الجيش السوري يطلق معركة "زلزال القنيطرة" لإعادة الجغرافيا إلى ما كانت عليه

الجيش السوري يطلق معركة "زلزال القنيطرة" لإعادة الجغرافيا إلى ما كانت عليه

تحليل وآراء

الأربعاء، ٢٢ أكتوبر ٢٠١٤

 لا يمكن الحديث عن معارك القنيطرة دون الحديث عن الدور "الإسرائيلي" المباشر وغير المباشر، وهو أمر لم يعد يحتاج الى المتابعة الإستخباراتية لكشف تفاصيله، خصوصاً بعد الزيارات المعلنة للكيان الصهيوني لمسؤولين في "المعارضة السورية"، والتنسيق العلني بين الجيش الصهيوني والجماعات المسلّحة وعلى رأسهم جبهة النصرة.
أوائل شهر أيلول الماضي وخلال أيام عديدة استطاعت الجماعات المسلّحة السيطرة على معبر القنيطرة من خلال معركة "المغيرات صبحاً" بدعمٍ ناري مباشر وتسهيلات لوجستية من الجيش الصهيوني، ليرتفع علم جبهة النصرة على بعد أمتار من العلم الصهيوني.
المرحلة الثانية من هذه المعركة سبقها قصف صاروخي ومدفعي على مواقع الجيش السوري من المدفعية الصهيونية واستهدف مواقع القيادة ومخازن الذخيرة وبطاريات المدفعية بهدف شلّ قدرة الجيش السوري على استخدام وسائطه النارية، هذه المعركة التي أسفرت عن سقوط كوم الباشا ومجدوليا وعقربا ومال وتل المال ومسحرة وتل مسحرة وصولاً الى كفرنسيج وحمريت.
المرحلة الثالثة من هذه المعركة استهدفت الحميدية والرواضي بعد أن تمكنت الجماعات المسلّحة عبر دعم لوجستي مباشر من الجيش الصهيوني من وصل جباثا الخشب بالحميدية بممرّات عبر أحراش البلدتين.
في المقاربة المباشرة للميدان لا يمكن تصنيف الإنجازات التي حقّقتها الجماعات المسلّحة بالإنجاز الإستراتيجي كونها لا تحقّق حتى اللحظة أكثر من تموضع في حزام ضيق ما زال يخضع لسيطرة الجيش السوري النارية، من تل الكروم غرب جبا وتل الشعّار شرقها الذين يعتبران من التلال الحاكمة والتي تعتبر خط الدفاع الأول للجيش السوري من خلال اتفاقية الهدنة، حيث من المهم أن نذكّر أنّ القرى والبلدات التي سيطرت عليها الجماعات المسلّحة كانت مجرد نقاط تمركز لوحدات صغيرة من الجيش السوري تمثّل وحدات الإستطلاع والإشارة والمراقبة، وهذا ما جعل الجماعات المسلّحة قادرة على تحقيق هذه السيطرة بشكلٍ سريع.
وباستثناء تموضع الجماعات المسلّحة في بلدتي كفرنسيج وحمريت اللتين تشكلان خطراً فيما لو استطاعت الجماعات المسلّحة تحقيق تقدم إضافي منهما يمكن أن يساهم في الإلتفاف على خان ارنبة ومدينة البعث وقطع الطريق على جبا وتل الشعار وتل الكروم، فإنّ باقي نقاط سيطرة الجماعات المسلّحة تعتبر ثانوية ويمكن معالجتها في سياق معركة هجوم مضاد يقوم به الجيش السوري في أي لحظة.
قطاع آخر تسعى الجماعات المسلّحة على الوصول اليه وهو قطاع بلدة الحضر التي يتمركز فيها الجيش السوري بمواجهة الجماعات المسلّحة في جباثا الخشب، وأهمية هذا القطاع أنه يمكّن الجماعات المسلّحة من الإندفاع بإتجاه بيت جن ومزرعة بيت جن التي تجعل طريق الجماعات المسلّحة مفتوحاً بإتجاه شبعا اللبنانية ووضع سعسع وخان ارنبة ومدينة البعث في شبه طوق، ويجعل خطوط إمداد الجيش السوري تحت نار الجماعات المسلّحة.
