تعاون أميركي ـ سوري عبر الوسيط الروسي استخباراتياً.. تركيا تعلن حردها على الأميركي والسعودي يعود بقوة بعد تقزيمه للقطري

تعاون أميركي ـ سوري عبر الوسيط الروسي استخباراتياً.. تركيا تعلن حردها على الأميركي والسعودي يعود بقوة بعد تقزيمه للقطري

تحليل وآراء

السبت، ١٨ أكتوبر ٢٠١٤

علي مخلوف
يشتد جمر الميدان في سورية، والإثارة النارية لم تغب عن العديد من المناطق المحشوة بحملة السلاح من الإرهابيين، مفاجآت تمثلت بتعاون دولي بين موسكو وواشنطن لتبادل معلومات استخباراتية تتعلق بالحرب على داعش في كل من سورية والعراق، فهل يمكن اعتبار ذلك بمثابة تعاون أميركي غير مباشر مع السوري عبر الوسيط الروسي؟ الأكراد ينتفضون ويوحدهم هدف الحفاظ على الوجود، بدء مناوشات بين حزب العمال والجيش التركي والأخير يقصف مواقع للحزب فهل يكون ذلك صفارة البداية لحرب جديدة بين الطرفين؟ في وقت تعلن فيه أنقرة حردها على واشنطن لعدم تحقيق رغبتها بإقامة منطقة عازلة، أما السعوديون فهم يعودون لحمى التنافس مع الأتراك على تزعم المنطقة مذهبياً بعد تنحية القطري وتقزيمه.
جمر المواجهات يشتد في الميدان
تشتعل الكثير من الجبهات على الأرض السورية، في الجزيرة غارات لسلاح الجو على مواقع تابعة لتنظيم"داعش" أما في الغوطة الدمشقية فإن جمر المواجهات يشتد لا سيما في جوبر وعين ترما ودوما وحرستا، يترافق ذلك مع عمليات نوعية للجيش يستهدف من خلالها تجمعات للميليشيات وينصب كمائناً لهم، كان آخرها حصار /15/ مسلحاً تسللوا من عين ترما إلى الزبلطاني، محافظة إدلب نالت نصيبها من الإثارة النارية أيضاً، حيث استهدف الطيران السوري معاقل الإرهابيين هناك. وفي سقبا الواقعة ضمن الريف الدمشقي يتزايد الحديث عن فرخ داعشي جديد تحت مسمى " جماعة الأنصار" المتشددة التي بايعت "داعش".
بالعودة للأحداث اللافتة والخطيرة، فإن تل حارة الواقعة في درعا والتي لم يستطع الكيان الإسرائيلي دخولها والسيطرة عليها باتت الآن بيد المسلحين، فما تفسير ذلك إذاً؟ الجيش العربي السوري يعمل على استعادتها، وهؤلاء يتهيؤون لاستغلالها استراتيجياً كونها تطل على الريف الدمشقي بغالبيته نظراً لارتفاعها، في سياق متصل يتم الحديث عن معارك ضارية يخوضها الجيش السوري في مورك من أجل تحريرها تمهيداً للاتجاه نحو خان شيخون التي تُعتبر خزاناً للمسلحين يترافق ذلك مع عمليات في قرى كفرزيتا وكرناز بريف حماة.
كل ذلك الميدان يتوازى مع الحراك السياسي الإقليمي والدولي المتعلق بالحرب على داعش في كل من سورية والعراق، حديث عن تدعيم الحلف العالمي ووضع اللمسات الأميركية الأخيرة على الحرب العالمية ضد التنظيم الإرهابي، مناشدات فرنسية للأتراك من أجل السماح للاجئين الأتراك بحمل السلاح والعودة إلى عين عرب من أجل الدفاع عنها ضد "الداعشيين" فيما الأكراد يمتنعون عن ذلك، ويلمحون إلى ضرورة تدخل بري متعدد الجنسيات في سورية من أجل خلق منطقة عازلة، أما الروس والإيرانيون فهم إلى جانب الحليف السوري يتابعون تفاصيل كل المعارك خطوة بخطوة ويحصون النتائج المحققة التي ستعزز مكانتهم في المفاوضات على الساحتين الإقليمية والعالمية.
