أردوغان وداعش والفوضى الخلاقة..بقلم: د.سليم بركات

أردوغان وداعش والفوضى الخلاقة..بقلم: د.سليم بركات

تحليل وآراء

الجمعة، ١٠ أكتوبر ٢٠١٤

سياسة الغدر والتوتر تشكل معالم سياسة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وهي سياسة إذا ما استمرت على ما هي عليه ستقود إلى التصعيد ليس مع سورية والعراق فقط، بل مع باقي دول المنطقة وشعوبها. وثمة اعتبارات ستحدد استمرار أردوغان في سياسته هذه، منها المسارات المستقبلية المحتملة للأزمة السورية، والتي تجري رياحها عكس ما تشتهيه سفن أردوغان الداعمة للتنظيمات الإرهابية القاعدية المتمثلة في داعش وأخواتها.
ما من شك أن أردوغان سيبقى يتدخل في الشؤون الداخلية لسورية والعراق طمعاً في لعب دور إقليمي بارز، يغطي أخطاءه السابقة، لكنه سيجد مقاومة في مواجهة هذا الدور ليس من قبل سورية والعراق فقط، بل من قبل مصر  وغيرها من البلدان العربية المتضررة من سياسته، مقاومات ستحول بمجملها دون عودة العلاقات التركية العربية إلى طبيعتها، لأن الكل ينظر إلى سياسات أردوغان على  أنها مرتبطة بمواقف الإخوان المسلمين وتطلعاتهم السلطوية.
أما بخصوص العلاقة مع أمريكا ودول الغرب فسيبقى أردوغان على هذه العلاقة على الرغم من فقدان الثقة بين الطرفين، والسبب هو ارتباط المصالح التي تبقى تركيا بوابة أوروبا الاقتصادية والأمنية، كما تبقي النفط الذي تؤمنه حكومة أردوغان متدفقاً إلى الغرب. مع قناعة هذا الغرب أن تركيا ستستمر مبتعدة بشعبها عن العلمانية في ظل رئاسة أردوغان، وإنها ستكون أقل حرية وديمقراطية، وأكثر تديناً وعرقية، مما يبقي الباب مفتوحاً أمام المجموعات الإرهابية التي ستغزو الساحتين التركية والغربية.
سياسة اردوغان هذه ستزيد في مشاكله الإقليمية، ناهيك عن المشاكل الداخلية المتراكمة، وستطرح كماً هائلاً من التساؤلات عن كيفية رأب الصدع مع بلدان الجوار، وحتى مع الأكراد الذين وعدهم بالسلام، وفي الطليعة حزب العمال الكردستاني، بمعنى هل سيفرج أردوغان عن عبد الله أوجلان كما تعهد له؟، وهل سيقنع الأكراد بالسلام معه وهو يستقوي بداعش لإبادتهم؟  ومن ثم هل سيتبنى مشروعاً جديداً  لتقريب وجهات النظر بينه وبين من يناهضه سياسياً داخل تركيا، لاسيما مع المعارضة العلمانية، التي يستمر نفورها منه؟، وعلى مستوى الأمن الداخلي التركي، هل ستتحمل تركيا سياسة أردوغان الإرهابية وهي تعتمد على السياحة كمصدر هام من مصادرها الاقتصادية؟. أليس هذا الاقتصاد هو الذي رفع من شأن أردوغان وجعله فيما هو عليه، ومن ثم أليس هذا الاقتصاد هو الذي سيسقطه وحزب معه.
لا حديث في تركيا يغطي الحديث عن فساد أردوغان، ولا يوجد قطاع اقتصادي ليس لأردوغان وحاشيته دور فيه، والدليل ما أبرزته الصحف التركية عن تورط  ابنه في أعداد كبيرة من قضايا الفساد، لكنه كان يحصل على البراءة أمام المحاكم بواسطة صداقات والده وتدخلاته، وبعد أن فضح أمره، وأصبح من المستحيل التستر على فضائحه هربه إلى جورجيا، بعد أن ورد اسمه في تحقيقات تناولت العشرات من المناقصات التي بلغت قيمتها أكثر من مئة مليار دولار، على ذمة هذه الصحف في حينها.
