المستهلك المغفل البديل.. بقلم: إيفلين المصطفى

المستهلك المغفل البديل.. بقلم: إيفلين المصطفى

تحليل وآراء

الأحد، ١٩ أكتوبر ٢٠١٤

Evlism86@gmail.com
لطالما كانت أنماط الاستهلاك لدى شعوب العالم مرآة تعكس ثقافة شعوب العالم ضمن مجتمعاتها، وتبين الفوارق بين مجتمع وآخر، فنجد أنّ المجتمعات العربية تغلب فيها الحياة الاستهلاكية على الحياة المنتجة والفاعلة في العالم، وبالطبع فإنه في مفهوم الاقتصاد فإنّ كل مجتمع مستهلك يحتاج لوجود مجتمع منتج قادر على أن يقدم له منتجاته وبضائعه وثقافته حتى يتم استهلاكها في المجتمعات الاستهلاكية، وضمن تعدد أنماط الاستهلاك نلاحظ أنّ المجتمعات العربية لا تتمتع بصفة الانتقائية لما تقوم باستهلاكه على المستوى الجماعي، ربما يتواجد بين غالبية شعوب المنطقة العربية قلة قليلة من الأفراد الذين يتمتعون بالقدرة على الانتقاء في نمط حياتهم الاستهلاكي سواء فيما يتعلق بالغذاء أو حتى بما يسمى بالكماليات.
وفي الوقت الذي نجد فيه أن ظاهرة فوضى الثقافة الاستهلاكية بدأت تزداد وتنتشر بكثافة في المجتمعات العربية، نجد أن بعض المجتمعات الغربية بدأت اتباع سياسة التخلص من بعض الأنماط الاستهلاكية التي تنعكس سلباً على اقتصادها وعلى حياة مواطنيها، من ضمن تلك المظاهر الاستهلاكية نأخذ مثالاً ظاهرة التدخين، فلو أجرينا مقارنة بين المجتمعات العربية والغربية لوجدنا أن ظاهرة التدخين بدأت تنتشر انتشار النار في الهشيم ضمن الثقافة الاستهلاكية للشعوب العربية، وبالطبع فإن آثار التدخين تنعكس سلباً على صحة المدخنين وعلى اقتصادهم فإلى جانب تحمله أعباء كلفته نجده أيضاً يتحمل أعباء كلفة ضرره على صحته، وربما يقول قائل إن الأمر حرية شخصية، وهذا الأمر لسنا بصدد مناقشته، إنما الغاية هو تسليط الضوء على مدى نجاح الغرب بإيجاد أسواق بديلة لاستهلاك منتجاتهم في مجتمعات جعلت من مواطنيها مستهلكاً مغفلاً، حيث نرى ظاهرة التدخين تنتشر في أوساط الأطفال وزادت نسبة النساء المدخنات بحجة تطبيق المساواة مع الرجل، كذلك نجد الغالبية من الشبان المراهقين باتوا يدخنون في المدارس دون وجود أي رادع قانوني نتيجة غياب الرقابة التربوية، أو فرض عقوبة بحق المدخن دون سن 18 بأسوأ الأحوال، ولا تقتصر ظاهرة التدخين على اقتناء السجائر بل بتنا نلحظها أيضاً في انتشار ظاهرة الأراكيل ما يعرف بالنرجيلة بين النساء وضمن الأماكن المغلقة بوجود أطفال تنعكس آثار الدخان على صحتهم ونموهم.
وفي الوقت الذي بدأت فيه بعض الدول الغربية بمنع الممثلين من التدخين في الأفلام والمسلسلات نجد أن الدراما العربية بدأت تتفنن بإظهار هذه الظاهرة دون رقيب أو حسيب، ولم تكتف بعض المجتمعات الغربية باتخاذ مثل هذا الإجراء لمكافحة ظاهرة التدخين، بل وسعت إجراءاتها وبدأت بتطبيق عقوبات صارمة بحق المدخنين، ولعل فرنسا من الدول التي بدأت تقرع جرس الإنذار للتحذير من مخاطر التدخين وآثاره