لماذا تفشل أمريكا في كل حروبها ؟..بقلم: أحمد الحباسي

لماذا تفشل أمريكا في كل حروبها ؟..بقلم: أحمد الحباسي

تحليل وآراء

الخميس، ١٦ أكتوبر ٢٠١٤

لعله من الأسباب التي دفعت بالناخب الأمريكي إلى اختيار الرئيس أوباما عام 2008 تلك اللغة المتفائلة التي تبشره بالرفاهة و النمو الاقتصادي ، هذا ما تقوله جملة الدراسات الجادة في هذا المجال ، فالناخب في أمريكا مهووس بالاقتصاد قبل أي شيء آخر و لا تهمه “شهوات” العسكر في احتلال الدول الأخرى أو الاستحواذ على ثرواتها أو مساندة ديكتاتورياتها الحاكمة ، و رغم أن تاريخ أمريكا هو تاريخ من الدم ، فإن العائلة الأمريكية لا تريد خسارة أبناءها في حروب الأنظمة الأمريكية المتعاقبة التي طالما بشرت بالانتصارات في حين أنها فشلت في كل حروبها على مر التاريخ رغم قوتها العسكرية و تحالف كثير من الدول الاستعمارية الانتهازية معها.
لقد حاول الرئيس أوباما أن ينأى بنفسه من البداية عن الحروب و لغة الحروب ، لكن الطبع الأمريكي الاستعماري العنيف تغلب عليه بل لنقل أن المؤسسة العسكرية المحركة الأولى للاقتصاد الأمريكي المنهار بعد حرب العراق الخاسرة لم تكن تريد أن تبقى أمريكا مكتوفة الأيادي و هي تشاهد تنامي القوة الإيرانية و بداية عودة الدب الروسي إلى المياه الدافئة ، فكانت البداية بمحاولة تحجيم الدور الروسي في دول الاتحاد السوفييتي السابق مما أعاد لفترة من الزمن لغة الحرب الباردة و محاولات الرد و الرد المقابل ، لكن أمريكا المنهكة اقتصاديا بعد انسحابها الخاسر من العراق لم تكن قادرة على مواجهة التمدد الروسي في دول جواره أو التمدد الصيني في دول غرب أفريقيا مما يقيم الدليل على أن أمريكا قد فقدت مع الوقت ساعدها العسكري القوى و باتت رهينة للمؤسسة العسكرية التي تعيش على أوهام القوة الأمريكية المنهارة .
لقد تعهد الرئيس أوباما بإقفال معتقل قوانتانامو الشهير ، لكن الرئيس فشل مرة أخرى في حربه الأخلاقية قبل الحرب القانونية بعد أن رفض المتشددون أو ما يصطلح على تسميتهم بالصقور داخل الإدارة و المؤسسة العسكرية الأمريكية هذا الأمر بحجة أن الحرب الأمريكية على الإرهاب ما زالت على ” الطاولة” و أن تفريغ هذا السجن الفضيحة سيعطى للبعض في دكاكين حقوق الإنسان مادة للتصويب على الإدارة الأمريكية و لما محاسبة بعض الرؤوس المتورطة في التعذيب و انتهاك حقوق الإنسان ، فشل الرئيس في الوفاء بتعهده ليس جديدا على الرؤساء الأمريكان ، فالوعود الانتخابية تبقى دائما حبرا على ورق ، خاصة و أن الهوس الاستعماري للإدارات الأمريكية المتعاقبة لا ينسجم إطلاقا مع المبادئ و القوانين الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان إضافة إلى أن طبيعة الحياة السياسية الأمريكية مبنية على الخداع و النفاق الانتخابي لا غير .
