قصف الناتو لداعش ليس حقيقيًا فما هي غايته اذاً.. وماذا بعد؟!

قصف الناتو لداعش ليس حقيقيًا فما هي غايته اذاً.. وماذا بعد؟!

تحليل وآراء

الأحد، ١٩ أكتوبر ٢٠١٤

 بالعودة الى تسريبات ويكيليكس، تعاونت أجهزة مخابرات الولايات المتحدة وبريطانيا و"إسرائيل" لخلق تنظيمٍ إرهابي قادر على استقطاب المتطرفين من جميع أنحاء العالم في مكانٍ واحد، في عمليةٍ يرمز لها بـ"عش الدبابير"، وفقا لموقع "ذي إنترسيبت" في تسريبات نقلها عن سنودن.
وأظهرت وثائق مسربة من وكالة الأمن القومي أنها قامت بتنفيذ خطة بريطانية قديمة تعرف بـ"عش الدبابير" لحماية "إسرائيل"، تقضي بإنشاء تنظيم شعاراته إسلامية يتكون من مجموعة من الأحكام المتطرفة التي ترفض أي فكر مغاير.
ووفقا لوثائق سنودن، فإنّ الحل الوحيد لحماية "إسرائيل" يكمن في خلق عدو قريب من حدودها، لكن سلاحه موجّه نحو الدول الإسلامية الرافضة لوجوده.

بعيدًا عن التصريحات الرسمية الأمريكية المعادية لداعش وقيامها بالقصف الجوي الذي هو إعلامي أكثر منه حقيقي وفعال، نستشهد على ذلك من مقولة لقائد العمليات في هيئة الأركان الأميريكية "من المستحيل القضاء على جماعة إرهابية عبر القصف الجوي فقط"، فإنّ ما نراه هو تدمير البنى التحتية في البلدين اللذين يقع القصف على أراضيهما.. ففي الرقة مثلًا -عاصمة داعش- كانت الأبنية قد أخليت قبل القصف بيومين لتقصف فارغة.
وإنّ ما نراه هو دعمٌ غير محدود لكردستان العراق، عندما اقتربت داعش انهال عليها الدعم بالأسلحة والذخيرة بحجة اقتراب داعش منها فكأن الدعم والدفاع يقتصر هنا على هذا الاقليم المتمرد والذي يصدر النفط بمخالفة واضحة فاضحة لأبسط قرارات الشرعية الدولية، بينما تبقى داعش تتقدم في باقي المناطق فتصبح على مشارف بغداد رغم القصف الجوي وتتمدد في سورية وتصل عين العرب لتكاد تُسقطها وتقف تركيا متفرجة، بينما تعطى الحجة للبرزاني والبشمركة للتدخل ليتم إنقاذ منطقة الأكراد في شمال سورية التي هي موقع نفوذ لـBYD أي العمال الكردستاني (BKK سابقًا)، لتصبح في حال أنقذها البرزاني ضمن منطقة نفوذه وهو العميل الأمريكي الاسرائيلي التركي.

يقصف الناتو وطائرات التحالف في سوريا في الرقة كمثال أبنية فارغة بينما قصفت دزينة من المصافي النفطية في شرق سوريا.. فهل هذا القصف غايته أن يحرم الإرهابيين من مصادر الدخل كما يدعي البنتاغون؟ بالطبع لن يؤثر ذلك على داعش التي تسرق النفط الخام وليس المكرر وتنقله عبر الأنابيب إلى ميناء جيهان التركي، ومنه ينقل إلى "إسرائيل" عبر ناقلات نفط عائدة لبالمالي شيبينغ ووكالة جي. اس. سي، الشركة المملوكة للملياردير التركي-الأذربيجاني مبرز غوربان أوغلو. وفي ميناء عسقلان، تقوم السلطات الإسرائيلية بتزويد هذه الناقلات بشهادات منشأ مزورة مصدرها بئر ايلات، ليتم تصدير هذه الشحنات إلى السوق الأوروبية التي تغض النظر، أو تصدق الإسرائيليين.. وهي طريقة مشابهة لكيفية السطو على نفط العراق عبر إقليم كردستان بالتواطؤ التركي الاسرائيلي ذاته.. ولرويترز تقرير مفصل حول هذا الأمر من المفيد الإطلاع عليه.

