وتبقى فلسطين هي البوصلة والقضية رغم المؤامرات!!

وتبقى فلسطين هي البوصلة والقضية رغم المؤامرات!!

تحليل وآراء

الجمعة، ١٠ أكتوبر ٢٠١٤

 فلسطين هي البوصلة.. فلسطين هي القضية، مصطلحان لطالما تردّدا آلاف المرات على مدى أكثر من نصف قرن، والمؤامرات على فلسطين تترى أيضا منذ حوالي نصف قرن ، وما زالت تتمظهر بصيغ ومشاريع مشبوهة تصب بمعظمها في صالح العدو الإسرائيلي، وتهدف لشطب قضية فلسطين كقضية شعب ووطن لتحولها الى قضية إنسانية لمجموعة بشرية ينبغي البحث في كيفية تأمين سبل عيشها.
لطالما تحولت قضية فلسطين الى "صداع" يصدع رأس العرب الذين ضاقوا ذرعًا بتداعياتها وأعبائها، لم تنفع كافة "الحبوب المهدئة" والمؤامرات المحبوكة في إزالته ، فما زال الشعب الفلسطيني يقاوم ويسطّر البطولات رغم الحصار، ورغم وحدته الموحشة وانقطاع الدعم، ورغم سوق المزايدات السياسية، فعلى مدى أكثر من نصف قرن، وعلى وهج قضية فلسطين نشأت نظم، وأسقطت أخرى، وما زالت النتيجة بعد انقضاء أكثر من ست وستين عامًا على الإحتلال، فإنّ فلسطين ما زالت محتلة، حوالي نصف شعبها ما زال يرزح تحت الإحتلال بظروف صعبة ولا إنسانية، يتعرض للموت والدمار، وأكثر من نصفه الآخر ما زال مشرّدًا في أربع أرجاء الأرض.

الآن وبعد الحرب التدميرية على مدى خمسين يومًا في فصلها الأخير على غزة، تهدأ أصوات المدافع، ويتوارى أزيز الطائرات، وتبدأ عمليات المساومة: فك الحصار، وإعادة الإعمار، وفتح المعابر، التنمية وخلق فرص العمل، وإعادة تشغيل المرافق والمرافىء.
لعلّ كل هذه العناوين صحيحة ومطلوبة، شريطة أن لا تكون مقابل أثمان سياسية تؤدي الى نزع أنياب الشعب الفلسطيني وتعريته من أوراق قوته كما يجري التخطيط له.
ما يجري الآن يؤشر الى دلالات خطيرة، يجري التعاطي مع واقع غزة انطلاقًا من اعتبارات إنسانية واقتصادية (على أهميتهما وضروراتهما)، لعزل البعد السياسي وهو الإحتلال الذي هو أصل القضية، فيجري استثمار البعد الإنساني والحاجات الحياتية وإعادة الإعمار تحت شرطين:
الأول: نزع سلاح المقاومة. 
الثاني: عزل المقاومة عن حضنها الذي وفر لها كل عناصر الدعم والصمود وهو محور المقاومة.

المحاولات الأميركية ـ الإسرائيلية ـ التركية ـ العربية مستمرة لتصفية القضية الفلسطينية، فهناك ضغط على فصائل المقاومة لدفعها للتفاوض المباشر مع العدو من جهة، وضغطٌ موازٍ لربط كافة الإحتياجات الإنسانية والحياتية والمعيشية بذلك من جهة أخرى، مقايضة فتح المعابر وإعادة الإعمار بعملية نزع السلاح، فعملية إعادة الإعمار تحتاج الى مليارات الدولارات، والدول المانحة التي بإمكانها توفير هذا القدر من الأموال لها أجندتها السياسية المناقضة لرؤى وتطلعات الشعب الفلسطيني، وأيّ تأخّر في إعادة الإعمار يعني إبقاء مئات وآلاف العائلات الفلسطينية مشردة بلا مأوى، إلا من بعض الخيم وبعض المدارس، التي ستكون نتيجتها ضرب العام الدراسي للأطفال الفلسطينيين وإبقاءهم داخل منازلهم من غير مدرسة، يولّد ذلك ضغط شعبي على المقاومة تستثمره الدول المانحة لإنتزاع شروطها المذلة وإمساك الشعب الفلسطيني من الذراع الذي تؤلمه، فتضعه امام خيارين إما التنازل، وإما الموت جوعًا وبردًا بلا مأكل ولا مأوى، هذا ما تقوم به الدول العربية من مصر وقطر والسعودية والامارات وتركيا والولايات المتحدة وبعض دول اوروبا المانحة.

