التقلبات الجيوسياسية في خدمة «داعش»

التقلبات الجيوسياسية في خدمة «داعش»

تحليل وآراء

الجمعة، ٢٤ أكتوبر ٢٠١٤

 يبدو أنّ لتنظيم "داعش" حظاً وفيراً من "الفرص" للتقدّم على كافة المحاور، بعدما كان له القسط الأكبر من الدعم والتسليح والغطاء السياسي من قبل قوى إقليمية ودولية أصبحت معروفة جيداً، تتقاطع مع "داعش" في الكثير من الأهداف المرحلية والمباشرة، كسلطة أردوغان التركية والديوان الملكي السعودي، وإلى حدٍ بعيدٍ الإدارة الأميركية في واشنطن.
السلطة التركية التي تدعم المافيات وتشجّع السوق السوداء، والتي تلعب دوراً رئيسياً في صناعة الأحداث المأساوية في منطقة المشرق العربي، من مصر إلى الخليج، لم تتوانَ يوماً عن تقديم المساعدة والتسهيلات على اختلاف أشكالها للتنظيمات التكفيرية ومنها "داعش"، بعكس الخطاب السياسي الديماغوجي السائد، الذي نلحظه أيضاً على مستوى التدخل في الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، والوعود الكاذبة للفلسطينيين مقابل المعاهدات والاتفاقيات المستمرة مع العدو، والذي نراه أيضاً في الخطاب الأميركي فيما يخصّ التحالف الدولي ضد "داعش" مقارنةً بالنتائج على الأرض، وهذا هو منطق الخطاب التضليلي نفسه الذي برّر غزو العراق تحت ذريعة امتلاك نظام صدام حسين لأسلحة دمار شامل، وهو نفسه منطق "نشر الديمقراطية" على الطريقة الأميركية، بالطائرات والقنابل. ولا يبدو أنّ السلطة التركية تختلف من حيث الخطاب السياسي والممارسة المتناقضة معه بشيء عن الإدارة الأميركية، كيف لا وهي عنصر أساسي في حلف الناتو - ومن الدول المؤسسة له.
ما تجدر الإشارة اليه في الملف التركي هو ضرورة وفعالية حملات ودعوات مقاطعة البضائع والمنتجات التركية وخصوصاً في مجالات التجارة والسياحة والدراما، وياتي ذلك في إطار الضغط على الحكومة التركية خارجيًا وداخليًا لتغيير سياساتها، وهذا ما يجب أن يتم تنسيقه مع كل المجموعات والاطراف المناهضة للسياسة التركية في المنطقة، وتفعيل الحملات الإعلامية التي يترتّب عليها دورٌ أساسي في فضح الدور التركي-الداعشي ودورها في تخريب وتقسيم سوريا والعراق.
أما المخابرات السعودية التي لعبت دوراً كبيراً إلى جانب المخابرات الأميركية في صناعة تنظيم "القاعدة" في أفغانستان، تلعب الدور نفسه اليوم في صناعة "داعش" بقيادة خالد التويجري وخالد بن بندر وبندر بن سلطان، إلى جانب نفس القوى الإمبريالية التي من مصلحتها تفتيت المنطقة ونشر الأفكار الرجعية والدينية المتشدّدة فيها تسهيلاً لعملية السيطرة على ثروات شعوبنا وقطعاً للطريق أمام حركات التحرّر.
وقد أشارت تصريحات بايدن التي اضطر الى نفيها بعد ضغوطات البترودولار الى تورّط الدول الخليجية وتركيا في خلق داعش وتمويله، والأصابع السعودية الداعشية تنتقل من لبنان الى العراق الى ليبيا وسوريا وآخر مخطاتها تفجير اليمن، بسبب تضررها من سيطرة الحوثيين في اليمن وتداعياته على باب المندب والحدود السعودية وتغير موازين القوى، وما كان ردها الاولي على مستجدات اليمن أن أعلن تنظيم "القاعدة" في اليمن منذ أيام ولاءه ومناصرته لـ"داعش"، وهذا الإعلان ما هو إلا عنوان للهيستيريا السعودية التي حزمت أمرها وباشرت بدعم العشائر والحراك الجنوبي لمواجهة الحوثيين وجر البلاد الى حرب أهلية تؤدي الى تقسيمها وضياع ثرواتها.
أما في لبنان فتلعب الظروف الاقتصادية والاجتماعية المتردية الناتجة عن الفراغ السياسي المستمر وغياب التنمية المتوازنة بين كافة المناطق، الدور الأكبر في عملية سلخ عناصر المجتمع عن بعضها البعض، وتحويل الصراع إلى أشكال أكثر رجعيةً في ظل غياب القوى الديمقراطية واليسارية، ما يهيّئ لمزيدٍ من الانقسامات المناطقية – الجغرافية على أساسٍ مذهبي ينتجُ بيئةً مجهّزة لاحتضان التنظيمات التكفيرية، وخاصةً في المناطق الشمالية وبعض المناطق البقاعية، التي غابت عنها يد مشاريع التنمية لعقود في حين حضرت أجهزة القمع من الأسلاك الأمنية والعسكرية. هذه الظروف التي تولّد الفقر والجوع والأمية من جهة، والاستبداد والقمع والبطش من جهة أخرى، في الوقت الذي تغيب فيه القوى الثورية عن الشارع، ستدفع بالمزيد من الناس إلى حضن "داعش" و"جبهة النصرة" وأي من التيارات التكفيرية الأخرى، فهي التي أصبحت تشكّل "الملاذ" الأخير لأولئك الناس، وفي ما تقدّمه من خطابٍ وسلوك راحة نفسية واستكانة لمن سحقتهم ظروفُ الدنيا. وهنا يكمن الخطر الأكبر، في تشكّل بيئة "داعش" من رحم بيئةٍ أخرى كانت إلى هذا الحد أو ذاك مناقضةً للأفكار التكفيرية وغير جاهزة لتبنّيها قبل ازدهار الحركات التكفيرية في المنطقة ككلّ.
ولوسائل الإعلام، الإخبارية منها والدينية، كما للظروف الموضوعية على أرض الواقع، دورٌ كبير في تحويل "داعش" إلى قوة مادية كبرى. ومن ميزات ذلك الدور التحريض المستمر ونشر الأفكار المذهبية على مدى أعوام طويلة، ومن ثم المساهمة في تره%