"محور الشرّ"، لا ينتظر تحالفكم للقضاء على شروركم!

"محور الشرّ"، لا ينتظر تحالفكم للقضاء على شروركم!

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٣٠ سبتمبر ٢٠١٤

لا بدَّ بدايةً لأميركا والغرب والدول العربية المُلحَقَة، من أن تندى جباههم خيبةً وخجلاً، بعد الكلمة المدوِّية لرئيسة الأرجنتين "كريستينا فرنانديز دي كيرشنر" من على منبر الأمم المتحدة قبل أيام، وعرَّت فيها المستكبرين، من رداء عنجهيتهم وكشفت عارهم وعوراتهم، ولعله من حسن حظِّ هذا الشرق المنكوب، أن ثقافة أميركا اللاتينية المنتفضة على الإستعمار وواقع "جمهوريات الموز"، والطامحة للحرية والكرامة منذ سيمون دي بوليفار وتشي غيفارا وصولاً الى فيديل كاسترو وهوغو تشافيز، إرثٌ نبيل وعملة نادرة لا يتوفران لدى غالبية دول "التحالف".
في الزاوية الخانقة حَشَرهم كلام حقٍّ كحدِّ السيف من الرئيسة الأرجنتينية:
- أدرجتم حزب الله ضمن قائمة الإرهاب، وتبيَّن أنه حزبٌ كبير ومعترف به في لبنان.
- قبل سنة كان بشار الأسد بنظركم إرهابياً، ودعمتم معارضين له باعتبارهم ثواراً، وتبيَّن اليوم أن غالبية من دعمتم هم إرهابيون وتتحالفون الآن للقضاء عليهم.
- اتَّهمتم إيران على خلفية تفجير السفارة الإسرائيلية في بيونس إيرس عم 94، وتبين من تحقيقاتنا عدم ثبوت تورُّطها.
- قرَّرتم محاربة القاعدة بعد 11 سبتمبر، واستبحتم العراق وأفغانستان وقتلتم وهجَّرتم أبرياء وما زالت هاتان الدولتان تعانيان من الإرهاب بالدرجة الأولى.
- رحّبتم بالربيع العربي وعمَّمتموه في تونس ومصر وليبيا وغيرها وأوصلتم المتشدِّدين الى الحكم وما زالت شعوب تلك البلدان تُعاني نتيجة مباركتكم ودعمكم للأنظمة المتشدِّدة.
- ركَّزتم على صواريخ انطلقت من غزَّة ولم تسبِّب خسائر في "إسرائيل"، وتناسيتم فداحة الكارثة التي ارتكبتها "إسرائيل" بحقِّ الفلسطينيين والضحايا الذين سقطوا.
- تجتمعون اليوم لتجريم داعش ومحاربتها، وهي مدعومة من دول أنتم تعرفونها أكثر من غيركم وهي حليفة لدول كبرى أعضاء في مجلس الأمن .....و ... قُطِع الإرسال لمنع رئيسة تنطُق بالحق من المزيد في الإسترسال!
كأننا بالرئيسة الأرجنتينية قد حدَّدت بكلمتها الصادقة الجريئة من هو فعلاً محور الشرِّ ومرتكب كل الشرور والموبقات في هذا العالم، أما إذا كانت تسمية "محور الشر" لصيقة بكل شعبٍ كريمٍ رافضٍ للإستعباد، كارهٍ للإستكبار، مقاومٍ للطغيان والظلم، فلا بأس أن يكون تاريخ إيران وسوريا وكل حركات المقاومة النبيلة ضمن تسمية "محور الشر"، لكنه الشرُّ الذي لا بدَّ منه ولا يُسمَح لأحد بأن يتجاهله أو يتجاوزه ضمن كل المعادلات الدولية والإقليمية، خاصة أن خلف هذا المحور الشريف تقف دول عملاقة لعل روسيا والصين ومعهما دول البريكس والحلف الأوراسي من دعائمه الأساسية.
ولأن إيران هي رأس الحربة في "محور الشرّ"، نرى من الواجب أن نستكمل ما سهى عن بال رئيسة الأرجنتين، أن من قِبلَته فلسطين ومقدَّساتها في شرقنا الذليل هو شرِّير، ومن بوصلته الإرتهان للمحتلّ هو من فاعلي الخير، ومن يمدُّ المقاومات الشريفة بمستلزمات معارك استرداد الحقوق والكرامات هو شرِّير، ومن يمِدُّ الإرهابيين في ربيع العرب بأدوات القتل والنحر والتنكيل والتثكيل والتشريد والتدمير هو من فاعلي الخير.