يبدو أن الإدارات الأمريكية التي يتحكم فيها اللوبي الصهيوني المتنفذ متعاقدة مع الفشل في كل حروبها العسكرية و الأخلاقية و السياسية ، و التاريخ يسجل أن هزيمة أمريكا في فيتنام قد شكلت لوحدها عقدة أمريكية بقيت بالذاكرة الجمعية الأمريكية كمرحلة سوداء في التاريخ الأمريكي الملوث بالدم و العار ، بعدها خرجت أمريكا من لبنان تحت عار الفضيحة ، كذلك في الصومال ، و في أفغانستان و في العراق ، لكن أمريكا مومس لا تستحي و هي تعيد الحرب هذه المرة في سوريا ب”أدوات” خليجية سعودية بائسة عميلة خائنة من الواضح أنها ستفشل لان أمريكا لم تعد قادرة على حشد بعض الدول التابعة لحلف الخوف من البعبع الأمريكي الصهيوني المهزوم وراء مشاريع انتهازية بائسة ، و لان كل التقديرات و التحليلات الموضوعية قد كشفت للعالم أن سوريا قد انتصرت في حرب كسر الإرادات فقد حاولت أمريكا حشد بعض الدول الهامشية بحجة محاربة الإرهاب مع أنها الدولة الراعية للإرهاب الأولى مع نظامي الميز العنصري في السعودية و إسرائيل كل ذلك لحفظ ماء الوجه و الخروج من المستنقع السوري العراقي بنفس النتيجة التي خرجت بها في كل حروبها الدموية السابقة و هي العار ، و هي نفس النتيجة التي خرجت بها إسرائيل من لبنان بعد هزيمتها صيف تموز 2006 .
أمريكا دولة استعمارية متوحشة بلا أخلاق ، و لعله من المفارقات أن أمريكا قد خسرت كل حروبها الأخلاقية في كل المنتديات الدولية منذ عقود من الزمن ، آخر هزائم أمريكا المدوية هزيمتها ” الأرجنتينية ” على يد رئيسة الأرجنتين حين تساءلت : اجتمعنا منذ عام وکنتم تعتبرون نظام الأسد “إرهابياً” ، وکنتم تدعمون المعارضة الذین کنا نعتبرهم “ثوارا”. والیوم نجتمع للجم “الثوار” الذین تبین فیما بعد إنهم إرهابیون، ومعظمهم تدرج فی التنظیمات الإرهابیة وانتقل من المتشدد إلى الأکثر تشدداً… قبل فترة ، كان للرئيس و الزعيم هيقو تشافيز خطاب في منتهى القسوة و الاشمئزاز ضد السياسة الأمريكية في العالم و في المنطقة العربية ، و لعل من أكثر الزعماء التاريخيين اشمئزازا من قبح السياسة الأخلاقية الأمريكية هو الرئيس الراحل نيلسون منديلا .
بين حربها على العراق و محاولتها إسقاط النظام السوري خسرت أمريكا كثيرا من قادتها السياسيين من الصف الأول بداية من العديم الشرف العسكري كولن باول صاحب كذبة الأسلحة الجرثومية العراقية في مجلس الأمن مرورا بكوندليزا رايس صاحبة تسويق نظرية الفوضى الخلاقة و صولا إلى هيلارى كلينتون زوجة الرئيس الأمريكي المتصابي بيل كلينتون صاحب فضيحة التحرش بالموظفة مونيكا لويينسكى ، لن ننسى طبعا سقوط جورج تينت رئيس وكالة المخابرات و جورج بولتون و سوزان رايس و جيفرى فيلتمان و دونالد رامسفيلد إلى غير ذلك من زمرة المحافظين الجدد الذين تزعموا الحرب على العراق و سوريا ، تؤكد عملية سقوط هذه الرؤوس أن أمريكا دولة غبية بلا سياسة قادرة على التعامل مع الدول بكامل الاحترام ، و عندما تفقد دولة قوتها العسكرية و “قوتها” الأخلاقية الناعمة و قوة سياستها المعتدلة فهي معرضة لخسارة كل حروبها ، بديهي (ELEMENTAIRE ) كما يقول المفتش الشهير شارلوك هولمز.