طالبان تلبي حاجة أميركا لعدو أكبر يبرر التحالف..بقلم:د.أمين حطيط

طالبان تلبي حاجة أميركا لعدو أكبر يبرر التحالف..بقلم:د.أمين حطيط

تحليل وآراء

الاثنين، ٦ أكتوبر ٢٠١٤

لا نعتقد ان في اعلان حركة طالبان الافغانية، استعدادها لمد «داعش « بالمقاتلين، مفاجأة لمن يتابع مسار الاحداث في الشرق الاوسط خاصة بعد ان شكلت اميركا التحالف الدولي بقيادتها خارج اطار الشرعية الدولية و قرارات مجلس الامن .
فاميركا التي تدرك جيدا ان مشروعها الذي استهدف المنطقة و ترجم بالحريق العربي الذي التهم دولا يعيش فيها اكثر من نصف العرب، و ادخل النصف الاخر و محيطه في حال قلق و خوف من ان يتمدد الحريق اليها، اميركا تدرك ان هذا المشروع فشل و اطاح باحلامها بنظام عالمي احادي القطبية يستسلم له الجميع .‏
و مع هذا الفشل وضعت اميركا امام خيارين: التسليم بالواقع و الاخذ بنتيجة المواجهة و الاعتراف للمدافع بانه انتصر ما يستتبع انكفاءها و البحث مع الجبهة المنتصرة في اسس سياسية ترتب اوضاع المنطقة على ضوء النتائج تلك، او المكابرة و اللجوء الى عملية كسب الوقت تعول عليها لتآكل قدرات الخصم و تراجعها ثم الانقضاض عليه لتعويض الفشل و استنقاذ المشروع .‏
يبدو ان العنجهية الاميركية، منعت اميركا من التسليم بالواقع ودفعتها الى الاخذ بالحل الثاني الذي ترجم كما بات واضحا عبر حرب استنزاف تخوضها انطلاقا من العراق وسورية، وتدفع اليها ما امكن من دول وتنظيمات جدد وتمددها لتشمل ما يمكن الوصول اليه من مناطق ابعد من البلدين (سورية والعراق).‏
لقد كان مثيرا للسخرية ان تقوم اميركا بانشاء تحالف دولي وتحشيد الطاقات العسكرية لقتال تنظيم داعش خاصة وان اميركا تعرف ان كل العاقلين المتابعين يعرفون بان مواجهة داعش لا تتطلب هذا النهج من السلوك، ثم ان هذا السلوك بذاته لا يؤدي الى تحقيق الهدف المعلن خاصة وانه يعتمد القصف الجوي او الصارخي البعيد المدى، بينما نجد ان الطبيعة العسكرية لداعش ترتكز على عصابات مسلحة قادرة على الانتشار والتخفي واتقاء خطر القصف الناري، وأنّه لا سبيل للتعامل مع تهديد هذه العصابات الا باللجوء الى القوات العسكرية الخاصة الرشيقة التي تتمكن من مواجهتها على الارض كما فعلت وتفعل القوات العربية السورية من جيش وقوات رديفة، والتي تمكنت من تطهير اكثر من منطقة في سورية من هذه العصابات الارهابية.‏
لقد لجأت اميركا الى انشاء التحالف الدولي الذي ادعت انه لمحاربة الارهاب خاصة داعش، وحقيقة الدوافع هي غير هذه الحرب المعلنة، فداعش التي هي منتج اميركي كأمها القاعدة، لا تستوجب مثل هذا التحالف مطلقا لقتالها، فالتصدي لها يستوجب الامساك بمنابع قواتها وروافد امداداتها وتجفيفها وهو امر ممكن في اقل من شهر عندها تتساقط داعش تلقائيا، واميركا تعرف اين توجد هذه المنابع وتلك الروافد وكان صريحا بايدن ووسائل الاعلام الاميركي في تسمية قطر والسعودية وتركيا بوصفها لهم وتحديد ادوارهم في هذا الامر، لكن اميركا لا تضغط ولا تقوم باي شيء في سبيل ذلك لا بل سارعت الى الاعتذار من تركيا على توصيفها لها بانها تدعم الارهاب.‏
لقد اختارت اميركا سلوك حرب الاستنزاف في المنطقة وادعت تمويها للحقيقة بانها تريد حرب داعش وهي تحرص عليها لتتخذها ذريعة للحرب وقناعا لاخفاء حقيقة اهداف حربها التي ترى انها ستحقق لها ما يلي :‏
1. الحضور العسكري الميداني المباشر في سماء منطقة العمليات العسكرية، دون الاضطرار الى النزول الى الارض ما يحقق لها ايجابية الحضور ووهجه ويجنبها سلبيات النزول ومخاطره.‏
