لعنة الببغاء.. بقلم: نبيه البرجي

لعنة الببغاء.. بقلم: نبيه البرجي

تحليل وآراء

الجمعة، ١٧ أكتوبر ٢٠١٤

اذا كان اليمن على وشك ان يعود يمنين، واذا كانت واشنطن ترى وقف العمل بزواج الاكراه بين نجد والحجاز او بين الكعبة والنفط، واذا كان بول بريمر قد استحدث صيغة الاقاليم المذهبية والاتنية في العراق لتفخيخ، او تفجير كل دول ومجتمعات المنطقة. و اذا كان السناتور جون ماكين يرى ان اللحظة التوراتية الكبرى قد حانت لتجزئة سوريا قطعة قطعة، فأين هو لبنان في هذه الليلة البابلية؟
يخشى المعلق الاميركي، الهندي الاصل، فريد زكريا ان تتكرر تجربة الهند الصينية في الشرق الاوسط. كان الخمير الحمر في كامبوديا يعرضون الجماجم، للسخرية فقط، على عربات الخضار، لا بل ان الجماجم كانت تتبعثر، كما الحجارة، على الطرقات.وقال ان الثعابين هناك كانت تخرج من الخرافات. في الشرق الاوسط ثمة ثعابين مقدسة، او تطرح نفسها هكذا، وتخرج من الاديان...
نعلم ان اوروبا عاشت حقبة الرؤوس المقطوعة بين البروتستانت والكاثوليك، حتى ان بعض المفكرين في الولايات المتحدة ذهبوا الى حد القول ان الله لم يشق الطريق امام كريستوف كولومبوس الا بعد ظهور مارتن لوثر، وان كان عمره آنذاك لا يتعدى التسع سنوات، وبالتالي بعدما بدأ اسدال الستار على «حقبة الظلام»، اي الحقبة الكاثوليكية في تاريخ المسيحية.
مفكرون آخرون اعتبروا ان قيام الولايات المتحدة هو البشرى اللوثرية الكبرى التي اعقبت تحلل الوثنية في المسيحية. حين يتبادل السنّة والشيعة القتل في العراق وفي سوريا ألا يحدث ذلك من خلال اتهام فريق لآخر بالوثنية او بالردة او بالهرطقة، ناهيك بالزندقة بطبيعة الحال؟
لا احد من مفكري الغرب الا ويرى ان المنطقة دخلت في الفوضى الايديولوجية التي قد تبقى الى يوم القيامة. واذا كان الاوروبيون قد اعطوا الاولوية للمصانع على الكنائس، وللتكنولوجيا على الايديولوجيا، للتفلت من براثن الماضي، وعندهم ايضا من صنع اسناناً(اسنان الذئاب) للنصوص، الا يبدو الشرق الاوسط الان وكأنه في قبضة الآلهة. دعونا نكرر مرة اخرى واخرى، وصف برنارد لويس للمنطقة بالعربة المجنونة التي تقودها الآلهة المجنونة...
نعلم ان دولة لبنان الكبير قامت على الالتباس، الالتباس التاريخي كما الالتباس الجغرافي فضلا عن الالتباس الطائفي، لكننا نسأل، ولطالما رشقنا بالحجارة كل من يمت بصلة الى مارك سايكس وجورج بيكو، هل كان باستطاعة العرب ان يصنعوا دولتهم او دولهم ( وحتى في ظل الالتباس إياه) لولا تدخل الرجلين اللذين كانا يعلمان ماذا فعلت بنا الجاهلية تلو الجاهلية..
اقل وعيا بكثير واقل رؤيوية بكثير من ان نبني دولا ومن ان نبني مجتمعات. ريتشارد بايبس لم ير فينا سوى قطعان هائمة على وجهها في الصحراء، وقال بكل تلك الفظاظة ان تاريخنا هو تاريخ الابل، تاركا للاكسندر آدلر ان يصفنا بعشاق الدم، مع اننا اقل شأنا من ان نشعل الحرب العالمية الاولى والثانية وان نلقي القنبلة النووية على هيروشيما. المشكلة اننا نقتل بعضنا البعض ان من اجل الكلأ او من اجل الله. من قال ان الله بحاجة الى...جثثنا؟
في لبنان نحن محكومون بتلك الببغائية القاتلة. لاحظوا بأي تفاهة يتكلم ذلك العميد المتقاعد وبأي سطحية عن ازمة لبنان وازمة المنطقة. نعلم ان هناك عمداء متقاعدين يتمتعون بالديناميكية الثقافية و بالنظرة الاستراتيجية للمشهد، ولكن هل من الممكن ان يتحول كل عميد، حتى ولو كانت ثقافته السياسية لا تتعدى ثقافة الضفدعة، الى خبير استراتيجي؟
نسأل الشاشات التي تستضيف تلك الببغاءات، وسواء كانوا من اهل السياسة ام من اهل «الوغى» ، ما اذا كانت صنعت لملء الهواء ولتقويض ما تبقى من قيمنا ومن اخلاقيتنا وحتى من ثقافتنا حين تكون الرؤية العرجاء للمسرح الداخلي كما للمسرح الاقليمي، والى حد التبرير الفظ لما يقوم به تنظيم الدولة الاسلامية، كما لو ان هذا التنظيم نتاج اللحظة الراهنة، او ردة فعل على حدث معين،وليس نتاج تراث لا يزال يغتال الاسلام والمسلمين منذ الف عام...
لماذا لا يقول هؤلاء ان لبنان امام ازمة بقاء كما المنطقة امام ازمة بقاء، وان «داعش» ليس موجودا في الجرود بل انه في لاوعينا التاريخي كما في لاوعينا الثقافي كما في لاوعينا العقائدي، واننا مهددون في كل لحظة بالانفجار، اذ لا وقت لدى المايسترو الاقليمي ليكترث بنا، ولضبط الايقاع بين الخندق والخندق، ولان جاذبية المصالح لدى المايسترو الدولي تتعدى اي جاذبية اخرى. كتب تيد كوبل «هوذا الفيلة تدوس الحيوانات الصغيرة».
لكننا ماضون في الببغائية وفي البهلوانية. تحذير من المؤتمر التأسيسي(ومن تراه يملك صلاحية عقده؟)، و تحذير من المس بالمناصفة، كما لو ان المناصفة قائمة فعلا، وتحذير من انتهاك السيادة وانتهاك الدستور، كما لو ان مصطلح السيادة لا يزال ساري المفعول في ارجاء المنطقة ، وكما لو ان موريس دوفرجيه لم يقل ان الدساتير عندنا تكتب على الرماد او على الدم...
حتى تيري رود - لارسن يدق ناقوس الخطر ويقول ان «داعش» في عقر داركم. لا وقت حتى لحزم الحقائب. ساستنا لاهون في التمديد الذي هو الفضيحة( ذات الاجراس)، فيما المنظرون، وبكل تلك الضحالة وبكل ذلك الابتذال، يغازلون «داعش» ويغازلون «النصرة» ممالأة او محاباة، كما لو ان احدهم يمالىء او يحابي الافعى (ايضا ذات الاجراس)..
لا خيار امامنا سوى ان نتكدس في الثلاجة، لعلها ثلاجة النار. هي...لعنة الببغاء!!