داعش.. من القلمون الى البحر، واقعٌ أو انتحار؟؟

داعش.. من القلمون الى البحر، واقعٌ أو انتحار؟؟

تحليل وآراء

الثلاثاء، ١٤ أكتوبر ٢٠١٤

 تمدّد تنظيم "داعش" في العراق وسورية على مساحات كبيرة، وأقام دولته ووفّر لها أغلب مقوّمات الدولة إلّا الشاطئ، وهذا ما لم يتوفّر ولن يكون التنظيم قادراً على تحقيقه لا في العراق ولا في سورية لمجموعة كبيرة من الأسباب أهمّها:
1- بُعد الشاطئ العراقي عن مساحات امتداد داعش في العراق ووقوعه في مناطق نفوذ تاريخية لقلب المنطقة الشيعية.
2- تحرير الجيش السوري لأرياف حمص والقصير وقطع الصلة الجغرافية بين عكار والشمال اللبناني بحمص وامتدادها.
وحيث أنّ مشروع التمدّد ما زال في بداياته يبدو أنّ داعش ومعه جبهة النصرة في القلمون ما زالا يأملان في تحقيق الوصول الى الشاطئ لتكوين البعد الإستراتيجي لـ"دولة الخلافة".
وأكبر دليل على صحة هذا الكلام هو الخرائط التي وزعها "داعش" وتُبيّن مناطق انتشار وسيطرة هذه الدولة، ومن ضمنها "ولاية لبنان" على كامل الجغرافية الحاليّة للدولة اللبنانية.
وكان لاعتقال مسؤول داعش في القلمون عماد جمعة الأثر الكبير في كشف مضمون المخططات الداعشية وهذا ما أظهرته التحقيقات، حيث كان عماد جمعة لحظة اعتقاله يقوم بجولة الإستطلاع الأخيرة لترتيب العملية الكبيرة والتي كان يمكن أن تُحدث واقعاً مختلفاً عما هو الآن لولا اعتقاله وضرب عامل المباغتة الذي كان في أساس الخطة.
وممّا تسرّب من هذه الخطة أنّ عملية كبيرة كانت ستُنفّذ على كل مواقع الجيش اللبناني دفعة واحدة وتحقيق أكبر قدر من الخسائر في صفوف الجيش وأسر الجنود والإستيلاء على آلياتهم والإندفاع بها نحو اللبوة ورأس بعلبك والقاع وأغلب القرى التي تجاور عرسال وإكمال الطريق بإتجاه وادي خالد فعكار عبر الهرمل وجرودها. (نموذج الموصل).
قد يبدو هذا السيناريو في شقّه الأول المتعلّق بالجيش اللبناني قابلاً للتحقيق حينها لو استطاع داعش والنصرة تحقيق عامل المباغتة، ولكان بإمكانهم إخراج الجيش اللبناني من عرسال ومحيطها بضربة موجعة كانت ستؤثر على معنويات الجيش وستحدث صدمة ورعب كبيرين وبلبلة في صفوف أهالي الجنود الذين كان سيكون عدد الشهداء والجرحى والأسرى أضعافاً مضاعفة، لولا أنّ قيادة الجيش وقيادة الوحدات المنتشرة في عرسال سارعت الى أخذ المبادرة والدخول في إشتباك أدّى الى نتيجة مقبولة وهي خروج أغلب المسلحين من نطاق عرسال المباشر الى الجرود ومعهم الجنود المخطوفين.
يُذكر أنّ الجيش اللبناني كان قبل معركة عرسال ينتشر على أساس نقاط أمنية متباعدة وليس انتشاراً قتالياً كما هو الحال الآن، ما ساعد الجماعات المسلّحة حينها على عزل وحدات الجيش وإستهدافها بسهولة، والسبب هو انطلاق موجات الهجوم الأولى على مواقع الجيش من أماكن لم يتوقعها الجيش وهي مخيمات النازحين السوريين وخصوصاً مخيمي "من هنا مرّ السوريون1 –" و"مخيم التلاحم" اللذين يبعدان عن ثكنة الـ83 والتي أُسر فيها أغلب جنود الجيش وعناصر الأمن الداخلي حوالي 300 متر، وجدير بالذكر أنّ موجة الهجوم الأولى قاربت الـ900 مقاتل إضافةً الى الموجة اللاحقة من المسلحين الذين قدِموا من الجرود ومن داخل عرسال نفسها، حيث قارب العدد الـ1500 مقاتل بمجموع 2400 مقاتل وهو عدد ليس بالقليل قياساً على عدد جنود الجيش الذي لم يكن يتجاوز في كامل منطقة انتشاره الـ400 جندي وضابط.
في اللحظة التي تلت الإشتباك الأول بدأ الجيش بتعزيز وحداته في عرسال في نفس الوقت الذي خاض فيه معركة غير متكافئة في العدد مع جماعات مدرّبة وتمتلك قدرة الحركة والنار، وخلال أيام وبنتيجة الضغط الذي حقّقه الجيش على الجماعات المسلّحة تمّ تنفيذ انسحاب للجماعات المسلّحة الى الجرود ليستكمل الجيش انتشاراً يشكّل حالياً عائقاً كبيراً في وجه الجماعات المسلّحة.
