الحرس الثوري الإيراني، قدرات ومهمات

الحرس الثوري الإيراني، قدرات ومهمات

تحليل وآراء

الأحد، ١٢ أكتوبر ٢٠١٤

 منذ نشأة الجمهورية الإسلامية في إيران بدا واضحاً للجميع أنّ هذه الجمهورية ذهبت بإتجاه تبني القضايا العادلة للشعوب ومنها القضية الفلسطينية وحق الشعوب بالتحرّر من الإحتلال ومقاومة كل أشكال الإستكبار والعدوان، وفي هذا السياق بنَت الجمهورية الإسلامية سياساتها المتعلقة بالمنطقة وانحازت للدول والمقاومات المنخرطة في مواجهة الكيان الصهيوني.
ولهذه الأسباب وأسباب أخرى مرتبطة بحماية حدود ومصالح الجمهورية الإسلامية في إيران تمّت عملية إعادة بناء للجيش والقوات المسلحة الإيرانية قائمة على مجموعة من المعايير تتناسب مع تلبية حاجة إيران للدفاع عن نفسها وحماية مصالحها.

ومن ضمن وحدات القوات المسلحة الإيرانية اتُّخذ القرار بإنشاء الحرس الثوري الذي يعتبر الى جانب وحدات وأسلحة الجيش الإيراني الأخرى من أعمدة الدولة الإيرانية، ومراعاة خصوصية معينة لهذا الحرس في المهمّات التي ستوكل اليه وكذلك طبيعة ونوعية الأسلحة المستخدمة في وحداته.
قبل الدخول في توصيف وعرض قدرات ومهمّات الحرس الثوري الإيراني لا بدّ من الإشارة الى أنّ ما دعاني الى الكتابة عن الموضوع هو التحذير الإيراني لتركيا حول إمكانية أن تقوم تركيا بعبور برّي الى الأراضي السورية وكذلك الأدوار التي تقوم بها إيران في كل من العراق وسورية، وهي أدوار لم تتعدَّ حتى اللحظة الدعم السياسي والعسكري والإقتصادي، وفي الجانب العسكري فإنّ الدور الإيراني في العراق وسورية لم يتجاوز الدعم التسليحي واللوجستي والإستشاري ضمن عدد محدود من الخبرات في شتى المجالات بما فيها ضباط من الحرس الثوري الإيراني.

ويذكر أنّ موضوع الحرس الثوري الإيراني شغل بال العالم وعلى رأسهم أميركا وكل دول الغرب، وحتى الدول العربية وعلى رأسها الدول الخليجية، كون هذا الحرس استطاع أن يحرز إنجازات كبيرة جداً سواء في عديده أو تجهيزاته أو تسليحه أو برنامج تدريباته ومهماته.

وسنقارب الموضوع من جانبين: النشأة والهيكلية والقدرات البشرية - والتسليح والمهمات.
أ‌- في النشأة والهيكلية:
- تمّ إنشاء الحرس الثوري أو (الباسدران) باللغة الفارسية بمرسومٍ أصدره قائد الثورة الإمام الخميني بتاريخ 5 أيار 1979 ليكون الدرع الواقي لحماية الثورة الإيرانية، خصوصاً أنّ الجيش الإيراني آنذاك لم يشارك بالثورة بشكلٍ فاعلٍ ما استدعى تشكيل قوات عسكرية موالية للثورة وتقوم بحماية مسارها ومنجزاتها.
- تطورت قوة الحرس الثوري من مجرد مجموعات الى قوّة منظمة خلال الحرب العراقية – الإيرانية وتمّ إعطاؤها كل ما يلزم من الإهتمام اثناء عملية البناء لتتحول مع الوقت الى قوة منظمة وفاعلة وقوية تمتلك أحدث الأسلحة والمعدات في اسلحة البر والبحر والجو.
- يُعرف أعضاء الحرس الثوري الإيراني بولائهم الديني والعقائدي وانضباطهم الشديد، كما يختلفون عن باقي وحدات الجيش الإيراني أنهم يقومون بدورٍ توجيهي وسياسي هو في أساس الفكر الثوري الذي أرسته الثورة الإسلامية في إيران.
- تنظيمياً فإن قوات (الباسيج) والتي تتألف من الطلاب والعمّال وعموم الشعب الإيراني وهي قوات شبه رسمية وتعني باللغة العربية قوات التعبئة الشعبية، وتضّم قوات الباسيج عند إعلان التعبئة ما يقارب 9 ملايين شاب وفتاة قادرين على حمل السلاح وتنفيذ مهمات دفاعية عن مصالح إيران في الداخل وعلى الحدود وخارج ايران وذلك بحسب ما تقتضيه الحاجة.
- يقارب عدد قوات الحرس الثوري الإيراني حوالي 350 الف ينفذون مهماتهم في أسلحة البر والبحر والجو ويمتلكون أسلحة نوعية وحديثة سيتم التطرّق لها في الشق الثاني من العرض.