لا يعني الحديث عن هذا الإحتمال أنّ الجماعات المسلّحة قادرة على تحقيقه رغم أنّ ما استعرضناه هو ما تسعى له "إسرائيل" ومعها الجماعات المسلّحة، رغم أنّ لكل من "إسرائيل" والجماعات المسلّحة أهدافه المستقلّة من هذه العمليات. فـ"إسرائيل" تسعى في ظل الوضع الحالي الى إقامة شريط عازل يمكن أن يحقّق لها مجموعة من الأهداف الأمنية والإقتصادية والسياسية.
في الجانب الأمني سيكون تواجد الجماعات المسلّحة في الشريط العازل بمثابة واقٍ يساعدها في تحقيق مساحة أمانٍ أكبر. أما اقتصادياً فستحقّق "إسرائيل" المزيد من التوسع وأستصلاح الاراضي واستخدام المياه وإقامة مزيد من المستوطنات، وهذا ما بدأت به فعلاً.
في الجانب السياسي إنّ وضع اليد من قبل الجماعات المسلّحة ربما يكون مؤقتاً كون الجغرافية التي تسيطر عليها الجماعات المسلّحة تقع في نطاق الدويلة الدرزية المحتملة الممتدة من السويداء الى الشوف اللبناني، من ضمن سلسلة الدويلات المرسومة في مشروع الشرق الأوسط الجديد، على أن تكون هذه الاراضي بالنسبة للجماعات المسلّحة مجرد تموضع مؤقت يساعدها في العبور الى إمارة الشام الموعودة.
اليوم نفذّت وحدات من الجيش السوري عمليات محدودة بإتجاه الصمدانية الغربية واشتبكت مع الجماعات المسلّحة فيها، هذه الوحدات انطلقت من الصمدانية الشرقية بدعم ناري من تل الكروم، وكذلك قامت وحدات أخرى بمهاجمة الجماعات المسلّحة في الحميدية منطلقة من مدينة البعث، فيما تقوم وحدات أخرى بمهاجمة خطوط إمداد الجماعات المسلّحة في الاحراش بين الحميدية وجباثا الخشب.
هذه العمليات التي انطلقت من ضمن معركة اطلق عليها الجيش السوري اسم "زلزال القنيطرة"، ربما تكون معارك استطلاع بالنار مقدمّة لمعركة كبيرة يستعيد فيها الجيش السوري ما خسره من مواقع في الشهر الفائت.
الجماعات المسلّحة لا تُخفي أهدافها طويلة الأمد من خلال السيطرة على ريف القنيطرة والهادفة الى إيجاد منافذ تساعدها على ربط الريف الغربي لدمشق بمناطق سيطرتها الحالية، وهو أمرٌ لا يمكن أن يتم بالسهولة التي تتصورها هذه الجماعات لسببين:
1- قيام الجيش السوري بتركيز نقاط دفاع أساسية وعلى أكثر من نسق وصولاً الى تل الكابوسية وقطنة، والتي تُعتبر مركز ثقل أساسي وتاريخي للجيش السوري، إضافةً الى بعد المسافة ووقوعها ضمن شبكة من التضاريس المعقدة.
2- لجوء الجيش السوري الى تكتيك تقطيع الأوصال في الريف الغربي لدمشق وخصوصاً في ريف الكسوة، حيث تعتبر الجماعات المسلّحة في بعض القرى جماعات معزولة غير قادرة على التواصل، وتشكّل بلدتي خان الشيح وزاكية نقاط القوة الأساسية في هذه المناطق، إلّا أنها لم تستطع تحقيق تواصل فيما بينها يؤهلها لفتح جبهة والتواصل مع جبهة القنيطرة الحالية.
الأيام القادمة ستكشف طبيعة وقائع الميدان في جبهة القنيطرة، فنحن استعرضنا الأهداف الصهيونية وأهداف الجماعات المسلّحة فيما ننتظر أن يقول الجيش السوري كلمته.
فهل معركة "زلزال القنيطرة" التي أطلقها الجيش السوري اليوم مجرد معركة موضعية أم أنها مقدّمة لمعركة حاسمة تعيد الجغرافيا الى ما كانت عليه؟ فلننتظر.