وتبقى النقطة الأكثر خطراً حتى اللحظة هو العدد الكبير لمخيمات النازحين في عرسال والذي يبلغ 52 مخيماً، تعداد سكّانها 120 الف نسمة وهو أربعة أضعاف عدد سكان عرسال.
ومنذ فترة حاولت هذه الجماعات سلوك منفذ آخر عبر جرود بريتال وامتدادها عند الحدود مع سورية فنفذّت هجوماً بمئات المقاتلين على نقاط حراسة واستطلاع لحزب الله، كانت بمثابة هزيمة أخرى للجماعات المسلّحة واختباراً لقدرة الحزب على التحرك من مناطق التحشيد الخلفية الى مواقع الإشتباك خلال فترة قصيرة لتدخل الوحدات المتحركة في الإشتباك فور وصولها الى موقع الإشتباك، وهو أمر يدلّ على الكفاءة القتالية لمقاتلي حزب الله.
وفي التقدير أنّ إقدام الجماعات المسلّحة على تنفيذ عملية عبور باتجاه عكار عبر محيط عرسال والهرمل هو عمل انتحاري خصوصاً أنّ المنطقة أساساً هي أحد مناطق الثقل الإستراتيجي لحزب الله، وتم إتخاذ إجراءات تتناسب مع أيّ إندفاعة تقوم بها هذه الجماعات.
وإن كان العبور من هذه المنطقة للوصول الى البحر أمراً يحمل في طيّاته الكثير من الحماقة وسيؤدي الى مقتل الغالبية الساحقة من المجموعات المتقدمة لأنها ستكون بمواجهة وحدات النخبة في الجيش اللبناني وآلاف المقاتلين من القوات الخاصة لحزب الله وضعفهم من قوات التعبئة وحتى أهالي القرى.
وعليه ولأنّ هذه الجماعات ما زالت تأمل في الوصول الى البحر فإنها على الأرجح تفكّر في سيناريوهات أخرى قد تجد طريقها الى التنفيذ من وجهة نظر هذه الجماعات وأهم هذه السيناريوهات:
1- الإندفاع من جرود سرغايا باتجاهين، معربون لتحقيق خط مواجهة مع حزب الله من جهة حام والإندفاع بإتجاه الأراضي اللبنانية نحو السهل عبر جرود سرغايا، مروراً بقرى رعيت ودير الغزال وقوسايا وعين كفرزبد التي ستتجاوزها هذه الجماعات لكونها قرية يتواجد فيها حزب الله، وستكتفي هذه الجماعات بتطويقها وإكمال إندفاعها نحو كفرزبد والفاعور ومن هناك بإتجاهين، شمالاً بإتجاه الدلهمية زحلة فتلال زحلة وصولاً الى ترشيش وقمة جبل الكنيسة، وغرباً عبر طريق رياق وصولًا الى برالياس عند نقطة دير زنون.
2- الإندفاع من جرود الزبداني ومضايا بإتجاه عنجر ومجدل عنجر مروراً ببر الياس فشتورا وصولاً الى مفترق فالوغا، مع إكمال مجموعات من الجماعات المسلحة وصل بر الياس بزحلة عبر طريق السهل ووصل سعدنايل بزحلة ايضاً عبر طريق سهلي وليس عبر ستورا تعلبايا بسبب وجود قوات لحزب الله في جلالا وتعلبايا وامتداد التلال حتى حزرتا.
3- الإندفاع من مجدل عنجر بإتجاه البقاع الغربي وعبور ممر كفريا الى قمّة جبل الباروك للسيطرة على القمّة، مع مجموعات ستتقدّم من شبعا الى حاصبيا فالقرعون لعزل مناطق سيطرة حزب الله في البقاع الغربي كمشغرة وسحمر ويحمر والإتصال بالمجموعات المتقدمة نحو الباروك.
إن هذه السناريوهات هي أقرب الى الجنون منها الى التنفيذ لمجموعة كبيرة من الأسباب مع قدرة هذه الجماعات على تنفيذ أقسام من هذه السيناريوهات وليس كلها اذا ما اعتمدت على نفس العوامل التي اعتمدتها في عرسال، وهي البيئة الحاضنة المفترضة من القرى السنية التي تشكّل غالبية البقاعين الغربي والأوسط والعدد الكبير من النازحين السوريين الذي ينتشر في 276 مخيم نزوح، والتي سيكون للمسلحين المتواجدين فيها مهمات أساسية ومنها استهداف الجيش على الطرقات والمفاصل الأساسية وقطع طرق إمداده والإشتباك مع وحداته بشكل يمنعه من خوض معركة شاملة ضمن نطاق جبهوي.
هكذا تفكّر هذه الجماعات وهكذا تخطط ولكن الأمر سيصطدم بمعيقات كثيرة ومنها أنّ الجيش اللبناني واستفادته من التجارب التي يخوضها بات يعتمد أكثر على العامل الإستخباراتي استقصاءً ومتابعة، وكذلك على الدوريات المكثفة لعناصر المخابرات بسيارات ولباس مدني، وكذلك على نمط الكمائن اليومي في الممرات التي يحتمل أن تسلكها هذه الجماعات.

