أزمة الرأسمالية العالمية وتجلياتها دوليًا وإقليميًا وعربيًا؟!

أزمة الرأسمالية العالمية وتجلياتها دوليًا وإقليميًا وعربيًا؟!

تحليل وآراء

الخميس، ٢٣ أكتوبر ٢٠١٤

 يدور نقاش منذ زمن بين النخب والمثقفين داخل المؤسسات البحثية العالمية ومراكز الدراسات حول أزمة الرأسمالية العالمية وانعكاساتها السياسية والإقتصادية على الساحة الدولية، وعلى تشكل موازين القوى الجديدة، وتطرح الأسئلة حول مدى تأثير تلك الأزمة على أداء الدول التي تشكل الرأسمالية قاعدتها السياسية والإقتصادية والعسكرية ومسارها الإستعماري، واستطرادًا ما هي النتائج المتوخاة التي قد تتمخض عنها تلك التطورات.

فالولايات المتحدة خصوصًا والغرب عمومًا شكلا على مدى قرنٍ من الزمن الرافعة الأساسية لهذا المنهج الإقتصادي والسياسي والعسكري، ومثّلا على مدى هذا القرن القوة السياسية والإقتصادية والعسكرية المهيمنة، وأبرز عناوين الرأسمالية العالمية التي تجلت بمجموعة من المؤسسات على رأسها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والعولمة والنظام العالمي الجديد الذي حاولت إرساءه بقيادة الولايات المتحدة الأميركية.
لم تصمد نبوءة فوكوياما بنهاية التاريخ أمام إرهاصات هذه التحولات، ليصبح من البديهي الآن البحث في صيغ التكيف المقبلة من جهة، وتداعيات هذه التحولات على الساحة الدولية من جهة أخرى.

سيدفع ذلك الولايات المتحدة لمراجعة مكانتها الدولية إن آجلًا أم عاجلًا، وهو ما لم يحصل حتى الآن، نظرًا للمكابرة التي تبديها الولايات المتحدة لزحزحة المواقع ورفض الإقرار بالمتغيرات التي تشهدها الساحة الدولية، وكذلك برفض الشراكة واقتسام النفوذ. ستشكل هذه الأزمة أبرز وجوه الأزمة العالمية القادمة التي ستتردد أصداؤها بحروب وصراعات ستطال منطقتنا العربية بشكلٍ أساسي، نشهد بعض إرهاصاتها الآن في العراق وسوريا وليبيا واليمن ولبنان وتونس ومصر وربما تطال دولًا أخرى عربية وإقليمية، باعتبار أنّ منطقتنا تقع على فالقين، فالق إمتلاكها لقسم وازن من مخزون الطاقة النفطية والغازية التي ستشكل محور الصراع القادم، وفالق الأمن الإسرائيلي.

في هذا السياق ينبغي قراءة التطورات السياسية والإقتصادية الأميركية المحتملة، وأثر ذلك على التوجهات الجديدة التي سترسمها الولايات المتحدة لسياساتها الإقتصادية والسياسية والعسكرية، ولمروحة نفوذها على الساحة الدولية والإقليمية والمحلية، ومدى انعكاس ذلك على المنطقة العربية في صيغتها الراهنة في إطار ما سمي بـ"الربيع العربي".

ثمة إقرارٌ أميركي بثقل هذه الأزمة رغم المكابرة، بعد أن بدأت مظاهرها السلبية تظهر للعلن لا سيما لدى الشريك الأوروبي، الذي كان أكثر شفافية من الولايات المتحدة بالإعتراف بثقل الأزمة، تجلى ذلك بسلسلة من الإفلاسات والأزمات وإعادة الهيكلة والديون بحيث بات يصعب التغطية عليها أو إخفاؤها، وترجم ذلك نفسه بعدة مظاهر سياسية وعسكرية وإستراتيجية، منها العجز عن المشاركة في الحروب والإنخراط الميداني بقوات برية كما حصل سابقًا في كل من العراق وأفغانستان.

لقد صاغت الولايات المتحدة بعد الإنسحاب من العراق وترتيبات الإنسحاب من أفغانستان استراتيجية جديدة، تقوم على الإنسحاب التدريجي من المنطقة العربية وتركيز الجهود باتجاه جنوب شرق أسيا، نحو الصين تحديدًا، بوصفها مركز الخطر المقبل على الإستراتيجيات الأميركية وتوجهاتها السياسية والإقتصادية، وبوصفها المنافس الإقتصادي الرئيسي لها على الساحة الدولية، ومحاولة استكمال محاصرة روسيا بمحاولة اللعب في عدد من الحدائق الخلفية لها بدءًا بليبيا وسوريا والعراق، وانتهاءً بجورجيا وأوكرانيا ودول وسط آسيا الإسلامية التي كانت في فلك الإتحاد السوفياتي السابق، وذلك بهدف الحد من قدراتها السياسية والإقتصادية تمهيدًا للحد من قدرتها على التدخل والمنافسة لا سيما في منطقة الشرق الأوسط ووسط آسيا.

استدعى ذلك إعادة النظر بالإستراتيجيات الأميركية التي تحولت الى استراتيجيات متحركة تستجيب للمتغيرات والتطورات التي يشهدها جزء من العالم، لا سيما المنطقة العربية التي ما زالت تشكل بالنسبة للولايات المتحدة حجر الرحى، رغم محاولات التركيز على شرق وجنوب اسيا، فأعادت صياغة إستراتيجياتها السياسية استنادًا الى تلك المعطيات.

أدارت الرأسمالية العالمية المتمثلة بالولايات المتحدة بشكلٍ أصيل، و"إسرائيل" والغرب كوكيل، التوجهات الرأسمالية على الساحة الدولية والساحات الفرعية بتجليات إقتصادية وعسكرية وبفكر استعماري كولونيالي، قهري، إخضاعي، إقصائي وتبعي، لا سيما حيال الدول النامية، ترجم ذلك نفسه بإنتاج مؤسسات ذات طابع دولي (البنك الدولي، صندوق النقد الدولي، ومنظمة التجارة العالمية) التي شكلت عنوانًا للعولمة الإمبريالية، وجرى وضع ضوابط ونواظم للنشاط الإقتصادي يستجيب لمطامح وتطلعات الفكر الرأسمالي في الإخضاع والهيمنة، بلغ حد التأديب أحيانًا، كان ذلك دائمًا على حساب القضايا الإجتماعية والإقتصادية للدول والشعوب الضعيفة التي تعجز عن المواجهة، ووضعت منظمة التجارة الدولية تشريعات قهرية على الدول التي لا تستجيب لنواظمها تحت طائلة العقوبات، فاستنزفت خيرات ومقدرات الشعوب والدول، أدى ذلك الى ضرب اقتصادات الدول الضعيفة، وضرب قدرتها الحمائية الإقتصادية والإجتماعية والإنسانية لمجتمعاتها، بلغ حد وضع قيود على الضمان الصحي والتقديمات الإجتماعية ودعم بعض السلع الإستهلاكية والغذائية، وحدّ من القدرة على التنمية المجتمعية وتقديماتها الإجتماعية، بالإجبار على الخضوع الكامل لاقتصاد السوق، و%C