم القضاء على تنظيم داعش، وخاصةً التدخل العسكري التركي ضمن ذلك التحالف.

إذ لم يحدث أن صعدت حركة بمثل هذة السرعة، حيث فرضت سيطرتها على أراضٍ شاسعة. وهناك بالطبع تحليلات عديدة حول أنّ داعش مثل سابقتها القاعدة هي صناعة أمريكية غربية.

وما يدعم الاستعانة بنظرية المؤامرة هو أنّ البغدادي، على الرغم من خطورته لتنظيم القاعدة في العراق، أطلق سراحه بسرعه قياسية. فما هي ظروف اعتقال وإطلاق سراحه السريع من قبل السلطات الأمريكية؟ لم تجب الولايات المتحدة الأمريكية عن هذا السؤال حتى الآن.
لقد سادت وغلفت نظريات المؤامرة الفكر العربي حتى بات من التفسيرات الساذجة لكل ما يحيط بالدول العربية من مصائب. و لكن ذلك لا يعني أنّ هناك أسس للأخذ بنظرية المؤامرة. فليس كل المؤامرات ملفقة، هناك مؤامرات حقيقية ينبغي أخذها في الحسبان.

العمليات العسكرية السرية: صناعة زائفة

بينما دفع الإرهابيون المدعومون من الغرب عشرات الآلاف من اللاجئين السوريين هرباً إلى الأراضي التركية، ووسط ما يطلق عليه "الحملة المستمرة والمستدامة" من الهجمات الجوية والضربات الصاروخية وهجمات أخرى متنوعة على الأراضي السورية، يعد الغرب لتأسيس منطقة عازلة فى شمال سوريا مدعومة من قوات حلف شمال الأطلسي NATO – وخاصةً من خلال تركيا، ضمن ما يطلق عليه التحالف الدولي ضد داعش.

تستعد تركيا للانضمام إلى قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية لشن هجمات على سوريا. إذ نشرت القوات البرية التركية قواتها على طول الحدود مع سوريا فى الرابع والعشرين من أيلول سبتمبر الجاري، حيث أشارت الحكومة التركية إلى خططها لتغيير سياستها للالتحاق بالتحالف الدولي ضد تهديد الجهاديين في العراق وسوريا.

دعمت تركيا وجودها العسكري على طول الحدود السورية للتعامل مع تدفق اللاجئين السوريين في السنوات الأخيرة، ومن أجل مواجهة أي هجمات محتملة من قبل الجيش السوري الرسمي في السنة الماضية. كما أنّ هناك العديد من التقارير التي تشير إلى مضاعفة تعبئة القوات التركية بعد هجمات داعش على الأكراد السوريين فى منطقة كوبان المتاخمة لتركيا.

بينما كان الهجوم العسكري المخطط العام الماضي من قبل تركيا هو لشن ضربات استفزازية مباشرة للجيش العربي السوري، تبيّن لاحقًا أن تلك الهجمات العسكرية ضد تركيا قد تمت من قبل الحكومة التركية نفسها، و ما يدلّل على ذلك هو اعتراف صحيفة نيويورك تايمز أنه من غير المعروف ما إذا كانت المدفعية السورية جاءت من المتمردين أو الحكومة. و لكن افترض رد الحكومة التركية حينها أنّ المسؤول عن الهجمات هو الحكومة السورية. كما أنّ الصحافة الأمريكية قد ضخمت من الإدعاء القائل بأنّ على تركيا الانتقام من الهجمات التي تعرضت لها بالقرب من بلدة Akcakale.

وفي الوقت نفسه ادّعت العديد من المصادر الإخبارية أنّ تلك الهجمات هي من نوع ما يطلق عليه بالعمليات العسكرية السرية أو الزائفة False – Flag Operations، التي تستهدف من ورائها هدفاً آخر أعمق، و التي من خلالها تستطيع تركيا تبرير هجماتها على سوريا.