تعاون روسي أميركي في سورية
يستمر صخب الحفلة العالمية لمكافحة "داعش"، المدعوون عشرات الدول، من بينها من شارك استحياءً وبعضها نقمة وكيداً، النظام السعودي يريد حصر مشاركته في الضربات الجوية على أهداف ضمن سورية فقط! فيما عدد من الدول الأوروبية يشارك بخجل من خلال أسلحة أو معدات عسكرية محدودة أو بإرسال عشرات الضباط أو الجنود لتقديم استشارات عسكرية وأمنية في العراق.
داعش تتمدد في العراق بشكل بطيء، وفي سورية تصارع من أجل "عين العرب" الكردي فيما أنقرة تفاوض واشنطن من أجل تحقيق بعض المصالح التي تتعلق بوضع اللاجئين السوريين والأكراد وخلق منطقة عازلة بين سورية وتركيا.
 وعلى الرغم من تنفيذ العديد من الغارات الجوية من قبل ذلك الحلف، إلا أن التنظيم المتطرف لايزال يستهدف مناطق بعينها، لم يتغير المشهد بل ازداد تعقيداً، ولا يزال هاجس تدخل بري كخيار متزامن مع الضربات الجوية هو الأكثر ترداداً على بعض الألسنة خصوصاً الإقليمية والعربية "النظامين السعودية والتركي".
سورية وإيران وروسيا فريق متكامل، بتنسيق عالٍ، السوريون يتكفلون بالميدان، فيما الإيرانيون يتولون الجبهة الإقليمية والروس يقع على عاتقهم المسرح السياسي الدولي في مواجهة أميركا.
مؤخراً تم الحديث عن توافق روسي ـ أميركي من أجل تكثيف تبادل المعلومات الاستخباراتية حول تنظيم "داعش" في سورية والعراق، بمعنى آخر هل يكون ذلك تعاوناً أميركياً ـ سورياً عبر الوسيط الروسي؟! ما معنى أن تعطي أميركا معلومات استخباراتية للروس حول أهداف أو تحركات لداعش على الأراضي السورية إذاً؟ فقد أعلن وزير الخارجية الأميركي "جون كيري" أنه قرر ونظيره الروسي "سيرغي لافروف" "تكثيف" تبادل المعلومات الاستخباراتية حول تنظيم الدولة الإسلامية في سورية والعراق.
حرب كردية ـ تركية قريبة
لطالما كانت السلطات التركية "شعوبية ومذهبية" مع كل مختلف عنها نهجاً وسياسةً وانتماءً ولم تستطع كل تلك البذلات الفاخرة والبارفانات الغربية أن تخفي رائحة النتن الطوراني العرقي المتعصب لديها، فالأكراد والأقليات الدينية والمذهبية لا تزال إلى اليوم تعيش معاناةً في حقوقها.
فقد أفادت صحيفة "حريت" التركية بأن الطيران الحربي التركي هاجم أهدافاً لحزب العمال الكردستاني جنوب شرقي تركيا الأحد 12 تشرين الأول في أول غارة منذ بدء عملية السلام قبل عامين، وقد ألحقت تلك الضربة ضرراً كبيراً بحزب العمال، ووفقاً لتلك الصحفية فإن الغارة جاءت رداً على قيام الحزب الكردي بقصف موقع عسكري تركي في إقليم "هكاري" قرب الحدود العراقية، على الرغم من أن الجيش التركي لم يصدر تعليقاً رسمياً حول ذلك.
فما السبب وراء هذا التطور الخطير، قد تكون أحداث عين العرب هي الشعلة التي أثارت أكراد تركيا للانتفاض مجدداً في وجه حكومة أردوغان "وريثة حكم الباب العالي"، مظاهرات بأعداد ضخمة تمخض عنها قتلى بالعشرات من الطرف الكردي، فتفاقمت الأمور، وقبلها كان الحديث عن هدنة وانسحاب لمقاتلي الحزب الكردي من الأراضي التركية على شمال العراق مقابل الإفراج عن الزعيم الكردي "عبد الله أوجلان" الذي لا يزال قابعاً في المعتقل، القضية الآن باتت أكثر من مجرد إطلاق سراح زعيم كردي لتتعداها إلى قضية الوجود الكردي ذاته في مناطق معينة.
على ما يبدو فإن الأتراك رؤوا في المعمعة العالمية ضد الإرهاب فرصةً كبيرة لتنفيذ ضربة لحزب العمال، وبكل الأحوال فإن هذه التطورات ستؤدي إلى مفاعيل خطيرة، قد تتسع رقعة المواجهات بين الأكراد والحكومة التركية، لتكون أشبه بحرب جديدة هذه المرة لن تكون كسابقاتها فالظروف الدولية التي تعصف بالمنطقة قد تجعل منها حرباً استثنائية.
