عن سيناريوهات معركة «عين العرب»

عن سيناريوهات معركة «عين العرب»

تحليل وآراء

الخميس، ٢٣ أكتوبر ٢٠١٤

لم يُحسم القتال في «عين العرب»، برغم أن المعارك مستمرة هناك منذ نحو أربعة أسابيع. خلال الأسابيع الثلاثة الأولى كان سكان المدينة، لا سيما الأكراد منهم، يلقون تعاطف شريحة كبيرة من الشعب السوري، والعربي عموماً، خصوصاً إزاء المشاركة الفاعلة للعنصر النسائي الكردي في المعركة. إلا أن تصريحات بعض القيادات الكردية، لا سيما صالح مسلم، رئيس «حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي»، حول رفضه موافقة الحكومة السورية كشرط لوصول مساعدات لـ«عين العرب»، وكشفه أنه قد طلب بالفعل إمدادات عسكرية من كل من تركيا وفرنسا، وأنه مستعد لقبول الدعم من أي مصدر كان، أدت إلى تغييرات كبيرة في الرأي العام السوري، إذ انقسم الشارع بين من بقي على تعاطفه مع الأكراد، وبين من تملكه هاجس قيام إقليم كردي انفصالي تكون معركة «عين العرب» مقدمة إعلانه. فما حقيقة ما يجري في «عين العرب» وما هي السيناريوهات المحتملة؟
ما فات بعض المحللين هو أنه في معركة كتلك، لا تهم نتيجة المعركة فقط بل «الطريقة» التي سيحسم فيها القتال. فتطور الأحداث وما يليها قد يكون أكثر أهمية من الحـدث نفـسه. فحملة «داعش» للاستيلاء على المدينة وجوارها هي أطول حملات التنظيم حتى الآن. إذ لم يحصل أن قام التنظيم بحملة على منطقة ما لفترة تزيد عن الأسبوع. فما اعتاده المراقبـون هو أن التنـظيم، إن لمس صعوبة في حسم معركة، تراجـع بسـرعة وانتقل للقتال في جبهة آخرى، كما حصل عندما هاجم مدينة الحسـكة السـورية منذ بضـعة أسـابيع، ولكن هذا لم يحصل في «عين العرب». وأيضاً، من جانب آخر، فإن حجم النزوح الهائل عن المدينة إلى تركيا لا يترك مجالاً للرهان على انتصار سهل للمدافعين عنها، وفق التوازنـات الحـالية. ولكن برغم كل هذا، فقد وصلت المعركة في «عين العرب» إلى حالة استعصاء، ولا يبـدو أنه يمـكن لأي من الطرفين أن يحسمها لمصلحته من دون حصول تغيير ما.
فعندما هاجمت قوات «داعش» المنطقة والتهمت عشرات القرى في زمن قياسي، قبل أن تنتقل لحصار «عين العرب»، وتبدأ التهامها هـي الأخـرى حياً بعد آخر وبناءً بعد بناء، لم يكن هناك، في البداية، أي مفاجآت في تكتيكات «داعش» الهجومية أو وحشيتها: عدد من الشاحنات يقودها انتحاريون وانغماسيون وقصف بالمدفعية وعربات «هامر» ومدرعات ودبابات تساند مشاة «داعش»، إضافة إلى عمليات قتل وقطع للرؤوس. ولكن، هذه المرة، لم تنجح هذه التكتيكات في تحقيق النصر. ويبدو أن «داعش» بات بحاجة لاستخدام أسلحة أو تكتيكات جديدة إذا ما أراد الانتصار في المدينة. وبالفعل، بدأت تخرج تقارير عن أن التنظيم قد استخدم بعض الأسلحة «غير التقليدية» في معاركه في المدينة. إذ ظهرت صور لبعض الجثث وعليها حروق وبثور تتناسب مع استخدام أسلحة كيميائية، غاز الخردل تحديداً، يعتقد أن «داعش» قد حصل عليه من «قاعدة المثنى» العراقية. وإن صحت هذه التقارير، أو إن استخدم «داعش» هذه الأسلحة على نطاق أوسع، وسقطت «عين العرب»، وسبى «داعش» النساء وأعدم الرجال، فسنجد أنفسنا أمام سيناريو يشبه سيناريو الإبادة الكيميائية في«حلبجة» وسيناريو التطهير العرقي في «سنجار»، ومثل هذا السيناريو سيفتح الأبواب على احتمالات متعددة ليس أقلها اندفاع الأكراد، شمال وجنوب خط الحدود السورية ـ التركية، لقتال التنظيم، سواء بموافقة حكومتي دمشق وأنقرة أم من دونها. ومثل هذه الاندفاعة الكردية، إن حصلت، لن تتوقف، غالباً، عند طرد «داعش» من عين العرب، بل سيكون من المفهوم تماماً أن يصر الأكراد على أخذ مهمة تأمين كامل حدود ما يعرف بكردستان الغربية على عاتقهم. ومثل هذا السيناريو سينسف الوضع الديموغرافي والسياسي القائم في الشمال السوري، ومعه حدود «سايكس-بيكو»، إلى غير رجعة، خصوصاً أن الأكراد في القامشلي، شمال شرق سوريا، وشرق «عين العرب»، قاموا في الفترة الماضية بفرض عمليات التجنيد الإجباري بحق جميع السكان هناك بذريعة الدفاع عن المنطقة.