ولقد كشفت الأحداث التاريخية التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط حقيقة أنّ تنظيم الدولة الإسلامية المزعوم، والذي هو ليس دولة ولا إسلامية، ما هو إلا تتويج لسنوات من الدعم الخفي بالأسلحة والمال والدعم من الولايات المتحدة الأمريكية، أوروبا، وتركيا. و يبدو أنّ الآن ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية سيكون بمثابة غطاء لطموحات الناتو في الإقليم.

اعتبرت تركيا ملاذاً آمناً لإرهابيي داعش خلال الثلاث أو الأربع سنوات السابقة. إذ دخل الآلاف من الإرهابيين من خلال تأشيرة سياحة إلى تركيا، حيث يسهُل الحصول عليها، ثم إلى سوريا. و قد حددت الخريطة التالية، عبر وسائل الإعلام الغربية، بوضوح الممرات المؤدية مباشرةً من الأراضي التركية إلى الأراضي السورية. واستخدمت تلك الممرات في نقل الأموال والأسلحة والمعدات لبناء ما هو الآن "قوة مرتزقة" لخوض الحرب في ثلاث دول بشكلٍ متزامن لبنان، سوريا، والعراق من قبل وكلاء وكالة الاستخبارات الأمريكية المركزية التى تعمل على طول الحدود التركية مع سوريا.

التدخل العسكري التركي فى سوريا: مؤامرة موثقة

كان التخطيط لشن هجوم جماعي على الأراضى السورية وخلق منطقة عازلة Buffer Zone جزء من الأجندة الأمريكية فى المنطقة منذ سنوات، قبل فترة طويلة من ظهور تهديد داعش. إذ صُنعت داعش ليس إلا لتكون ذريعة محتملة لتدخل عسكري أمريكي مباشر.

في حين أنّ فكرة منطقة عازلة هو المقصود بها لتبدو أحدث محاولة صادقة لحل الأزمة المتنامية وكسب الحرب فى سوريا، ولكن في الواقع، تمّ التخطيط لها على الأقل منذ آذار مارس 2012، حيث تم طرح الفكرة من قبل عدد من المراكز البحثية الغربية، مثل ما ورد في "مذكرة الشرق الأوسط رقم 21" من معهد بروكجنز بعنوان: "إنقاذ سوريا: تقييم خيارات تغيير النظام"، حيث ذكرت على وجه التحديد:

"حيث يكون البديل للجهود الدبلوماسية للتركيز أولاً على كيفية إنهاء العنف وكيفية الوصول الإنساني، كما كان يجري القيام به تحت قيادة عنان. وهذا قد يؤدي إلى خلق ملاذات آمنة وممرات إنسانية، والتي يجب أن تكون مدعومة من قبل قوة عسكرية محدودة. هذا من شأنه، بطبيعه الحال، أن يقصر من أهداف الولايات المتحدة الأمريكية إلى سوريا."

ويواصل تقرير بروكينجز بوصف كيف يمكن أن تساعد تركيا في توفير وإمداد كميات هائلة من الأسلحة والقوات على طول حدودها مع سوريا، وذلك بالتنسيق مع الجهود الإسرائيلية في جنوب سوريا قد يؤدي ذلك إلى تأثير تغيير النظام بالقوة في سوريا:

" بالإضافة إلى ذلك، فإنّ أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية لديها معرفة قوية عن سوريا، كذلك استخدام الأصول داخل النظام السوري في تخريب قاعدة قوة النظام والضغط من أجل إزالة الأسد. وعند قيام "إسرائيل" بوضع قواتها بالقرب من مرتفعات الجولان، قد يتم شغل قوات النظام عن قمع المعارضة المسلحة، وذلك يفتح أمام الأسد "حربًا متعددة الجبهات"، أي "Multi front – war"، لا سيما إذا كانت تركيا مستعدة لتفعل الشيء نفسه على حدودها، مع تزويد المعارضة السورية بالأسلحة والتدريب. ومن خلال تلك التعبئة العسكرية المتعددة المصادر، يتم إقناع القيادة العسكرية في الجيش العربي السوري بالتخلي عن دعم الأسد والإطاحة به من أجل الدفاع عن نفسها."