تقف الفصائل الفلسطينية أمام هذه المعادلات أمام خياراتٍ أحلاها مرّ، فالتنازل عن البندقية يعني إنهاء القضية الفلسطينة، وعدم الإستجابة سيولد مزيدًا من الضغط والمؤامرات وأعمال التصفية والتدمير للشعب الفلسطيني، لا بل يعيد تعميق القسمة التي كانت سائدة منذ العام 2007 ولغاية حرب غزة الأخيرة وتشكيل حكومة التوافق الوطني.
الآن يزور رئيس حكومة التوافق الوطني رامي الحمدلله ومعه 12 وزيرًا من وزرائه قطاع غزة، عنوان الزيارة هو تكريس الوحدة الوطنية الفلسطينية وإعادة الإعمار، استنادًا الى المؤتمر الذي سيعقد في القاهرة نهار السبت القادم تحت عنوان إعادة إعمار غزة، بمشاركة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وبمشاركة جون كيري وزير الخارجية الأميركي.

الرسالة الأولى التي ارادت "إسرائيل" إيصالها لرئيس الحكومة الفلسطينية هي أننا نحن من نسمح أو نرفض الدخول الى القطاع، أبقت الرئيس لمدة ساعة كاملة منتظرًا على معبر (أريتز) بيت حانون للسماح له بدخول القطاع، علمًا أنّ التصاريح المسبقة من السلطات الإسرائيلية كانت موجودة.
رغم أنّ الزيارة تكتسب أهمية خاصة لجهة تكريس الوحدة الوطنية الفلسطينية، الا أنّ ثمة ملاحظات هامة لا بد من الإشارة اليها وهي:
1ـ إصرار رامي الحمدلله على عقد جلسة مجلس الوزراء في منزل محمود عباس وما تحمله من رمزية ودلالات بأنّ الإمرة للسلطة الفلسطينية وليس للفصائل، يجري ذلك بذريعة أنّ مقر مجلس الوزراء قد دمرته "إسرائيل".
2ـ الإشكال حول حماية رئيس الحكومة من قبل وفد حرس الرئيس أو من قبل وزارة الداخلية التي حسم الأمر لصالحها أخيرًا.
3ـ اقتصار زيارة المناطق المدمرة على منطقة ابو وهدان في بيت حانون، وصرف النظر عن زيارة الشجاعية التي تعرضت لدمار كبير وكانت ضمن برنامج الزيارة، وهنا لا بد من الإشارة الى أنّ منطقة الشجاعية تعتبر معقلًا رئيسيًا من معاقل حركة حماس.
4ـ بدء الإيحاء بمجموعة "جزرات" ، منها قول عباس أنّ المعركة القادمة ستكون في الأمم المتحدة ما يعني إسقاط دور السلاح في غزة.
5ـ الكشف عن خلق فرص عمل في الخليج من خلال إرسال 22 الف مدرس للعمل هناك.
6ـ الإيحاءات التي أوحى بها الوزير حسين الشيخ بأنّ "إسرائيل" سمحت لفلسطينيي غزة بالعمل داخل المناطق الفلسطينية المحتلة بشعاع قطره 40 كلم.
7ـ الإيحاء بالموافقة على تشغيل ميناء غزة وفتح معبر رفح، على أن يتولى ثلاثة آلاف من حرس الرئاسة الإنتشار على المعبر لتوفير شروط الأمن القومي المصري والفلسطيني على حد سواء بحسب تفاهم محمود عباس ـ السيسي.

بالتأكيد سيضع الحمدلله الفصائل الفلسطينية في جو المناخات السياسية التي يجري التحضير لها بين الرئيس الفلسطيني والرئيس المصري، وبالتأكيد أيضًا سيكون الأمر بمتابعة أميركية إن لم يكن بإشراف وتخطيط أميركي، سيطلعهم الحمدلله على دفتر شروط إعادة الإعمار التي ستطرح على طاولة المؤتمر الذي سيعقد في القاهرة السبت القادم.
الخطير في ما يجري ويحضر له أنّ مقاربة الموضوع الفلسطيني تجري بوصفها موضوعًا إنسانيًا وإجرائيًا يغيب عنها البعد السياسي، تحرير الأرض والوطن وهو لبّ وجوهر القضية الفلسطينية، كل ذلك يجري تحت عنوان رئيس يمكن أن نطلق عليه عنوان إراحة "إسرائيل" بما يجعلنا نترحّم على أوسلو.