تركيا تعلن الحرد والسعودية متأهبة
بعد أفول نجم قطر وتنحيتها عن دور كان أكبر من حجمها بأضعاف، عادت واشنطن للتسويق إلى نموذج إسلاموي معتمد في المنطقة ألا وهو النموذج التركي، تبين ذلك من خلال متابعة الصحف الأميركية التي ركز أغلبها على أهمية تركيا كدولة إقليمية تمتلك مقومات كبيرة من أجل أن تشارك في الحرب على الإرهاب، هذا الكلام لم يعجب السعوديين بطبيعة الحال، فالرياض كانت على الدوام خيار واشنطن ومحبوبتها الإقليمية بين العرب، انتهت السعودية من الإزعاج القطري، لكنها ما لبثت أن عادت لتعيش حمى التنافس مع أنقرة لتزعم محور إقليمي يقوم على أساس "المذهب"، السعودية تشارك في الحلف العالمي ضد "داعش" لأهدافها الخاصة وقد ذهبت حتى النهاية مع الأميركي في تلك الحرب، فيما أنقرة تعلن "حردها" على الأميركي لأن الأخير لم يعط ضوءاً أخضر لإقامة منطقة عازلة بين سورية وتركيا.
إذاً يعود التنافس السعودي ـ التركي على المنطقة الأول يقدم ما يستطيع لإثبات جدارته بنيل وكالة حصرية عن الأميركي، والثاني متمنع ويشعر بامتعاض لعدم تحقيق بعض مصالحه التي ستثبت من مركزه إقليمياً، فيما يبقى حلم إسقاط النظام في سورية وتلوين الصورة الإقليمية باللون الأسود المذهبي حلماً مشتركاً يجمع النظامين في كل من أنقرة والرياض.
...
المجهر السياسي
أعلن رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو خلال اجتماع لكتلة حزب العدالة والتنمية في البرلمان التركي أن بلاده لن تقدم على تدخل في النزاع السوري قبل أن يتخذ المجتمع الدولي قراراً بهذا الشأن، مضيفاً أن تركيا يمكن أن تساعد التحالف الدولي من خلال تعهدها بخلق منطقة حظر جوي ومنطقة عازلة في سورية.
إذاً فإن كل "الحرد" التركي من التحالف الدولي عموماً ومن أميركاً خصوصاً هو فقط لأن قراراً بالموافقة على منطقة عازلة بين سورية وتركيا لم يُوافق عليه أميركياً، هذا ما يفسر عدم مشاركة أنقرة في الحلف والضربات الجوية التي قالت مراراً إنها لن تكفي لوحدها وصرحت أكثر من مرة بوجوب اتخاذ خيار آخر في تلميح منها لتدخل بري متعدد الجنسيات تحت مظلة ذلك الحلف العالمي، كما إنّ عدم موافقة أنقرة على استخدام قاعدة انجرليك يصب أيضاً في ذات الموقف الممتعض لتركيا من عدم تنفيذ مطالبها المتمثلة بمنطقة عازلة والتسريع في إسقاط الدولة السورية عبر تغيير نظامها.
...
رفضت إيران تصريحات وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل التي حث فيها طهران على سحب ما أسماها قواتها "المحتلة" من سورية لحل النزاع هناك، حيث قال نائب وزير الخارجية الإيراني أمير عبد اللهيان إن بلاده هي الدولة الأهم في المنطقة التي تكافح الإرهاب وإنها تساعد حكومتي وشعبي العراق وسورية في التصدي للإرهاب، مضيفاً أنه من الأفضل للسعودية أن تنتبه لمؤامرات أعداء المنطقة وأن تلعب دوراً أكثر إيجابية.
يستمر الدبلوماسي الإيراني في اتباع سياسة " حياكة السجاد التبريزي" بهدوء وبرودة أعصاب حتى ضمن أكثر المواقف استفزازاً، لاسيما من قبل "أسلوب الصحراء الفج" ولن يصح القول عنها بأنها "دبلوماسية بداوة" لأن الدبلوماسية هي حتماً نقيض لذلك الكم الهائل من الجلافة والكيدية المباشرة، التصريح الصادر عن أحد أركان النظام في الرياض سيسبب توتراً جديداً في العلاقات بين البلدين، لم تبرد الخلافات الماضية وتم الحديث عن تقارب بعد زيارات متبادلة للمسؤولين فيما بينهما حتى أبطلت الرياض كل الجهود المبذولة سابقاً.