هي الهفوات نفسها ترتكبها أميركا دائماً الى حدِّ الحماقة، باستبعاد إيران ثم باستحضارها من تحت الطاولة، وإيران ليس لديها ما "تحكيه" من تحت الطاولة، لأن كلمة الحقِّ لا تحتمل التحتية في المواقف، وخلال أسبوعين من قيام "تحالفٍ غير شرعي" خارج عن راية الأمم المتحدة، انقلبت الموازين لصالح إيران وحلفائها، وسارع كيري للإجتماع برئيس الديبلوماسية الإيرانية محمد جواد ظريف، وتلاه الأمير سعود الفيصل معلناً فتح صفحة جديدة مع إيران "ذات الوزن الإقليمي" مع التنويه بدورها على مستوى أمن الإقليم، وكأن خلف الأكمة ما وراءها، الى أن بَانَ ما تخفيه هذه الأكمة ويبرِّر هذه الإستدارة!
يوم أمس بالذات، إنفجرت الصحف الأميركية بوجه أوباما لأنه تأخر بإدراك حجم "داعش" وأخطارها في سوريا، وجيَّر أوباما التهمة لسواه، وحمَّل الـ سي آي إي مسؤولية العجز والتقصير، ونعى ما تسمَّى المعارضة السورية التي باتت بحُكم غير الموجودة، ولا تعاون معها بعد اليوم، وهنيئاً لأميركا قراءاتها المغلوطة منذ مستنقع فيتنام حتى وُحُول الشام مروراً بـ كوسوفو، وأفغانستان والعراق!
من ناحية أخرى، جاءت مقابلة قائد القوَّة البرِّية للجيش الإيراني العميد أحمد رضا بوردستان مع قناة "العالم"، منذ يومين، لتُثبت بالوقائع التفصيلية أن إيران واجبة الوجود في كل المعادلات الإقليمية شاء الغرب وحلفاؤه أم أبوا، ووضع بوردستان في مقابلته النقاط على الحروف وقال بالحرف:
"القوات الإيرانية تتمتع بجهوزية دفاعية عالية جداً من حيث التصدِّي للتهديدات التي ترصدها على صعيد الحدود وعلى الصعيدين الإقليمي والدولي، وأنها ترصد أقلّ تحرّك للمجموعات الإرهابية التكفيرية". وأضاف: تمَّ تعريف خطوط حمراء لحدودنا، وهي أبعد بكثير عن حدودنا على الأرض"، منوِّهاً الى أن تعريف هذه الخطوط الحمراء يتمُّ بالتنسيق مع دول الجوار.
واحتراماً من إيران لسيادة الدول، شدَّد بوردستان على أن القيام بأي تحرُّك داخل أراضي الدول المجاورة سيكون بالتنسيق مع الحكومة المركزية لتلك البلدان، متجاهلاً "الهالة الكرتونية" لما يُسمَّى بالتحالف وضرباته الجويَّة التي ستعجز عن اجتثاث منظمات إرهابية غير منتظمة ضمن أماكن محدَّدة وتتخفّى ضمن المدنيين، داعياً للوقوف بوجه الدول التي تمدُّ داعش بالمال والسلاح وتسهِّل لها بيع النفط المنهوب، والدول التي جعلت من أراضيها مدرسة للهواة القادمين لمدرسة داعش لتدريهم وإرسالهم الى سوريا والعراق.
ختاماً، ولمن يرغب بمعرفة أسباب التحولات الأميركية والخليجية "الإيجابية" نحو إيران، نذكُر بالخير أحد السياسيين اللبنانيين العارفين، عندما سُئل منذ سنتين عن قدرة إيران على مواجهة ضربة إسرائيلية لأيٍّ من مفاعلاتها النووية، فـ "قهقه" عالياً وأجاب: يا جماعة، إيران قارة، أُضربوا أينما شئتم على امتداد هذه القارة وهي كفيلة بتدمير "إسرائيل" والقواعد الأميركية في الخليج وآبار النفط خلال ساعات، "إذا حدا بيحاول يعتدي عليها"...