- يتألف حرس الثورة الإيراني من مجموعات كبيرة من الألوية تنتظم في إطار التشكيلات التالية:
1- هيئة الأركان العامة ويتبع لها مباشرةً كافة أجهزة الأمن والإستخبارات التابعة لحرس الثورة الإيراني.
2- قيادة القوات البرية والتي تضمّ أسلحة المشاة والقوات الخاصّة والمدرعات والمدفعية والصواريخ المتوسطة والبعيدة المدى.
3- قيادة القوات الجوية وهي تضم سلاح الجو والدفاع الجوي والإنذار المبكر.
4- قيادة القوات البحرية وتضم قطعاً بحرية من المدمرات والغواصات وزوارق الدورية والقتال وصولًا الى زوارق الطوربيد والغواصات الصغيرة.
5- قوات التعبئة الشعبية (الباسيج) وهي أقرب الى الميليشيا وتخضع بشكل دوري لبرامج إعداد وتأهيل وتدريب، وهي قوات تعتمد في تسليحها على الأسلحة الخفيفة والمتوسطة.
6- قيادة فيلق القدس وهو قوّة خاصّة ترتبط مهماتها بتدريب ودعم المقاومات والعمل خارج الحدود عند الضرورة، ويعتبر فيلق القدس من أهم وافضل وحدات الحرس الثوري الإيراني من ناحية الإلتزام العقائدي والإلتزام والإنضباط، ويقوده حالياً اللواء قاسم سليماني.

