روتين الشمس.. بقلم: سامر يحيى

روتين الشمس.. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الجمعة، ٣ أكتوبر ٢٠١٤

لا يمكن لأحدٍ أن ينكر شروق الشمس صباحاً، وأنها تغرب بشكلٍ يومي روتيني متكرّر، لكن هذا الروتين رغم تكراره لا نشعر برتابته، لأنّه يتغيّر وفق متطلبات الفصول، ففي الشتاء الليل طويل والنهار قصير وفي الصيف الليل قصير والنهار طويل، يوماً تشرق الشمس حارةً تحرق ما حولها، وتارةً الغيم يحجبها، فرغم روتين الشمس لكننا نشعر بالتجديد اليومي فيه، وهذا ما نركّز عليه بضرورة عدم رمي كل أخطائنا على الروتين فهو ضروري بل وأساسي لا يمكن تغييره، فنحن منذ نعومة أظافرنا اعتدنا على ساعات نوم محددة واستيقاظ في ساعةٍ محددة والتزام بدوام وغيرها .... وكلّه بالتأكيد يصب في مصلحة استمرار دورة الحياة، ودورنا هو أن نكون إيجابيين لكي نحقق الفائدة لنا وللمجتمع بآنٍ معاً، وهي علاقة متكاملة فخير المجتمع بخير أبنائه، وخير الأبناء من خير المجتمع.
إنّ الروتين ليس شيئاً سلبياً إن استخدمناه بالطريقة الإيجابية، فتوجد أسس وقواعد وقوانين لا يمكن تجاوزها، على العكس إنّ عملية تجاوز هذه الأسس والقوانين هو سلبي، لأنّه سيؤدي للفوضى والضياع وفتح ثغرات كبيرة وكثيرة من أجل تهديم المجتمع واستغلال هذه الثغرات لتهديمه بدلاً من بنائه، وتأخير المجتمع بدلاً من تسهيل التعامل معه بإيجابية.
إنّ العاملين في المؤسسة العامة ملتزمون بالدوام من الساعة الثامنة صباحاً إلى الثالثة ظهراً بشكلٍ روتيني، لو التزم كل موظف بالعمل الجاد لنصف الوقت المخصص بشكلٍ إيجابي لوصلنا لإيجابيات كبيرة جداً، فليس المطلوب من الشخص قضاء كل وقته بالعمل الجاد، فنحن لا نطالب بالمثالية، ولكن بالحد الأدنى من العمل والتجاوب الإنساني، ليس من خلال كسر الروتين والبيروقراطية، ولكن من خلال الاستفادة من هذا الروتين بما يساهم بتسريع العمل، فالروتين عمل يومي ضروري، بغض النظر عن تعريفات علماء الاقتصاد وغيرهم لهذا المفهوم، ولكن ما فهمته خلال سنوات عملي ولقاءاتي مع الكثيرين بأنّ الروتين هو أمر طبيعي بل هو أهم الأسس التي يجب أن يسير عليها المجتمع، والمطلوب هو الاستفادة من هذا الروتين لا جعله سلاحاً ضد المجتمع، فمن واجب كل موظّف حكومي التمسّك بالقوانين والتعميمات والالتزام بالقرارات التي ترد من الإدارة وهذا شيء طبيعي بل واجب ومن الخطأ الحياد عنه، ولكن هذا ليس قرآناً منزلاً، بل من المفترض كسر هذا الروتين، عبر عقد اجتماع دوري مع العناصر العاملة في هذا القسم أو ذاك من أجل نقاش ودراسة مستفيضة للإشكالات التي حصلت والعمليات التي تساهم في التسريع والمتابعة الجدية للموضوع وطبيعة العمل، وكل يوم يوجد جديد ونستفيد خبرةً حتى من يجلس في كوّة جباية الضرائب أو فواتير الهاتف والماء والكهرباء يستفيد من المواطن الذي جاء ليسدد مبلغاً من المال من خلال تصرّف أو سؤال أو استفسار أو نقد أو اقتراح يقدّمه هذا الشخص، بما يساهم بتطوير المؤسسة، هل جرّب أحد المدراء عقد جلسة روتينية هدفها فقط متابعة أداء العاملين في إدارته بما يساهم بتطويره.
ثانياً واجبنا الاستفادة من الروتين اليومي عبر الالتزام بهذا العمل وعدم إضاعة الوقت، فالوقت ليس بالمجّان، بل هو الثمن الأغلى في كل حياتنا، المشكلة ليست في الروتين وتعقيداته بقدر ما هي بالإهمال وعدم الاكتراث، وعدم وجود متابعة للقرارات التي تصدر، فالروتين في بلدنا هو التعطيل وليس الروتين، وهذا اللفظ الأصح الذي يجب أن يطلق عليه.
إنّ عملية عدم تحمّل الموظّف لمسؤوليته، وعدم احترامه الوقت وعدم القدرة أو الرغبة بالمشاركة باتخاذ القرار أو حتى اقتراح رؤيته وتطوير أفكار العمل خشية من إغضاب المدير أو إزعاجه لأنّه سوف يهدده برزقه ولقمة عيشه أو حتى مستقبله الوظيفي، وخاصة في ظل وقت نعيش به يقف شخص ما بوجه شخص كفء ويشوّه سمعته، ويضيّع مستقبله، ويكتشف لاحقاً فساد هذا الشخص ويتم طرده من عمله أو يهرب خارج البلد ليتبجح بالحرية والديمقراطية ومكافحة الفساد، ولكن يبقى الشخص الوطني الشريف مرمياً خارج إطار إعادة النظر بالقرار الذي اتخذ بحقّه.. هذه يجب العمل على إعادة النظر فيها من العاملين في القطّاع الإداري، لكي يصب في مصلحة المجتمع لا مصلحة شخصٍ محدّد.
نعم الروتين لا تكمن خطورته بالتكرار اليومي لنفس الأمر، ولا تكمن خطورة البيروقراطية في حكم المكاتب، فمن الطبيعي أن يكون صاحب الطاولة حاكم مكتب، ولكن نحتاج التفكير الجدي بكيفية الاستفادة من البيروقراطية والروتين بما يصب ويساهم بتطوير المجتمع، ويدرك العامل والموظف والمسؤول أنّ دوره هو دور خدمي ولو كان في أعلى مراتب السلطة وليس دوراً شرفياً، ومسؤولياته ملقاة على عاتقه من أجل بناء المجتمع والوطن، فليتعظ كل منا ويعمل بجد ويستفاد، من اللقاءات والنقاشات والحوارات، والمتابعة الجدية، والتقييم اليومي المستند إلى أرقام واقعية لا خلّبية، فسوريتنا تستحق الكثير منا، ودم الشهداء يتطلّب منا صحوة ضمير للعمل بجد ضمن إطار العمل المناط بنا.