الرهان الخاطئ... النتائج الكارثيّة.. بقلم: د.فيصل المقداد

الرهان الخاطئ... النتائج الكارثيّة.. بقلم: د.فيصل المقداد

تحليل وآراء

السبت، ١١ أكتوبر ٢٠١٤

- لم يكن الشعب السوري ولا القيادة السوريّة بحاجة لانتظار محاضرة نائب الرئيس الأميركي جو بايدن، في جامعة هارفارد، حتّى يتعرّف إلى الدور الذي قامتْ به تركيّا والإمارات العربيّة المتحدة وقطر والسعوديّة وغيرهم في تمويل وتسليح وإيواء وتمرير المجموعات الإرهابيّة المسلّحة. لا أحد يمكنه تضليل الشعب السوري. ولا أحد يمكنه تضليل العرب، أو بعض العرب، طيلة الوقت.


- إنّ الإنجاز الأساسي الذي حققته سورية بفضل وعي شعبها وحكمة قيادتها هو ذلك الجيش العظيم الذي يمثّل الخطر الأكبر على مشاريع «إسرائيل» وداعميها، ولذلك كان هذا هو الهدف الذي أراد الأعداء الوصول إليه لإضعاف صمود سورية وتشتيت جهودها. ولينظر من له عينان تريان، وله أذنان تسمعان إلى ما حدث.

- من دون أحكام مسبقة لأي فهم خاطئ في أننا نحاول فرض قناعاتنا على الآخرين فإنّنا نقول إنّ ما يُسمّى المعارضة السوريّة تتواصل في شكل مباشر وعلى الملأ مع «إسرائيل».

- لكن ما لا يمكن تفسيره تحت أي عنوان كان هو بأي وجه يطالب هؤلاء الأعراب والأتراك باعتذارات أميركيّة، خصوصاً أنّ الحالات التي يعترف بها المسؤولون الأميركيون بالخطأ ليستْ ممارسة دائمة، على رغم أنّ الأخطاء التي يرتكبونها تستحق اعتذارات مستمرّة لأنّهم لم يتركوا شعوب العالم تعيش من دون تدخّلهم وإملاءاتهم وهيمنتهم.

- إنّ الذين يجب عليهم الاعتذار، ولسورية بالذات أوّلاً، وللمجتمع الدولي النظيف وغير المتورّط في دعم الإرهاب بمعناه الواسع ثانياً، هم كل أولئك الذين ساهموا في تمويل الإرهاب ودعم مجموعاته وتسليحها.

- هنالك الآن كما يقول الوزير سيرغي لافروف دلائل متزايدة على التناقض بين الحاجة إلى جهود مشتركة لصالح رسم ردود كافية على التحديات التي تهم الجميع، وتطلعات عدد من البلدان للهيمنة وإحياء التفكير المتداعي حول الأحلاف القائمة على مبدأ التدريب العسكري والمنطق الخاطئ الذي يقول إمّا «عدو أو صديق». فالحلف الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة ويصوّر ذاته على أنّه بطل الديمقراطيّة وحكم القانون وحقوق الإنسان في فرادى الدول، يتصرّف من مواقع متناقضة بشكل مباشر على الساحة الدوليّة. فهذا التحالف يرفض المبدأ الديمقراطي المتعلّق بالمساواة في السيادة بين الدول الذي يؤكّد عليه ميثاق الأمم المتحدة من خلال محاولة هؤلاء اتخاذ القرار نيابةً عن الجميع بما هو خير وما هو شر. فواشنطن أعلنتْ على الملأ حقّها باستخدام القوّة بشكل أحادي الجانب في كل مكان للحفاظ على مصالحها. وهكذا أصبح التدخّل العسكري هو السائد على رغم النتائج المخيبة لكل العمليات العسكريّة التي نفّذتّها طيلة الأعوام الأخيرة.