كما من المفيد أن نذكر في هذا الشأن أنّ الحرس الثوري الإيراني يمتلك آلاف المؤسسات والشركات بما يؤمن له واردات مالية ضخمة ويوفّر في هذا إلإطار مئات آلاف فرص العمل الجديدة.
ب‌-  التسليح والمهمات:
- منذ بداية الثورة في إيران تمّ فرض حصار إقتصادي وحظر مشدّد على كل ما يتعلق بعملية الإنتاج بكل نواحيها بما فيها الجانب العسكري، وهذا ما استدعى منذ اللحظة الأولى تفعيل الصناعات العسكرية والإعتماد على الجهود الإيرانية وبالتأكيد التعاون الوثيق مع كل من روسيا والصين وكوريا فيما بعد، خصوصاً أنّ إيران دخلت الحرب مع العراق بعد سنة من إنطلاق الثورة.
- في سلاح المشاة وملحقاته يتسلّح الحرس الثوري الإيراني بمنظومة واسعة من الأسلحة الفردية التي تصنعها الصناعات العسكرية الإيرانية وهي نسخ عن السلاح الروسي والصيني وبعضها من تطوير إيراني خاص، وخصوصاً القناصّات الخفيفة والثقيلة، كما يتزوّد الحرس الثوري الإيراني بمنظومات مختلفة من الأسلحة المضادة للدروع وبعضها من الجيل المتطور والذي يوازي مثيلاته من السلاح الروسي والغربي، إضافةً الى أعداد كبيرة من المدفعية المقطورة والمحمولة من عيارات مختلفة وكذلك راجمات الصواريخ من عيارات خفيفة ومتوسطة وثقيلة ومن ضمنها راجمات ثنائية ورباعية لصواريخ فجر التي تصنّف ضمن راجمات الصواريخ الثقيلة متوسطة المدى، وكذلك بخصوص سلاح المدرعات الذي يضم آلاف الدبابات وناقلات الجند وأهمها الدبابة ذو الفقار التي تجمع خصائص الدبابات الأميركية والروسية بما يتلاءم مع الحاجات الإيرانية.
- سلاح الجو في الحرس الثوري الإيراني ويضّم تشكيلة واسعة من الطائرات الحربية ومن ضمنها طائرات تمّت صناعتها بالكامل في مؤسسات الصناعة العسكرية الإيرانية وأهمها طائرة الصاعقة وهي تطوير إيراني، وكذلك طائرات الهليكوبتر بنوعيها المخصص للنقل وتلك التي تحمل تسليحاً قادراً على التعامل مع كل الأهداف سواء البشرية او المتحركة، كالسيارات والناقلات المدرعة والدبابات وحتى الأهداف البحرية الصغيرة، وكذلك الطائرات بدون طيّار والتي يمتلك الحرس الثوري الإيراني أعداداً كبيرة منها بما فيها تلك القادرة على إصابة الأهداف ليلاً ونهاراً.
- سلاح الدفاع الجوي وهو يعتمد على منظومات متقدمة ومتكاملة يبدأ بالصواريخ المنطلقة عن الكتف الى منظومات الـ"أس 200" الروسية وتلك التي تشابهها من حيث القدرة وهي صناعة ايرانية، وكذلك آلاف المدافع المضادة للطائرات والتي تمّ تزويدها بمنظومات متابعة رادارية ذاتية، كما يمتلك سلاح الدفاع الجوي منظومة متطورة من الرادارات التي تغطي مساحات كبيرة من الأجواء الإيرانية وحتى أجواء الدول المحيطة بإيران.
- سلاح البحرية وقد تطوّر الى درجةٍ عالية وبات يمتلك أعداداً كبيرة من القطع البحرية كالمدمرات التي تستطيع القيام بمهمات في المحيطات وكذلك الغواصات القادرة على العمل في أعماق البحار لمدة طويلة، كمّا طوّر سلاح البحرية العديد من انواع الزوارق الكبيرة والصغيرة لتقوم بمختلف مهمات الحراسة والقتال وبعضها مزود بأحدث صواريخ بحر بحر القادرة على استهداف وتدمير حتى القطع البحرية الكبيرة كحاملات الطائرات، ومن ضمن تسليح القوات البحرية زوارق الطوربيد التي تعتبر الأسرع في العالم وهو أمرٌ تميّزت به البحرية الايرانية، وكذلك الغواصات الصغيرة التي تتسع لرجلٍ أو رجلين والقادرة على القيام بعمليات الإستطلاع والتخريب في المنشآت البحرية المعادية، وبعض طرازاتها قادر على حمل مجموعة ضفادع بشرية وكذلك حمل المتفجرات والألغام البحرية لزرعها في أماكن حساسة، كما يمكن استخدام هذه الغواصات كمنصات استشهادية.
- سلاح الصواريخ البالستية وهو يضّم تشكيلة واسعة من الصواريخ التي يصل مداها بطرازاتها العاملة حالياً الى 3000 كلم وقادرة على حمل رؤوس متعددة الطرازات وبقدرات تدميرية هائلة، في هذا الشأن تشير التقديرات الى أنّ الحرس الثوري الإيراني قادرٌ على إطلاق 11 الف صاروخ بعد ثلاثة دقائق من تعرض ايران لأية ضربة معادية، وهذه الصواريخ من طرازات متوسطة وبعيدة المدى يتراوح بين 1000 و3000 كلم وهو رقم غير اعتيادي يمكن أن يلحق دماراً هائلا وكبيراً اذا ما كانت "إسرائيل" هدفاً للضربة الصاروخية الإيرانية، أو حتى لو تعرضت لنصف العدد المُطلق من الصواريخ وليس كلّه.
- سلاح الحرب الإلكترونية، وهو أمرٌ أولاه الحرس الثوري الإيراني أهمية كبيرة لمعرفته بطبيعة الحرب الحديثة وقدرات أعداء ايران في هذا المجال، ويكفي الإشارة الى أنّ ايران هي من بين ستة دول في العالم تملك تقنيات الـ"nanotechnology" او ما بعرف باسم صغائر التكنولوجيا لنعرف مدى التطوّر الذي حقّقته ايران في هذا الجانب.
ختاماً: لا بدّ من القول إنّ ايران والحرس الثوري الإيراني خصوصاً يعترف أنّ اميركا تمتلك قدرات كبيرة في حال حاربتها ايران في الأطلسي او في اورويا، ولكن العكس هو الصحيح من وجهة النظر الإيرانية التي تقول إنّ ايران تستطيع التغلب على أميركا في مجالها الحيوي وهنا نقصد أراضي إيران وأراضي الدول المجاورة لها.