ولأنّ تركيا و"إسرائيل" وقبلهما أمريكا يدركون أهمية إقليم كردستان العراق حيث ينفرد بالنسبة الأكبر من بترول العراق "45 مليار برميل"، راحت الدول الثلاث تبث الفتنة لتتسع الهوة وتزيد الخلافات بين الإقليم وحكومة العراق. وحاليًا، أصبحت تركيا المتحكم الوحيد فى بترول الإقليم، حيث فتحت موانئها لتكون منفذاً للتصدير. ولأنّ النفط الكردستاني لا بدّ أن يخرج من خلال تركيا، دخلت الأخيرة شريكًا في الصفقة المشبوهة ومن خلالها يصل بترول الإقليم إلى "إسرائيل"، وفي تحدٍّ سافر أعلن وزير الطاقة التركي في 19 حزيران يونيو الماضي، أنّ إقليم كردستان يحق له إنتاج وتصدير البترول، لأنه يخضع للحكم الذاتي، وليس من حق حكومة العراق الاعتراض على ذلك، وهو ما دفع الحكومة العراقية إلى اتخاذ إجراءات قانونية ضد تركيا بسبب فتح موانئها للبترول الكردستاني.

في حال تصرفت الولايات المتحدة وفقًا لقرارات مجلس الأمن رقم 1373 لعام 2001، و2170 لعام 2014، لوجب عليها مهاجمة كردستان العراق أيضًا، لكنها على العكس من ذلك، فهي تدعمها (ليس في مواجهة الدولة الإسلامية، بل ضد الحكومة المركزية في بغداد) والسبب واضح وهو أن أربيل تمثل بالنسبة للأمريكي مزيجًا من دبي -كمركز اقتصادي تجاري نفطي مرتبط بواشنطن-ومن تل أبيب كمركز عسكري استخباراتي متقدم لأمريكا في المنطقة.

في 25 أيلول سبتمبر الماضي في جلسة ترأسها أوباما، وافق مجلس الأمن المؤلف من 15 دولة بالإجماع على مسودة قرار صاغته الولايات المتحدة نفسها يلزم الدول "بمنع وقمع" تجنيد وسفر المقاتلين المتشددين إلى الصراعات الخارجية، بموجب البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، مما يجعله ملزماً للدول الأعضاء في المنظمة الدولية.
يشكل القرار مفتاحًا للولايات المتحدة له شرعية مجلس الأمن من أجل مخططها الاستراتيجي، بحجة محاربة "داعش". بينما لو طبق القرار حقًا، فإنّ أول مَن ينبغي على مجلس الأمن فرض عقوبات وتدابير أخرى ضده فهو الولايات المتحدة.

إنّ واشنطن وحلفاءها الرئيسيين في الناتو، كما تم توثيقه بكثرة، هم من موّل الجماعات الإسلامية وسلحهم ودربهم في ليبيا في عام 2011، وهي الجماعات التي صنفت كإرهابية الى وقت قريب، من ضمنها ألوية ما أصبح لاحقًا "داعش"؛ التي تحصل على السلاح من شبكة نظمتها المخابرات الامريكية "سي.آي.أي" (صحيفة نيويورك تايمز وثقت ذلك).
إنّ الولايات المتحدة –مرة أخرى- والناتو هم من سهل هجوم داعش على العراق (تزامنًا مع ابتعاد حكومة المالكي عن واشنطن، واقترابها من بكين وموسكو)، موفرين لداعش المال والسلاح وطرق العبور -وفق مخطط نسقته سي.آي.أي بتنسيق بالتأكيد- عبر السعودية وقطر والكويت وتركيا والأردن. وحسب رجال المخابرات الذين حاورتهم جريدة نيويورك تايمز، ففي سورية والعراق قرابة 15 الف مقاتل أجنبي من 80 بلدًا، من بينهم أكثر من ألفي أمريكي وأوروبي.

إذا طبق القرار حقًا، فإنّ أول سياسي قد يتخذ مجلس الأمن خطوات ضده هو السيناتور الأمريكي جون ماكين الذي التقى، في سورية، زعيم تنظيم داعش، إبراهيم البدري، المعروف حاليًا بالاسم الحربي: أبو بكر البغدادي.
إنّ القرار يترك لكل دولة حرية تحديد الجماعات الإرهابية الواجب محاربتها، فإنّ موافقتها بالإجماع، بما فيها روسيا والصين، تعطى كأمر محتمل. هكذا يكون للولايات المتحدة حرية شن "الحرب العالمية ضد الإرهاب، نسخة 2.0" التي تهدف –والعين على داعش على ما يبدو- الى استكمال تدمير سورية تمامًا، حيث إنها منعت من ذلك حتى الآن بالوساطة الروسية في مسألة نزع سلاح دمشق الكيميائي- وكذا إعادة خلق الأوراق في العراق لمنع قيام حكومة وطنية قوية وقادرة. على سبيل المثال، ما الذي يمنع الولايات المتحدة الآن من أن تقصف قاعدة تابعة للحكومة في سورية، بحجة أنّ لديها أدلة على كونها كانت مركزًا لتدريب الإرهابيين وهي مدعومة بقرار يمكنها تفسيره على هواها صادر عن مجلس الأمن؟

