في لعبة السّيادة .. الأسد "يُداعب" النزاع الأميركي التركي و"يراقبه"

في لعبة السّيادة .. الأسد "يُداعب" النزاع الأميركي التركي و"يراقبه"

تحليل وآراء

الخميس، ٢٣ أكتوبر ٢٠١٤

لم يعد بالإمكان إحصاء عدد المرات التي لجأ فيها الرئيس التركي «رجب طيّب إردوغان» للتراجع عن قرارات كان يتمنّى أن يتّخذها بحق سوريا ولكن بمساعدة أحدٌ ما، قد يؤمّن له الحماية في حال ردّت الدولة السورية على أي قرار "مجنون" صادر عن "المزاج العثماني المتقلب"، فالرئيس التركي يبدو اليوم في حالة يرثى لها تجاه مايدور في محيطه، وهو لايعرف السبيل لتطويع المتغيرات الحاصلة والمتوقع حصولها سواءً من الجانب "الأميركي" أو من "داعش" أو حتى من "سوريا"، ومن يراقب سلوكيات الجانب التركي وتخبّطه في اتخاذ أي قرار يخص الوضع السوري يعرف أن «إردوغان» يريد استفزاز سوريا وإخراجها عن صمتها، علّها في لحظة غضب "قد" تكشف عما تخفيه للأيام القادمة، لكن وبعد كلّ محاولة يصطدم هذا "المتهوّر" بالجليد السوري سواءً على المستوى الديبلوماسي أو على المستوى العسكري.

أول أمس كشف وزير الإعلام السوري في مقابلة متلفزة عن قيام سلاح الجو السوري بتدمير طائرتين من أصل ثلاث كان عناصر تنظيم "داعش" استولا عليهم من مطار الجراح في حلب، مؤكّداً أنه لا داعي للتخوّف من امتلاك هذا التنظيم لطائرة حربية لأنه لن يستطيع استخدامها، بالتزامن مع ذلك، قررت الحكومة التركية السماح لقوات "البيشمركة" الدخول إلى مدينة "عين العرب" السورية لمؤازرة قوات الحماية الشعبية في حربها ضد تنظيم "داعش"، حيث "أيّدت وشجّعت واشنطن هذا القرار معتبرةً إياه حكيماً"، لكن وبعد ساعات قليلة عاد «إردوغان» عن قراره ليعلن إغلاقه الحدود بوجه "البيشمركة" ومنعهم من الدخول إلى "عين العرب"، ومن ثم يكيل الاتهامات لواشنطن والغرب وينتقد سياسة "الكيل بمكيالين"، ومن ثم اعتباره أن مدينة "عين العرب" لها أهمية استرتيجية لأنقرة وليس لواشنطن، ليخرج بعدها وزير الخارجية التركي ويوضّح "مانطق به رئيس البلاد"، وتزامن ذلك أيضاً مع قيام طائرات واشنطن برمي أسلحة وذخائر للمقاتلين الأكراد، "إلا أن قسماً من هذه الحمولة سقط بين يدي داعش"، ما أثار غضب "الوالي العثماني" بزيادة ....!!، فهل هناك أي علاقة بين قرار «إردوغان» بإغلاق الحدود أمام البيشمركة وسقوط الأسلحة والذخائر الأميركية بيد داعش وتدمير طائرات "داعش" من قبل سلاح الجو السوري ..؟؟

في الحقيقة سعت واشنطن منذ تأسيسها لما يسمّى "الحلف الدّولي" لمكافحة "داعش"، إلى ترويض تركيا عبر سياسة "العصا والجزرة"، وهذا ما رأيناه عندما رفض "مشترطاً" الدخول في الحلف، بل أنه "جاهر" بولائه للتنظيم الإرهابي بعد إغلاقه الحدود بوجه النازحين الأكراد ونشره مدرعاته على تخوم مدينتهم، إضافة إلى السماح لمقاتلي التنظيم بالدخول والخروج "من بين مرابض دباباته" دون القيام بأي حركة لمنعهم، فسارعت واشنطن لـ"دفع داعش لإظهار قوّته العسكرية من خلال إظهار الطائرات التي يمتلكها إعلامياً"، ومن ثم تسريب "تصريح لأحد عناصر داعش عن قرار التنظيم بإنهاء مهمة إردوغان والتفكير جدياً ببدء عمليات في الداخل التركي"، فخضع «إردوغان» وقرر فتح المجال لمساعدة الأكراد عسكرياً، لكنه عندما علِم بتمكّن سلاح الجو السوري من استهدافه لطائرتين من أصل ثلاث مما يمكله داعش، عاد عن قراره وأغلق الحدود أمام الدعم الكردي، وقرر منع "كردستان" من إرسال قوات بيشمركة إلى "عين العرب"، وهاجم واشنطن وحلفائها متهماً إياهم باتباع سياسة "الكيل بمكيالين"، لتقوم واشنطن كرد على تصريحات «إردوغان»، بإسقاط جزء من الحمولة العسكرية التي كان من المفترض أن تهبط جميعها بيد "الحماية الشعبية في عين العرب"، ضمن مناطق سيطرة تنظيم "داعش"، ليعود «إردوغان» من جديد للخضوع وإعلانه الموافقة على إدخال البيشمركة القادمة من العراق إلى عين العرب عبر أراضيه.

ما سبق، قد يوحي أحياناً بالتناقض حيال ربط "تشجيع" واشنطن لقتال داعش وإظهار التنظيم كعدو لأميركا وحلفائها، ومن ثم "تخويف" تركيا بهذا التنظيم من خلال "التهويل" الذي تتبعه في بعض الأحيان بمساعدته. ببساطة، واشنطن تلعب مع إردوغان على "الحبلين"، فهي داعمة لداعش فيما يخص "الثأر" لنفسها بعد "تمنّع إردوغان من إبداء أي قبول لحلفها" هذا من جهة، ومن جهة أخرى هي "تكافح" التنظيم إن اقترب من مصالحها سواءً في سوريا والعراق، وهذا مايؤكّد ماقاله أمين عام "حزب الله" السّيد «حسن نصرالله» عندما اعتبر أن "داعش فزّاعة أميركية"، مما يعني أن واشنطن تريد عبر "داعش" أن "تقنص" ما استطاعت من "الأموال الخليجية" بحجة "دعم التحالف"، وبذات الوقت أن تحافظ عبره "أي داعش" على بقاء تركيا تحت جناحها بعد ما أبدى «إردوغان» رغبته في "التمرّد" وتسجيل نصر "عين العرب" باسمه، وهذا مافهمته سوريا منذ البداية ما دفعها للتصرّف من وراء الكواليس لمنع أي تطوّر يحصل بين "واشنطن وتركيا"، من التأثير على سيل الانتصارات التي يحققها الجيش السوري بأهم "مفاصل" جبهات قتاله على امتداد المساحة السورية، والحفاظ بـ"كتمان" على سبل تحقيق "النصر الأخير" لها ولـ"حلفائها" سوياً.