التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب ما الخطوة القادمة؟

التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب ما الخطوة القادمة؟

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢١ أكتوبر ٢٠١٤

 في ضوء تأخر الولايات المتحدة في كل خطوة تتخذها على صعيد القول والفعل، وفي ظل المتناقضات الأميركية التي يفسرها تعقّد المشهد في المنطقة والتخوف على الصعيد العالمي من ارتدادات مخاطر الإرهاب، فضلاً عن تسارع الأحداث وخروج معظمها عن السيطرة، يبرز السؤال الأكثر أهمية ألا وهو: ما خطوة واشنطن القادمة المحتملة بعد تشكيل تحالفها الذي يقصف مواقع لـ«داعش» في سورية والعراق؟
هناك من يرى في تناقض التصريحات الأميركية مقصداً أميركياً يرمي إلى استثمار إعلامي أو سياسي ما، إلا أن الوقائع بدأت تكشف عن جوانب لم تكن واضحة للوهلة الأولى وبدأ يتضح الارتباك الأميركي بشكل جلي متجاوزاً التصريحات الإعلامية السياسية ليشمل الممارسة وردّ الفعل على أرض الواقع، تفرضه مستجدات الأحداث وتسارعها والحسابات والرهانات الأميركية الخاطئة، لقد احتاج الرئيس الأميركي باراك أوباما قرابة أربعة أعوام كي يدرك أنه قلل من شأن ما يحدث في سورية التي تحولت إلى ملاذ للجهاديين ومنصة انطلاق لهم حسبما أكده مؤخراً، على الرغم من الكثير من التقارير الاستخبارية الأميركية التي حذرت منذ أكثر من عام من تنامي فعالية وقدرات «داعش» الذي أكد بخصوصه الموظف السابق في وكالة الأمن القومي الأميركي إدوارد سنودن، أنه جزء من الإستراتيجية المسماة «عش الدبابير» بهدف استقطاب المتطرفين من كل أنحاء العالم وتوجيههم إلى سورية.
يدرك أوباما أكثر من أي وقت مضى أن لـ«فنتازيته» عمراً محتوماً ولا يمكن الاستثمار عليها إلى ما لا نهاية، وهو الذي يتعرض بشكل كبير لانتقادات ولضغوط داخلية وخارجية بشأن إستراتيجيته بخصوص «داعش» خصوصاً من منافسيه الجمهوريين وقادة جيشه، فضلاً عن أكثر من نصف الشعب الأميركي حسب استطلاعات الرأي الأميركية ذاتها ومنها شبكة «إن بي سي نيوز» الأميركية الإخبارية كذلك صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية الأسبوع الفائت، بعد اقتناعهم بعدم قدرة الحملة الجوية بمفردها على حسم المعركة وحاجتها إلى قوات برية لتسريع القضاء على هذا التنظيم، وتشتد الحاجة إلى القوات البرية مع الإدراك أن مسلحي «المعارضة المعتدلة» الذين تعول عليهم إستراتيجية أوباما ليسوا منضبطين ولا يشكلون جسماً متماسكاً مع افتقارهم للعدد المطلوب وللقيادة والسيطرة وللقدرة التدريبية الضرورية لمواجهة «داعش» والأهم من كل هذا وذاك هو الزمن المقدر أميركياً بنحو ثلاث سنوات لتدريبهم وإعدادهم. بل ذهب الكثيرون ممن وصفوا إستراتيجية أوباما بالفاشلة إلى التأكيد أن «داعش» يتقدم في ظل هذه الإستراتيجية، وخاصة أن فعالية جهود التحالف الذي تقوده واشنطن أصبحت تحت المجهر عندما يحاول إرهابيو «داعش» اجتياح مدينة عين العرب السورية الإستراتيجية على الحدود مع تركيا، على الرغم من إعلان الرئيس الأميركي أن عين العرب ليست من ضمن أولوياته أو إستراتيجيته، الأمر الذي جوبه بردود فعل على مستوى العالم والتأكيد أن هذا الأمر ينبئ بمخاطر وكوارث بشرية.
بناء على ما سبق من تناقضات ومعرفة أسبابها يمكن تسويغ تراجع نائب الرئيس الأميركي جو بايدن عن اتهامه تركيا بدعم «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش»، حين نفهم أسباب خضوع أنقرة لبعض مطالب الولايات المتحدة عبر فتح بعض منشآتها أمام دول التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن لضرب «داعش»، بعد أن خففت شروطها للانضمام إلى التحالف، وهي إعلان منطقة حظر طيران وتشكيل منطقة عازلة وإسقاط «النظام السوري»، وما رافقه ذلك من إعلان أميركي يضع هذه النقاط موضع البحث وقابليته التطبيق، الأمر الذي قوبل برد سوري روسي إيراني واضح وحاسم وقوي، بالترافق مع رسالة المقاومة اللبنانية للعدو الصهيوني، ناهيك عن رفض العالم لسياسات تركيا بحق سورية والعراق وتحالفها مع «داعش»، ما أكدته الهزيمة النكراء التي أصابت الدبلوماسية التركية في الجمعية العامة للأمم المتحدة في انتخاب الأعضاء غير الدائمين الجدد في مجلس الأمن الدولي.
يعي العالم أنه بات من الضروري محاربة الإرهاب بشكل أكثر جدية، ورويداً رويداً يتم التسليم بضرورة رفع مستوى التنسيق إلى أعلى درجة مع الحكومة السورية.
وتتداول بعض الأوساط ومن أبرزها ما صرح به رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف أن واشنطن تطالب باتصالات مباشرة مع الرئيس الأسد، ويؤكد موقع «دايلي بيست» الأميركي كالكثير من المواقع ومراكز الأبحاث الغربية أن الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها هزيمة «داعش» الإرهابي هي العمل مع إيران والحكومة السورية، وتسعى ألمانيا إلى مساع إيجابية في هذا الإطار، ويؤكد وزير خارجيتها فرانك فالتر شتاينماير في مقابلة مع صحيفة «تاغشبيغل» الألمانية: «نحاول إقناع البلدان العربية وتركيا وإيران بأن من الضروري أن تقاتل معاً داعش...، وذلك يتطلب تجاوز الخصومات القديمة...».
يتفق الكثيرون على أن الجيش العربي السوري قد حقق أهم الانتصارات في الميدان وقلب الموازين وهو مستمر في صموده لأبعد مدى، وأن مواقف معظم الدول قد تبدَّلت لمصلحة سورية وأيقنت أن سورية منتصرة لا محال، وأن التحول الأميركي فرضه صمود سورية وقوة حلفائها وتمسكهم بها، وأن المرحلة الحاسمة لا بد قادمة ويبقى الخلاف حول توقيت تلك اللحظة.