روح تشرين؟..بقلم:د.خلف علي المفتاح

روح تشرين؟..بقلم:د.خلف علي المفتاح

تحليل وآراء

الاثنين، ٦ أكتوبر ٢٠١٤

لتشرين ومآثره وبطولاته صورة محفورة في الذاكرة الجمعية للسوريين خاصة ولأبناء الأمة العربية على وجه العموم، ففي السادس من تشرين عام ثلاثة وسبعين وتسعمئة وألف انطلقت جحافل جيشنا الباسل وعلى التوازي مع الجيش المصري
تقض مضاجع العدو الصهيوني الذي احتل أجزاء غالية من أرضنا وطننا العربي من خلال عدوان مستمر طوال عدة عقود، واستطاعت قواتنا الباسلة تسطير ملاحم بطولية رائعة سجلها التاريخ بحرف من نور وحفظتها الأجيال المتعاقبة كأحد أهم إنجازات شعبنا على مدى تاريخه العريق والحافل بالبطولات والتضحيات.‏
إن حرب تشرين التحريربة لم تكن حدثا ماضيا انقضى وانتهى بقدر ما هي مشكاة تنير الدرب للأجيال، وهي تحث الخطا نحو مستقبل كريم واعد لأبناء شعبنا وأمتنا ورسالة مفتوحة للقادم من الأيام تكرس حقيقة أننا نواجه عدوا شرسا لن يوفر فرصة واحدة للانقضاض على هذه الأمة، وفي المقدمةً منها جيوشها وقواتها المسلحة التي يدرك جيدا أنها الخطر الحقيقي الوحيد الذي يواجهه ويهدد كيانه الاستعماري الاستيطاني الذي وجد وتشكل بفعل القوة الغاشمة والدعم الخارجي وحالة الضعف العربي ما يعني أن استمرار وجوده وقدرته على التوسع مرتبطة بإضعاف أو إنهاك أو القضاء على تلك الجيوش، وهو ما سعى إلى تحقيقه وخاصة بعد قيام تلك الحرب وما شكلته من خطر وجودي عليه.‏
لقد تركزت الاستراتيجية الصهيونية الأميركية بعد حرب تشرين التحريرية على تحقيق جملة أهداف؛ منها السعي والعمل الجاد على فك التحالف السوري المصري، وما يشكله من خطر حقيقي على المصالح الأميركية والكيان الصهيوني. وثانيا الحيلولة دون حصول أي مستوى من مستويات تضامن عربي يشكل بيئة مناسبة لتركيز الجهد العربي بمواجهة الخطر الصهيوني، أما الهدف الثالث والأهم في تلك الاستراتيجية فتمثل في ضرورة إخراج الجيوش العربية الفعالة، وفي مقدمتها الجيوش السورية والمصرية والعراقية من المعادلة الاستراتيجية في المنطقة وبالتحديد جبهة المواجهة مع العدو الصهيوني.‏
وعبر استراتيجية فعالة وتخطيط وتنسيق عال المستوى بين الولايات المتحدة الاميركية والكيان الصهيوني وقوى أخرى عربية وإقليمية تمكنت تلك القوى من تحقيق بعض تلك الأهداف حيث حدثت القطيعة السورية المصرية بعد توقيع معاهدة كامب ديفيد التي سبقتها زيارة الرئيس المصري لاسرائيل، وما تبع ذلك من إخراج للجيش المصري من معادلة المواجهة مع الكيان الصهيوني بحكم بنود معاهدة كامب ديفيد وما سمي الصلح المصري الاسرائيلي، والترتيبات الأمنية الملحقة بها، وقواعد الاشتباك المتشكلة وفقها، وكانت الخطوة الثانية التي تصب في تلك الاستراتيجية ما حل بالجيش العراقي بعد ثلاث حروب عراقية إيرانية ثم غزو العراق للكويت وحرب الخليج الثانية، وأخيرا الغزو الأميركي الأطلسي للعراق عام ألفين وثلاثة، وما تمخض عنه من حل للجيش العراقي، وتبديد لإمكانات العراق العسكرية والتكنولوجية والاقتصادية، وضرب بنية الدولة العراقية ومحاولة تفكيكها وتشظيتها.‏
