سمعاً وطاعةً مولاي!.. بقلم: ندى الجندي

سمعاً وطاعةً مولاي!.. بقلم: ندى الجندي

تحليل وآراء

الاثنين، ٢٠ أكتوبر ٢٠١٤

بدأت خيوط الشمس تنتزع بأشعتها ظلام ليل قاسٍ.. ماذا كان يدور في جلساته وأي آمال تحمله همساته..
طلع الفجر.. وتوقفت شهرزاد عن الكلام المباح.. أي حكاية كانت ترويها.. وفي أي لحظة مثيرة توقفت عن سردها جعلت من الملك شهريار أسير أحداثها لقد أقبل الصباح ولابد من ليل قادم تلتمس في سكينته خاتمتها.. لكل حكاية نهاية تكون معها ولادة بداية جديدة..
ليلة نتلوها ليلة أخرى حتى صارت ألف ليلة وليلة وها هي شهرزاد تروي وشهريار يستمع وينتظر وفي الانتظار شوق قاتل ومساحة للتأمل..
كلمات تبوح بها شهرزاد.. ولكن ليس أي كلمات!!
كلمات أشبه بعاصفة هوجاء تخترق فكراً تصحر بغريزة الأنا وتدفعه بقوة لالتماس اتجاه تجعله ينظر للعالم من حوله برؤية جديدة.
ها هي شهرزاد مستلقية في فراش ملك جبار أعمت غريزته بصيرته، وهل سلاحها جمالها؟
"سمعاً وطاعة مولاي" وأنى لها أن تواجهه. وهل يجرؤ أحد في المملكة على عصيانه.. إنها ثقافة السمع والطاعة.. يجب على الجميع الخضوع لأوامره.. لنزواته..
سمعاً وطاعةً مولاي!!
وهل تجرؤ على قول غير ذلك.. شهرزاد التي تنشد الحرية والخلاص لنفسها ولفتيات عصرها هل تمتلك قوة المواجهة!!
شهرزاد أخضعت شهريار وكان سلاح المواجهة الفكر عبر الكلمة حكاية تتلوها حكاية أخرى وشهريار مستلقٍ في فراشه في هدوء الليل يستمع وينتظر.. والانتظار يحمله على ضبط نوازع الشر في نفسه وشهرزاد تروي.. ومع كل حكاية ينبعث أمل جديد في الشفاء.. حتى تصير ألف ليلة وليلة يتولد فيها الحب.
الحب هو القصة الخالدة التي لا نهاية لها يمتلئ قلب شهريار بالحب.. فيعم السلام في المملكة.
شهرزاد انتصرت على الظلم وواجهت العنف بالفكر عبر كلماتها.
شهريار عبر الحكاية تعلم الاستماع وصار يمتلك أذناً صاغية جعلته يدرك وجود الآخرين من حوله.
قصة ألف ليلة وليلة تحمل في عُمقها الكثير من الرموز، كلما أعدت قراءتها اكتشفت بعداً إنسانياً ما دفعني أن استحضرها في مقالتي هذه ونحن نواجه أعنف موجة دموية تجتاح أمتنا العربية، فكر قاتل يستهوي على العقول يستبيح كل من يقف في طريقه كيف تواجهه وقد تم برمجته وإعداده بذكاء خارق أداته الجهل عززته ثقافة السمع والطاعة!!
فكرٌ سامٌ لا يجرؤ من يعتنقه أن يتساءل عن مدى صحته، عن مصدره؟
أي معنى يحمل في كنهه؟
هل يتوقف ويتساءل عن الحال الذي آل إليه وعن الجرائم الدموية التي ارتكبها؟
المهم أنّ المصدر إلهي هكذا يعتقد هذا الجاهل فيكتسب هذا الفكر (شرعية إلهية) ويجعل من يعتنقه حاكماً بأمر الله.. يقتل.. يقطع الرؤوس.. يسبي النساء.. إنه ينفذ ما أملي عليه!
وهل يدعو الله عز وجل للقتل!
إنها ثقافة السمع والطاعة، لقد نشأ هذا الفرد على هذه الثقافة، لم يتعود في حياته أن يفكر وأن يطرح مبدأ الشك في المفاهيم حوله.. وخاصة كل ما يتعلق بالدين فأي محاولة للنقد أو التفكر تحمل التكفير!
فمن ينقذه من براثن الجهل إذا كان الآخرون يفكرون عنه!!
ثقافة السمع والطاعة استخدمها الكثير من الآباء بهدف حكم أبنائهم وتسييرهم وفق رغباتهم الخاصة فصارت سلاحاً يهددهم ويهدد وجودهم.
أما من شهرزاد تعود بلياليها تحُل محل ثقافة حور العين تقضي بذكائها وفكرها على عبثية الجهل القاتلة.
أدعوكم للتفكر