- وطالما أنّ تركيّا تتحدّث الآن عن فرض إجراءات قسرية تتعلّق بإقامة مناطق عازلة في سورية والعراق بالتعاون مع دول أخرى بما في ذلك مع مستعمر سورية القديم فرنسا، والتي كانتْ أصلاً قد سلختْ من سورية جزءاً غالياً من أرضها، فإنّنا نؤكّد من حيث المبدأ أنّه سيكون لذلك ثمن كبير دوليّاً وإقليميّاً. وسنكتفي الآن بالإشارة إلى موقفين يجب أن يفكّر بهما النظام التركي وحليفه الفرنسي الفاشل. أوّل هذين الموقفين هو تلك المقاومة التي سيواجهها الأتراك من قِبَل المواطنين السوريين، نعم كل المواطنين السوريين الذين أكّدوا دفاعهم عن هويتهم الوطنيّة السوريّة بمختلف مكوناتهم الاجتماعيّة والعرقيّة، والعامل الثاني هو التباينات الواضحة في المعسكر الغربي العرباني الموالي للغرب في ما بينه وفي ما بينه من جهة والنوايا التركيّة من جهة أخرى. فهؤلاء لا يريدون أي توسّع للدور التركي والتنظيمات الإسلاميّة التي تدعمها تركيّا سريّاً أو علنياً وهي تنظيمات متطرّفة وتكفيريّة في أغلبها. ومن جهة لأنّ هؤلاء في أغلبهم، ما عدا المغامرون الفرنسيون، يعرفون أنّ الخروج من اللعبة لن يكون سهلاً كدخولها وستترتّب عليه عواقب ستكون وخيمة على كل من سيضع إصبعه في هذه الأزمة ونيرانها، ناهيك طبعاً عن أنّ مواقف بعض الدول دائمة العضويّة في مجلس الأمن أو دول إقليميّة ترفض مبدأ التدخّل في الشؤون الداخليّة لسورية. ولم تتردّد هذه الدول بما في ذلك روسيا والصين التي تُمارس سياسة تنسجم مع ميثاق الأمم المتحدة وضرورة احترام الجميع لسيادة سورية ووحدتها الترابيّة واحترام دور مجلس الأمن المسؤول عن الأمن والسلم الدوليين حصريّاً في توضيح موقفها. كما جرى ذلك بشكل حازم في إعلان الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة التي ترفض أي محاولة للتدخّل التركي في سورية، ناهيك عن الموقف الروسي المعلن والذي يؤكّد أهميّة احترام ميثاق الأمم المتحدة وعدم اتخاذ أي إجراء بفرض مناطق عازلة في سورية بعيداً عن الشرعيّة الدوليّة ودور مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وهو الهيئة الوحيدة التي يخولها الميثاق بفرض مثل هذه الإجراءات.

- ويبقى السؤال الذي طرحناه دائماً: لماذا قتلتْ العائلة السعوديّة عشرات الآلاف من السوريين منذ بدء هذه الأزمة ولماذا ينوون قتل المزيد؟ ألا يعرف حكّام السعوديّة أنّ القرآن الكريم الذي يدّعون أنّهم اتخذوه دستوراً لهم يؤكّد تحريم هذا القتل. ألم يقل القرآن الكريم: «وبشر القاتل بالقتل». لم ترسل سورية قتلة وإرهابيين إلى نجد والحجاز لأنّ قيادة المملكة تقوم بتطبيع علاقاتها مع «إسرائيل»، كما أنّ سورية لم تقم ولن تقوم بتوجيه بنادقها إلى صدور أهلنا في الجزيرة العربيّة لأنّ حكومتهم ارتأتْ أنّ علاقاتها التبعية لأميركا وأوروبا تضر بالمصالح العربيّة بما في ذلك السعوديّة بالذات، ناهيك عن إضرار هذه السياسة بالمصالح السوريّة المباشرة! والسؤال الأكبر: إذا كانتْ هذه العائلة الحاكمة تدّعي حمايتها للحرمين الشريفين ودين الله، فلماذا تقوم بتفجير الخلافات الطائفيّة والمذهبيّة وتأجيج نيران الاختلاف بين المسلمين بدلاً من العمل على رأب الصدع بين أبناء الدين الواحد والله الواحد والرسول محمّد، صلّى الله عليه وسلّم، خاتم الأنبياء؟ إنّ تحويل الخلافات السياسيّة إلى صراعات دينية هو أكبر خطر يواجه الإسلام، ولا نعتقد أنّ أي تحريك للعصبيّة المذهبيّة سيخدم الإسلام والمسلمين. وإذا قمنا بالتسليم بصحّة هذه الخلاصات المبدئيّة التي وصلنا إليها، فإنّ السؤال الذي يجب طرحه هو: لماذا كل هذا الحقد، ولماذا كل هذا القتل وسفك الدماء السوريّة على يد الأسرة السعوديّة؟

- الاستراتيجيّة الأميركيّة الصهيونيّة أصبحتْ واضحة وجليّة المعالم، فهي تهدف بشكل أساسي إلى إطالة هذه الحرب على سورية بهدف إضعافها وإنهاكها. وهما بصراحة لا يهتمّان بمن سيخرج سالماً من هذه الحرب بمقدار اهتمامهما بمصالح «إسرائيل»، المستفيد الوحيد من استمرار آلة القتل هذه بأداء مهامها سواءً كان ذلك من خلال أردوغان وأحلامه العثمانيّة المريضة في الشمال أو من خلال الدعم «الإسرائيلي» للإرهابيين على خط فصل القوّات في الجولان غرباً، أو تدفّق السلاح والإرهابيين السعوديين إلى محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء من الجنوب.

- لم تكن سورية في تاريخها الطويل لقمة سائغة ولا أرضاً مستباحة. فها هو جيشها يسطّر في كل يوم إنجازات مشرّفة دفاعاً عن العرض والأرض والإنسان.

- إنّ من لا يقف مع الدولة السوريّة إنّما يقف مع «داعش» ولا خيار ثالث، فاختاروا!