الاقتصادية السلبية على القطاع الصحي، ما دفعها لفرض أصعب قوانين مكافحة التدخين في العالم في خطوة لإلغاء التدخين، والانتقال إلى واحدة من أصعب الأنظمة المضادة للتبغ في العالم، خاصة بعدما بيّن وزير الصحة الفرنسي أن عدد الوفيات الناجمة عن التبغ في فرنسا يومياً ما يعادل تحطم طائرة كل يوم على متنها 200 شخص، وللقيام بهذه الإجراءات أعلنت الحكومة الفرنسية أنها ستستبدل الأسماء التجارية على علب السجائر بتحذيرات صحية من خلال وضع صور واضحة تظهر الأجهزة المصابة للمدخنين، كما ستمنع سائقي السيارات والركاب من التدخين في حال وجود أطفال دون عمر 12 عاماً، وعلى الرغم من أن هذه التدابير لن تصبح نافذة المفعول حتى عام 2016، إلا أن الحكومة الفرنسية بدأت بحملة لا هوادة فيها من خلال التلفزيون والراديو، كذلك سيكون هناك ضريبة على شركات التبغ لتمويل حملات مكافحة التدخين.
الهدف من هذه الخطة الصارمة على المدى الطويل إنشاء مجتمع ذي طابع استهلاكي صحي أي العمل على إلغاء التدخين، من خلال عدم تشجيع الأجيال الجديدة على الاستمرار بممارسة هذه العادة بعد 40 عاماً. أما على المدى المتوسط فإن الهدف من هذه الحملة هو الحد من معدل التدخين في فرنسا بحلول عام 2024.
وبالرغم من أنّ شركات التبغ الكبيرة تهدد بمقاضاة الحكومة الفرنسية إلا أنّ الحكومة الفرنسية تمضي قدماً في خطتها التي تتضمن تجريم الشركات في حال قامت بتعبئة وتغليف السجائر بطرق مميزة قادرة على جذب المستهلكين، ما يعد بمثابة ثورة على التبغ ومظاهره، وخاصة أن الإجراءات السابقة التي اتخذتها الحكومة الفرنسية للحد من ظاهرة التدخين ومنعه في الأماكن المغلقة ساهمت في تخفيض نسبة المدخنين نتيجة تزايد نسبتها بين المراهقين حيث بلغت نسبة المدخنين من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم من عمر 17 عاماً 30 % من إجمالي عدد السكان، ورغم محاولات تقليل عدد نسبة المدخنين إلا أن الناشطين في حملة مكافحة التدخين أصيبوا بخيبة أمل لعدم وجود إجراء بفرض ضرائب عالية على التبغ أو مضاعفة أسعارها ضمن الخطة المعلنة خاصة وأن شركات التبغ تبذل جهداً لمنع رفع أسعار منتجاتها كي لا تفقد زبائنها.
تسليط الضوء على تجربة فرنسا في هذا المجال ليس كونها البلد الوحيد الذي يسعى للحد من هذه الظاهرة بل هناك دول أخرى بدأت تسير بذات النمط الثقافي للاستهلاك، من هنا نأمل من الحكومات العربية التمعن بهذه السياسات والبحث عن حلول لإيقاف تحويل المواطن العربي إلى مستهلك مغفل بديل لتلك الشركات التجارية التي ستجد بديلاً عن زبائنها في البلدان العربية، التي يدرك المختصون بالتسويق وأنماط الثقافة الاستهلاكية أن شعوب هذه المنطقة لا يمتلكون أدنى درجات أنماط الوعي الاستهلاكي، وينجذبون لكل ما يصدره الغرب لهم من قشور خالية الجوهر والمضمون، وبالتالي تحويل الأسواق العربية إلى أسواق المستهلك المغفل البديل للأسواق الغربية.