أما عن اتخاذ قرار دعم المعارضة غير المتشددة في سورية عسكريًا وتدريبها فهو هدف آخر حققته الولايات المتحدة استفادت فيه من تمدد داعش، وبالعودة الى الصورة حيث أتى السناتور الأمريكي جون ماكين إلى سورية ودخلها بشكل غير شرعي ليجتمع مع قيادة أركان "الجيش السوري الحر". وبحسب الصورة التي نشرت كدليل على ذلك اللقاء، كان من بين أعضاء هيئة الأركان شخص يدعى أبو يوسف، المطلوب رسميًا لوزارة الخارجية الأمريكية بلقبه أبو دعاء، أي ابراهيم عواد، أي الخليفة الحالي للدولة الاسلامية أبو بكر البغادي. وهكذا فإنّ نفس الشخص، هو قائد معتدل في قيادة أركان "الجيش السوري الحر" ومتطرف في قيادة داعش. فعن أي معتدلين يتحدثون أنهم سيدعمون؟!! البعض يعتقد أنّ الداعشيين سيكونون من حليقي الذقون تحت مسمى معارضة معتدلة لاحقًا، ولكن ما أراه هو العكس أي أنّ من يسمي نفسه معارضة معتدلة ويتلقى الدعم الغربي هو في حقيقتة إرهابي تكفيري ويظهر في ما بعد انه متطرف في داعش أو النصرة.

منذ شهور تقوم داعش بتصفية ضباطها المغاربة. فهل أقدمت داعش بنفس السياق على اعتقال التوانسة الذين اقتحموا مطار الرقة العسكري في 25 آب-أغسطس الماضي، فحاكمتهم وأعدمتهم بتهمة عصيان أوامر قادتهم، لأنها تنوي استبدالهم وترقية ضباط من الشيشان الذين أرسلوا إليها تقدمة ودية من أجهزة استخبارات جيورجيا، كأبي عمر الشيشاني، باسمه الحقيقي طرخان بطيراشفيلي. وهو القائد العسكري العام لـ«داعش» وللهجوم «الداعشي» على عين العرب، هو ليس شيشانيا: فمن هو؟
جورجيّ، مسيحيّ أرثوذكسيّ، كما أنه كان، بصفته الجورجية تحديداً، رقيباً في الجيش الجورجي في وحدة استخبارية، وشارك في الحرب الروسية-الجورجية في صيف عام 2008 كجاسوس مكلّف باستطلاع مواقع طوابير الدبابات الروسية وإرسال إحداثياتها لوحدات المدفعية الجورجية، بحسب مقابلة مع صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية في 19 تشرين الثاني 2013 تناولت سيرة وشخصية السيد طرخان باتريشفيلي بعدما لمع نجمه في قيادة الهجوم على مطار منغ العسكري في حلب قبلها بأشهر. ليس واضحاً متى وكيف تحوّل السيد طرخان باتريشفيلي للإسلام. كذلك يجب أن نحترم رغبة المرء في تغيير اسمه كما يشاء لو تساءلنا مثلاً لماذالم يتبنّ باتريشفيلي لقب «أبو عمر الجورجي»، بما أنه ولد في جورجيا من أبٍ جورجي!

أما المشاركة بصفة استخبارية في حرب ضد روسيا، فيما كان ديفيد خزرشفيلي، وزير الدفاع الجورجي آنذاك، يحمل الجنسية «الإسرائيلية»، وفيما كان الكيان الصهيوني يقف بقوة مع جورجيا ضد روسيا، فمسألة مختلفة تماماً لا بد من التوقف عندها، خاصة أنّ السيد طرخان باتريشفيلي ما برح يفاخر بدوره في تلك الحرب كما تنقل عنه بعض المواقع التكفيرية.
الأغرب هي اللحظة التي تحوّل فيها باتريشفيلي إلى تكفيري في السجن بعد الحكم عليه بثلاث سنوات في بلده جورجيا بتهمة شراء السلاح وتخزينه، ليطلق سراحه بصورة غير مفهومة بعد ستة عشر شهراً فقط في بداية عام 2012، وليتجه إلى مصر ردحاً من الزمن، حيث التقى شخصيات إسلاموية وخليجية وتركية مختلفة أقنعته بالتوجه إلى سورية بدلاً من القوقاز لقتال الروس كما كان يأمل، بعدما تم إقناعه بأنّ حزب البعث في سورية حليفٌ لروسيا و«كافر» مثلها وقتاله مثل قتالها، لتنتهي به الحال في سورية في آذار 2012 على رأس «لواء المهاجرين» المكوّن من عناصر أجنبية. هنا يصبح السؤال أيضاً: كيف أصبح الرقيب فجأةً قائد لواء، أو حتى قائد كتيبة؟! وكيف تأهل لمثل هذا الدور وهو قابعٌ في السجن؟!