السيناريو الثاني هو أن تبقى «عين العرب» صامدة، لتصبح «لينينغراد» شرق ـ أوسطية، كردية، ولكن هذا السيناريو بدوره معقد للغاية. فحجم قوات «داعش» والعدد الكبير للقرى التي استولت عليها يجعل من الصعب على أهالي المدينة من الأكراد أن يوقفوا تقدم التنظيم ويطردوه من عشرات القرى المحيطة، ما لم يحدث تدخل ما لمصلحة المدافعين عنها. وسيناريوهات التدخل متنوعة، وإن كان بعضها مرجحاً أكـثر من غيـره. الاحـتمال الأول هـو أن تسمح تركيا للأكراد الذين نزحوا من «عين العرب» بالعودة لقتال «داعش». ومثل هذا التحرك ينتظر غالباً عمليات تسليـح نوعـية، كـما أعـلن صالـح مسلـم، وبأعـداد مقاتلين كافيـة، خصـوصاً أن الحديث يجري عن حوالي 9000 مقاتل من «داعش» يشاركون في الحملة على المدينة. ويبدو أن لهذا السيناريو محصلة نهائية تشبه محصلة السيناريو السابق، من حيث تغيير الأوضاع في الشمال السوري باتجاه فرض إقامة كيان كردي مستقل هناك. التدخل يمكن أن يتم أيضاً بواسطة قوات عسكرية تركية، خصوصاً مع وجود موافقة من البرلمان التركي. صحيح أن مثل هذا الاحتمال غير مرجح، ولكنه يبقى قائماً، خصوصاً إذا لم توافق الحكومة التركية على تسليح الأكراد والسماح لهم بعبور الحدود السورية ـ التركية. أما الاحتمال الثالث للتدخل إلى جانب الأكراد في «عين العرب» فيمكن أن يأتي من جانب قوات التحالف التي بمقدورها أن تزيد عدد الغارات الجويـة على مواقـع «داعـش» في المدينـة ومحيطها. إلا أن تجربة الأسابيع الماضية أظهرت أن هذه الغارات لم تنجح في إيقاف تقدم قوات التنظيم، وستصبح هذه العمليات أكثر صعوبة كلما تداخلت مواقع الأخير ومواقع المدافعين عن «عين العرب». وهذا ما يحصل حالياً مع تحول المعركة إلى حرب شوارع.
السيناريو الثالث، هو أن يساهم طـرف آخر في مهمة الدفاع عن المدينة ووقف تقـدم «داعـش» هـناك. وهذا الطرف هو الجيش السوري وحلـفاؤه. فإذا ما زاد الجيش السوري من طلعاته الجوية في المنطقة، وقدم إسناداً نارياً، عن طريق المدفعية والصواريخ، للمدافعين عن المدينة، فإن تقـدم «داعـش» قد يتوقف، بل إن تنظيم «داعـش» قد يضطر للانسحاب من «عين العرب». إيجابيات هذا السيناريو أنه يحول دون تدهور الأوضاع إلى حد يدفع الأكراد، في تركيا وسوريا، للتسلح والتطوع للقتال لحماية مناطقهم، وبالتالي يحفظ سيادة الدولة السورية على كامل أراضيها، ويسمح أيضاً بإيقاع خسائر كبيرة في صفوف التنـظيم المتـطرف، ما يعرقل جهوده للتوسـع في الشـمال السوري باتجاه حلب. كما أن هذا السيناريو سيظهر أن الدولة السورية هي الأقدر على حماية الأكراد السوريين، ما يقطع الطريق على أصحاب النزعة الانفصالية.
في المحصلة، تبدو معركة «عين العرب» متجهة نحو واحد من سيناريوهات ثلاثة: إما أن يستخدم «داعش» كل ما بحوزته للاستيلاء على عين العرب فيستجلب رداً كردياً شاملاً، أو أن يتدخل المجتمع الدولي ليسلح الأكراد كي يدافعوا عن أنفسهم ضد التنظيم المتطرف. وفي الحالتين سيصبح احتمال قيام كردستان الغربية مرجحاً أكثر من ذي قبل. أما الحالة الثالثة فتتمثل بتدخل الجيش السوري وحلفائه، ليدفع «داعش» خلفاً، ويحفظ وحدة الأراضي السورية.