أما قصة أردوغان وعلاقته بـ “إسرائيل” فهي قصة معقدة، ومع أنه نصب نفسه مدافعاً عن القضية الفلسطينية، وراعياً للمقاومة الإسلامية المتمثلة بحركة حماس، فقد فضل العلاقة الخفية مع “إسرائيل” لخداع العرب، والدليل أنه اختار دون تردد اليهودي “اسحق ألاتون” مستشاراً وصديقاً له وأسباب هذا الاختيار أن “ألاتون” يعرف كواليس اللوبي الصهيوني، ويملك مفاتيح أبواب الصهيونية المغلقة، التي يمكن أن يدخل منها أردوغان إلى صناع القرار في “إسرائيل”، ليطمئنهم أن العلاقات التركية الإسرائيلية في عهده ستكون أكثر ثقة وضماناً من أي وقت مضى. وكانت صحيفة  “ نيويورك تايمز” الأمريكية أول من أشار إلى هذه العلاقة، وتولى مهمة الدعاية لها، ليس من أجل أردوغان فقط، وإنما من أجل الرئيس المصري الإخواني المعزول محمد مرسي، ولقد حاولت مراسلة هذه الصحيفة “سيبورا سونتاج” أن توضح للرأي العام الأمريكي أنه لا خوف من أردوغان في  أن يضحي بالعلاقات مع “إسرائيل”، إنه لا ينوي ذلك بدليل أن مستشاره يهودي. ولقد ذهبت مجلة “دير شبيغل “ الألمانية في هذا الاتجاه أيضاً، ومن خلال حديث مع “ألاتون” نفسه ذكر فيه أنه مطمئن لطالبه النجيب أردوغان، وأنه قد استطاع إقناعه بأن انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي سيكون وسيلته الوحيدة والمضمونة كي ينجح في السيطرة على الجيش، وألاتون وأردوغان كلاهما يلتقيان على كراهية القوات المسلحة وعلى إبعادها عن الحياة السياسية.
صعود الإخوان المسلمين السريع، وسقوطهم المريع انعكس على سمعة الحكومتين القطرية والتركية الرديئة بامتياز، والسبب تورطهما في دعم الإرهاب وتصنيعه  الأمر الذي سيدفع بالحكومتين إلى لملمة شتات الإسلام السياسي من جديد، بعد أن فضح أمر تبعيته، وسوء تصرفه مع شعوب المنطقة، لملمة المقصود منها نقد التجربة وتوحيد الصفوف والجهود على نحو لم يعرف له تاريخ المنطقة الحديث والمعاصر مثيلاً، ولقد شهدت الدوحة واسطنبول اجتماعات ومؤتمرات عديدة للاستفادة من دروس المرحلة لإنقاذ مشروع الإسلام السياسي بعد أن انكشف ضعفه أمام إغراءات الظهور والسلطة.
في تطور دراماتيكي لمسار أزمات المنطقة لا بد من التأكيد من أن السلطتين التركية والقطرية هما من سينطلق بالإسلام السياسي من جديد، وهما من سيستخدم معاول التقسيم الإثني والطائفي بالمنطقة، بعد أن حفرتا خندقاً نفسياً وسياسياً واسعاً بين أبناء شعوبها، بمعنى أنهما يتجهان بالمنطقة نحو خارطة طريق جديدة، إن لم يوضع حد لهاتين الحكومتين، لاسيما بعد أن خرج الإسلام السياسي من بوابة السلطة والانتخابات، وهو يحاول من جديد العودة من نافذة المؤامرات الضيقة، مستقوياً بحكومتي قطر وتركيا، وبميلشيات إرهابية هدفها إحداث فراغ سياسي ومؤسساتي على كل المستويات، ناهيك عن الضغوط الاقتصادية والاجتماعية. خارطة طريق معقدة تتضمن تناقضات وصراعات تزيد مستقبل المنطقة ضبابية وغموضاً، بعد أن أصبحت شعوبها شبه محكومة بثنائية تجار التقسيم والسياسة، ولصالح قوى دولية لاعبة ومتلاعبة يأتي في طليعتها قوى التحالف الامبريالي الصهيوني الرجعي، الذين وإن اختلفوا على الغنائم فهم متفقون على إبقاء شعوب المنطقة في دائرة اللا توازن، واللا معقول، واللا اتفاق، واللا أخلاق، واللااستقرار، حتى واللا دولة  لابتزاز شعوب المنطقة، وتسهيل عمليات النهب المنظم، وقوننة  التقسيم إذا اقتضى الأمر ذلك.
تشكل المنطقة في هذه المرحلة هاجساً للغرب الامبريالي الصهيوني الذي يعيش فوبيا إسلامية بكل ما تحمل الكلمة من معنى، هذا الغرب الذي لا يرى في المنطقة إلا ساحة لتمرير مشاريعه، من خلال تزكية الصراعات وتبرير التدخلات المحكومة بسقوفه الإستراتيجية، مشاريع نجحت في السودان، وتسعى إلى النجاح في ليبيا والعراق، كي ترسم خطوطها النهائية في سورية لكنها تصطدم بصمود الشعب السوري، وقواته المسلحة الباسلة.
ستبقى المنطقة بؤرة من الصراعات الجهنمية وسيبقى للكيان الصهيوني اليد الطولى في هذه الصراعات، ليس ككيان له وظيفة سياسية للنظام العالمي الجديد فقط، بل كمشروع صهيوني تهويدي على كامل الأرض الفلسطينية، ما لم يلفظ هذا المشروع أنفاسه بفعل صمود سورية ومحور المقاومة.