العبرة هي أنّ السيد طرخان باتريشفيلي الجورجي، وغيره من عشرات آلاف العناصر الإرهابية التكفيرية الأجنبية، لم يهبطوا على سورية من السماء إنما تمّ استقطابهم عبر شبكة إسلاموية-خليجية، كما تم تأطيرهم وإمرارهم إلى سورية والعراق في تركيا وعبرها على مدى سنوات، وها هم الآن على أبواب عين العرب ودخلوا الأنبار والموصل والرقة وهم الآن على أعتاب الحسكة وريف حلب، وعلى أبواب بغداد وغيرها. وإذا كانت سيرة باتريشفيلي تكشف عمق الصلة بين الحرب على روسيا في جورجيا والحرب على سورية، فإنّ أحد أبعاد تلك الصلة هو تركيا العدو التقليدي لروسيا، والمستعمر التاريخي للعرب عامةً وللهلال الخصيب خاصة.

تشير الدراسة أيضًا إلى فئة أخرى من الجهاديين، متمثلة باستقرار مئات من المقاتلين الصينيين مع عائلاتهم منذ بداية شهر حزيران-يونيو في شمال شرق سورية. البعض منهم تمت ترقيتهم فورًا إلى ضباط. وهم تحديدًا الايغور، صينيون من الصين الشعبية، لكنهم مسلمون سنة، يتحدثون التركية.
سوف نشهد بالتأكيد حملة دعاية جديدة لحلف شمال الأطلسي تتمثل بدفع طيرانه الحربي الجهاديين للنزوح خارج العراق، وتركهم يستقرون في دير الزور، بينما تقوم سي.آي.ايه بتقديم المال والسلاح والذخائر وكذلك المعلومات "للثوار السوريين المعتدلين" في الجيش السوري الحر، الذين سيبدلون قبعاتهم كي يتم استخدامهم تحت راية داعش كما هو الحال منذ العام الماضي 2013.
وهكذا، بفضل هذه الأداة ذات القبعتين المختلفتين، سيتمكن حلف ناتو من الاستمرار في إطلاق جحافل الجهاديين ضد سورية، في الوقت الذي يدعي فيه محاربتهم.

يدخل هذا كله في استراتيجية "إمبراطورية الغرب الأمريكية"، التي فقدت ميدانها اقتصاديًا وسياسيًا لصالح الصين وقوى أخرى ناشئة أو عائدة -على رأسها روسيا، التي شنت عليها الولايات المتحدة الأمريكية والناتو حربًا باردة جديدة في أوروبا لإضعافها اقتصاديًا وإضعاف شركات الغاز العملاقة الروسية - إنّ أحد أهم أهداف الحرب على سورية يكمن في السيطرة على احتياطاتها الضخمة غير المستغلة من الغاز الطبيعي، والتي يمكن عبر أراضيها تمرير أنابيب قادمة من إيران، أو من منافستيها، قطر والسعودية.

وأمريكا تريد لبلدان الاتحاد الأوروبي التحرر من تبعيتها للغاز الروسي. من هنا جاءت فكرة الحكومة الإيرانية بتقديم غازها للسوق الأوروبية بعد فقدانها أي أمل بنقله عبر العراق. يمكن لواشنطن أن توافق على هذا الخيار في إطار اتفاق أوسع أثناء مباحثات 5+1.
مع ذلك، لو حصل هذا التحول، فإنه سيحدث تغييراً عميقا في التوازن الإقليمي. سوف يكون من الصعب على روسيا، التي رحبت لتوها بعضوية إيران في منظمة شنغهاي للتعاون، أن تقبل ببيع الأخيرة غازها إلى الاتحاد الأوروبي.

إضافةً الى ذلك، هذا الأمر يفترض استثمارات تقدر بـ8.5 مليارات دولار لإنشاء خط أنابيب بطول 1800 كم، وكذلك ربط حقول الإنتاج على أنظمة نابوكو. هذا ما أكده الشيخ حسن روحاني للرئيس النمساوي هانز فيشر على هامش لقاءات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
في المنظور السوري، لا يعتبر أي تحول في سياسة الطاقة الإيرانية بالضرورة أمرًا سيئًا: ليس لدى معظم أعداء سورية -باستثناء "إسرائيل"- أي سبب لمواصلة الحرب ضدها. غير أنّ إبعاد إيران عنها، من شأنه أن يعزز من أهمية سورية بالنسبة لروسيا. إذا تم التوقيع على هذا الاتفاق، فهذا يعني أنّ واشنطن ستستمر في سياسة عدم الاستقرار في المنطقة السنية من العراق للحفاظ على الفصل الجغرافي بين طهران ودمشق، والاستمرار حتمًا في دعم داعش في دير الزور، مع ترك باقي سورية في هدوء.