ومن الواضح أنّ المنطقة العازلة هي الخطوة التالية للخطط الغربية الصارمة التي تستهدف تغيير النظام في سوريا. وفي عام 2012، تمّ تلفيق عدد من الحوادث الحدودية مع تركيا للمساعدة فى تنفيذ تلك الاستراتيجية ولكنها قد فشلت. ولكن الآن يمكن استخدام تهديد داعش الملفق لإعادة تسويق المخطط ذاته، بل وتنفيذه.

وقد ذكرت صحيفة الصباح التركية ضمن مقالٍ بعنوان "الجيش التركي يؤذن له للحرب في سوريا والعراق"، أنّ الحكومة التركية ستطلب من البرلمان التفويض للقيام بالعمليات العسكرية في سوريا والعراق، قال ذلك رئيس الوزارء الجديد أحمد داود أوغلو.
كذلك ذكرت الصحيفة: "أنّ داود أوغلو قد قال إنه من المحتمل أن يكون هناك مشروعي قانون تبعًا للمخاطر في المنطقة". مضيفًا "نتمنى ألا تتدهور الأوضاع الأمنية في المنطقة. ومع ذلك، ستكون تركيا مستعدة لإتخاذ كافة الإجراءات الضرورية لمواجهة كافة تهديدات الأمن القومى للبلاد واستقرار المنطقة."

وبما أنّ تركيا قد نظمت العام الماضي العمليات العسكرية السرية على طول حدودها مع سوريا في محاولةٍ لإشعال حرب مباشرة مع سوريا، ودعمت الإرهابيين مما أدى إلى وقوع كارثة إنسانية امتدت إلى داخل الأراضي التركية، كان المقصود عمداً بخلق الفراغ الذي صنعته الولايات المتحدة وحلفاؤها أن يتم ملؤه بالمرتزقة الإرهابيين وقوات حلف شمال الأطلسي ليشكلوا جبهة دفاع ضد دمشق في شكل منطقة عازلة.

حظر اليوتيوب فى تركيا:

يبدو أنّ حظر اليوتيوب فى تركيا قد جاء بالمزيد من التضييق على الحريات العامة في البلاد، ولكن بالإضافة إلى ذلك، كان السبب الأساس وراء الحظر في أعقاب تسريب أحدث تسجيل لاجتماع أمني رفيع المستوى بشأن الحرب على سوريا. وفي أعقاب ذلك، تمّ إطلاق سراح تسجيل آخر يكشف عن تورط أردوغان في تسريب شريط يحمل فضائح جنسية. كما أنّ شركة جوجل التي تملك يوتيوب أعلنت أنها لن تحذف فيديو آخر مسرب الذي يقول أردوغان فيه لابنه أن يخفي الأموال قبل وصول المحققين.
ادّعى رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أنّ التسجيلات المسربة هى جزء من مؤامرة خارجية للإطاحة بالحكومة، وبالتالي اتخذت هيئة الاتصالات التركية إجراءات إدارية ضد موقع اليوتيوب.

وكان أحدث الفيديوهات المسربة يتعلق باجتماع رفيع المستوى بين رئيس المخابرات التركية هاكان فيدان، مع وزير الخارجية التركي آنذاك أحمد داود أوغلو، ورئيس الأركان العامة ياسر جولر ومسؤولين آخرين للقيام بعملية محتملة فى سورية لتأمين قبر سليمان شاه جد مؤسس الأمبراطورية العثمانية. و تعتبر أنقرة القبر ضمن الأراضي التركية ذات السيادة بموجب معاهدة وقعت مع فرنسا فى عام 1921، عندما كانت سوريا تحت الحكم الفرنسي. و صرحت وزارة الخارجية التركية أن الفيديو المسرب عن اجتماع المسؤولين بشأن الحرب على سوريا قد تم تلفيقه من أجل تهديد الأمن القومي التركي.