ومع كل هذا الذي حل بالمنطقة العربية وعلى وجه التحديد مصر والعراق لم يستطع العدو الصهيوني إلحاق الهزيمة بالإرادة السياسية العربية وجعلها ترفع الراية البيضاء حيث استطاعت سورية بقيادتها التاريخية الحكيمة والشجاعة والذكية ممثلة بالرئيس الراحل حافظ الأسد تشكيل جبهة مواجهة عربية وإقليمية مقاومة أعادت التوازن النسبي لمعادلة الصراع العربي الصهيوني في ظل الخلل الحاصل بخروج مصر وإضعاف العراق وإنهاكه ماجعل سورية وجيشها وشعبها وقيادتها الهدف الاستراتيجي ذا الأولوية في سلم الترتيبات الأميركية الإسرائيلية لتطويع المنطقة العربية وجعل الكيان الصهيوني يعيش حالة استرخاء كامل.‏
إن نهج المقاومة والمواجهة للمشروع الأميركي الصهيوني في المنطقة بقي حاضرا وامتلك دينامية إضافية في ظل قيادة السيد الرئيس بشار الأسد الذي اتبع سياسة الانفتاح السياسي والاقتصادي ونهج التطوير الشامل في بنى الحزب والدولة دونما التفريط بالثوابت الوطنية والقومية ولاسيما نهج المقاومة الذي أشرنا إليه حيث تعزز وتنامى وتطور بفضل زيادة وتنامي قدرات قواتنا المسلحة، وانعكاس ذلك إيجابيا على قوى المقاومة اللبنانية والفلسطينية، وهو ما تكرس انتصارات تحققت بمواجهة العدو الصهيوني سواء أكان ذلك في عدوان تموز عام ٢٠٠٦ أم عدوان غزة عام ٢٠٠٨ ما جعل العدو الصهيوني يفقد صوابه ويزيد من حجم تآمره وحقده واستهدافه على سورية الجيش والشعب والقيادة السياسية.‏
والحال إن ما لحق بالعدو الصهيوني والمشروع الأميركي من هزائم وإخفاقات في المنطقة هو الذي يفسر إلى حد بعيد حجم الاستهداف الحاصل راهنا لسورية وجيشها وشعبها وقيادتها من قوى استعمارية وإقليمية وأدوات لها في المنطقة (فالعقدة السورية) يجب التخلص منها بأي ثمن وتحت أي عنوان لهذا كله نجد أن مخططي ذلك المشروع الخطير لا يوفرون وسيلة إلا واستخدموها أو استعانوا بها لتحقيق ذلك الهدف أي إسقاط الدولة السورية بكل عناصر قوتها، وفي مقدمتها جيشها الوطني ومؤسساتها الاقتصادية وبنيتها الاجتماعية وهويتها السياسية العروبية المقاومة وما يجسد ذلك عمليا إرادة سياسية ودستورية لسيادة الرئيس بشار الأسد.‏
إن إلقاء نظرة فاحصة وموضوعية على المشهد السياسي في منطقتنا والممتد من تاريخ السادس من تشرين الأول عام ١٩٧٣ حتى تشرين الأول عام ٢٠١٤ يكتشف أن معظم ما شهدته المنطقة من أحداث وتحولات سياسية وجيو استراتيجية كان يقف وراءها الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأميركية ويتم تسويقها بشكل مباشر أو عبر الوكلاء المعتمدين أو ما يمثلونه وما ينتجونه من كائنات متعددة الأغراض والوظائف والهدف كان دائما خدمة مصالح إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية واستراتيجيتهما في المنطقة وغالبا ما دفع أبناء المنطقة فاتورتي الدم والمال وقبض أعداؤهم الفاتورة السياسية والمالية، ولعل إلقاء نظرة إلى ما يجري اليوم من استثمار لإكذوبة محاربة الإرهاب بهدف تسويق مشاريع خارجية وحل أزمات الغرب الاقتصادية وتصريف منتجاته العسكرية هو خير دليل على ذلك.‏
إن إحياء ذكرى حرب تشرين التحريرية تستدعي أن يستحضر العرب جميعا روح تشرين وما مثلته من انتفاضة في وجه التاريخ وإسقاط لمقولات التفوق الاسرائيلي وتكريس ثقافة أن العرب قادرون على الانتصار عندما يتوافر لديهم الوعي السياسي والإرادة الصادقة ويتخلص بعض حكامهم من عقدة الاستلاب للغرب؟‏