2.رسم حدود عمل داعش في المنطقة بما يمكنها من تركيز الجهد وحشد الطاقات الارهابية دونما تشتت، وهكذا تمكنت داعش منذ بدء عمليات القصف التي يمارسها الحلف من التوسع في اكثر من منطقة في شمال شرق سورية وفي وسط العراق، رغم ان طيران الحلف يملك القدرة الكافية على قطع محاور هجوم داعش، لكن اميركا لا تريد ذلك بل تريد عكسه، وبهذا نفهم كيف دخلت داعش الى قرى يقطنها اكراد سوريون وهددت عين عرب وكوباني هناك.‏
3.منع اي بحث حالي او قريب بحل سلمي للموضوع السوري، لان اميركا ترى ان انجازات ميدانية استراتيجية كبرى حققها الجيش العربي السوري جعلت المعادلة في سورية راجحة وبقوة لصالح الدولة بقيادة الرئيس الأسد، وضد احلام اميركا ومصالح اتباعها ممن تسميهم «معارضة معتدلة». وفي ظل هذا الاختلال ترى اميركا ان اي حل سلمي سيكرس الانتصار السوري لعشرات السنين وهذا ما لا تتقبله، وهي ترى في حرب الاستنزاف منعا للحل او تأخيرا له حتى تعيد التوزان الى المعادلة بما يناسب مصالحها.‏
4.تنفيذ ما تنتهجه اميركا في البلاد التي تدخلها من تدمير واجهاز على البنى التحتية للدولة، فهذا ما قامت به في افغانستان والعراق وليبيا وما تقوم به اليوم في المنطقة التي تقول بان داعش تسيطر عليها، وهنا لابد من التوقف عند نتائج قصفها الجوي فنجد ان داعش لم تتأثر باكثر من 15 % من القصف المنفذ بينما كانت مفاعيل الـ 85% المتبقية منصبة على البنية التحتية والمدنيين السوريين.‏
ان حرب الاستنزاف التي خططت لها اميركا وتنفذها الان ليست في العمق ضد داعش بل ضد المنطقة برمتها، وداعش لا تتعدى في وظيفتها دور القناع الذي يخفي الاهداف الاميركية الحقيقية من حرب الاستنزاف تلك، التي لن تقتصر في اثارها ومفاعيلها على العراق وسورية وحسب، بل انها ستشمل دولا اخرى كلبنان وتركيا والاردن والسعودية، ويبدو ان مصر تفلت حتى الان من الفخ الذي ارادت اميركا ان توقعها فيه.‏
و من جهة اخرى وحتى تؤدي حرب الاستنزاف الاميركية تلك وظيفتها فهي بحاجة الى مقومات ونفس طويل، ولهذا نجد كيف ان اميركا حددت بداية ان الحد الادنى لهذه الحرب هو 3 سنوات تعول عليها لاتمام نشر الفوضى الهدامة واسقاط منطقة الشرق الاوسط في يدها بما يمكنها من اعادة تركيبها كما تشاء بشكل يذكر بما قالته كونداليزا رايس في العام 2006 من سعي الى بناء شرق اوسط جديد اميركي الهوية. وفي هذا السياق ايضا يأتي اعلان طالبان عن استعدادها لمد داعش بالارهابيين لتمكينها من مواصلة العمل في الميدان رغم ان الافغانيين يشكلون جزءا ليس باليسير من «داعش» ولم تكن طالبان بحاجة الى هذا الاعلان لكن الذي يحتاجه حقيقة هي اميركا التي تريد توسيع المسرح وتضخيم العدو بما يبرر التحالف ويفسر طول المواجهة التي ارادتها باسلوب حرب الاستنزاف.‏
هذه هي خطط اميركا واساليب تنفيذها لعدوانها، فهل ستتمكن من النفاذ الى ما تريد عبرها؟‏
من يراجع تاريخ المواجهة بين المشروع الصهيو اميركي بقيادة اميركية ومشروع شرق اوسط لاهله بقيادة محور المقاومة يدرك بسهولة ان محور المقاومة يمتلك من القدرات واكتسب من الخبرات ما يبقيه في حال طمأنينة لنتائج المواجهة وكما انه اسقط في السنوات الاربع الماضية الخطط المتتالية التي بلغت ست خطط، فانه قادر على اسقاط الخطة السابعة المتمثلة بحرب الاستنزاف التي افتتحت خاصة وان هناك قاعدة ذهبية في السيطرة والامساك بالارض، فمن لا يثبت في الارض لا يجني اي انتصار، وكيف تنتصر اميركا وهي لن تنزل الى الارض، واذا نزلت لن يكون مصير جندها بافضل مما كان مصيرهم في العراق او مصير جند اسرائيل في لبنان.‏