وفي مقاربة أخرى فإنّ المقاومة ستعتبر أنّ أي تمدد لهذه الجماعات الى مناطق البقاع الأوسط والغربي هو تهديد استراتيجي لأمنها وأمن كل لبنان، وستعمل فوراً على وضع وحداتها في مواجهة الجماعات المسلّحة وكذلك وحدات السرايا اللبنانية لمقاومة الإحتلال ومئات الشباب في قرى البقاعين الأوسط والغربي والتي لا تعرف الجماعات المسلحة شيئاً عنها وعن قدراتها التسليحية والتنظيمية.

وفيما يخص الإندفاع من شبعا بإتجاه حاصبيا وكذلك الإندفاع بإتجاه الباروك وإختراق الشوف وصولًا الى إقليم الخروب ذو الغالبية السنية، فالبحر هو أمر من ضروب الخيال كون الحزب التقدمي الإشتراكي أصبح في حالة تعبئة ويعمل على إعادة تأهيل وضعه العسكري لمؤزارة الجيش والمقاومة حيث يلزم وعند الضرورة.

وفي الإندفاع الى زحلة وتلالها فقمّة جبل الكنيسة، فالطريق الى هناك سيصطدم بتواجد قوي لحزب الله في تلال زحلة والتويتي وحزرتا وصولًا الى الكنيسة نفسها والتي ستتم حمايتها من قوات مشتركة من المقاومة والحزب التقدمي الإشتراكي.

من المؤكد أنّ الجماعات المسلحة تفكر بطريقة تخالف الموضوعية وتعتمد أكثر على البعد العاطفي وتراهن على تحويل قرى البقاعين الأوسط والغربي لبيئة حاضنة لها في إنتظار إكتمال الظروف لتحقيق هدفها في الوصول الى البحر، وهو أمر لا علاقة له بالواقعية ويندرج ضمن السياق الإنتحاري.
وأقصى ما يمكن أن تحقّقه هذه الجماعات هو نوع من البلبلة وخلق حالة توتر وخوض إشتباكات محدودة في طرابلس وعكار وبعض مناطق البقاع.