كشف الفيديو المسرب عن اجتماع المسؤولين الأتراك عن أفكار حكومة أردوغان بشأن الحرب على سوريا: "يجب أن ينظر إليها على أنها فرصة بالنسبة لنا (أي تركيا)". و فى المحادثة، يقول رئيس المخابرات هاكان فيدان : " أنه سيرسل أربعة من رجال سوريا لمهاجمة تركيا لتكون سبباً للحرب"، بينما اعتبر رئيس الأركان الجنرال ياسر جولر " أن الاجراءات التى يقترحها فيدان هي سببا مباشرا و واضحا للحرب" . بينما اقترح وزير الخارجية التركي : "أن عمليات محتملة داخل سوريا لتأمين قبر سليمان شاه هي أكثر واقعية".

و يكشف ذلك الفيديو المسرب، ثم حجب السلطات التركية موقع يوتيوب, عن النوايا الخفية للسلطة التركية من وراء إنضمامها لما يطلق عليه التحالف الدولي ضد داعش، و في نفس الوقت دعمها لداعش من أجل توجيه تنظيم الدولة الإسلامية ضربات قاضية لأكراد سوريا.

الضربة الجوية الأمريكية: النصر الأجوف

لقد كانت الضجة المحيطة بالضربة الأمريكية على مدينة الرقة السورية فى سبتمبر الجاري هائلة. إلا أن ما جاءت به مراسلة قناة سي إن إن الأمريكية أروى دامون عن " قصف الضربات الأمريكية لمبانٍ فارغة" قد أثار ردود أفعال مختلطة وشكوكاً حول فعالية والهدف من وراء الضربات الأمريكية. حيث أشارت المراسلة أنه من المحتمل أن يكون الإرهابيون قد هربوا وسط المناطق السكنية المزدحمة قبل 15-20 يوماً من القصف الجوي الأمريكي. ربما تكون قد صادفت دامون الحقيقة أو ربما قد قامت بما يقوم به العديد من الصحفيين الأمريكيين بتحدي السرد الجاهز للأحداث.

فما يؤكد حقيقة المؤامرة الموثقة ضد النظام السوري هو إدعاء الحكومة الأمريكية أنها قد سددت ضربات محققة ضد تنظيم الدولة فى سوريا وأوقعت بعدد من القتلى، لكن ما جاءت به مراسلة قناة السي إن إن الأمريكية الإخبارية يدحض ذلك الإدعاء.

ومع تلك البداية المزيفة حول حقيقة الأحداث والدوافع من وراء الضربات الجوية للتحالف الدولي بقيادة أمريكية يسير مستقبل العلاقة السورية التركية متدهورا، وتأتي في قلبه القضية الكردية. ومن ثم مستقبل تغيير الخريطة الجغرافية والعرقية في الشرق الأوسط حيث يعاد تفتيت وتقسيم دول المنطقة مرات عديدة.

وعلى مستوى الحرب، فلا يوجد مؤشرات على أرض المعركة يمكنها التنبؤ بمدى استمرار تلك الحملة الدولية على سوريا وإلى أي مدى يمكن صمود النظام السوري ومدى استمرار دعم الجيش العربي السوري له.

وعلى الجانب السوري،  فإن الطريقة الوحيدة أمام سوريا لمنع حدوث ذلك هو أن تجمع وحلفاؤها الوسائل التكتيكية والاستراتيجية والسياسية بسرعة في شرق سوريا لملئ الفراغ هناك، وذلك لمنع حملة الغرب من تجذرها في الأقاليم السورية. لأنه إذا حدث وتجذرت حملة الغرب، فإن أي محاولة من دمشق لاستعادة أراضيها قد تؤدي إلى مواجهة مباشرة بين الولايات المتحدة والنظام السوري الرسمي.

و من خلال تجنب الاستفزازت والمواجهة العسكرية المباشرة مع الغرب، يمكن للنظام السوري أن يستخدم قوات بالوكالة للإيقاع بالغرب في مستنقع معارك مكلفة وطويلة الأمد. ومن شأن تلك الاستراتيجية أن تتطلب بناء وتعزيز الردع ضد مزيد من عمليات التوغل نحو إجمالي المراكز السكانية السورية. وسيُترك الغرب مع مزيد من التأخير والتعقيدات، فضلا عن التكاليف الباهظة التي سيصبح من الصعب تبريرها أمام الجمهور الغربي الذي أنهكته الحروب.