العنوان ضرب داعش، والهدف تمزيق سورية

العنوان ضرب داعش، والهدف تمزيق سورية

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٣٠ سبتمبر ٢٠١٤

 لا تحتاج قراءة مضمون ما أعلنته أميركا عبر رئيسها باراك أوباما الى محلّلين إستراتيجيين لفهم الأهداف الحقيقية للضربات الجوية التي تقوم بها أميركا مع حلفائها، فأوباما نفسه قال بوضوح إنّ أميركا ستقوم بتمويل وتدريب وتسليح "المعارضة المعتدلة" للإستمرار في محاربة "نظام الأسد" بحسب تعبيره، وإنّ الأمر سيتمّ بالتوازي مع العمليات العسكرية عبر الضربات الجويّة ضد داعش.
والمعارضة المعتدلة بنظر أوباما وكما جاء على لسانه هي القبائل السنية كما سمّاها، أي أنّ العنوان الذي يريده أوباما للمعركة ضد الجيش السوري هو عنوان طائفي يكمّل ما لم تستطع أميركا تنفيذه حتى الآن.
والمتابعون لأوباما وتصريحاته يعلمون أنّ أوباما نفسه يدرك أنّ من سمّاهم أطباء الأسنان والمزارعين غير قادرين على إسقاط النظام السوري والإنتصار عليه، ولهذا كانت "داعش" مفتاح التسلّل الجديد لأميركا الى المنطقة وتمرير سمّها في عسل القضاء على داعش.
أميركا التي يتحدث قادتها السياسيون والعسكريون أنّ الحرب على داعش قد تمتدّ لسنوات طويلة وأنّ الضربات الجويّة غير مجدية إن لم تقترن بتقدّم بري على الأرض للسيطرة على المناطق التي تسيطر عليها داعش، يعبّرون ببساطة عن مضمون أهدافهم خصوصاً أنّه يجري حتى اللحظة تصوير داعش على أنّها المارد الذي يحتاج كل هذا الحشد العسكري والمالي للقضاء عليه.
أوباما وقادته العسكريون الذين يدركون قبل غيرهم أنّ القضاء على داعش لا يستلزم كل هذا الجهد، يحتاجون لمبرّر يعيدهم الى المنطقة ويحقّق في الوقت نفسه سيطرة على العراق القابل للتقسيم وسورية المتعبة من جراء سنين الهجمة.
كما أنّ نظرة سريعة الى تبدّل الموقف التركي حول المشاركة بضرب داعش وتوجه اردوغان الى مجلس النواب التركي للحصول على موافقته السماح للجيش التركي بتنفيذ أعمال عسكرية خارج أراضيه وإقامة منطقة حظر جوي قرب الحدود، ما هو الاّ دليل على ما سيكون عليه الدور التركي في المرحلة القادمة.
وبمتابعة مسار الضربات الجوية في العراق وسورية نلاحظ أنّ ما تقوم به الطائرات لا يتجاوز عمليات تدريب على القصف مدفوعة الأجر من السعوديين والخليجيين الخائفين على عروشهم، حيث لم تحقّق ولن تحقّق هذه الضربات أيّة نتائج في القضاء على الجسم البشري لتنظيم داعش، الذي بادر قبل بدء الضربات الى تنفيذ عملية تخفّي وإخلاء لمراكزه وإبقاء عدد قليل من عناصر الحماية عليها، وينطبق الأمر على حواجزه، كما على أرتاله التي صارت تتحرك بعربات قليلة العدد بعد أن كانت تتحرك بالعشرات، فالهدف المطلوب من داعش وهو تعميم حالة الرعب والصدمة والإجتياح الواسع لمناطق بأكملها قد تحقّق، وها هي أميركا مصنّع داعش تعود الى المنطقة تحت مسمّى المنقذ والمخلّص للمنطقة.
إعلامياً لا يصلنا ممّا تحقّقه أميركا من انتصارات الاّ الصور الجويّة التي تلتقطها الطائرات وهي تقصف أهدافها، كما لا تصل أيّة تسريبات عن حقيقة خسائر داعش من سكان المناطق التي تسيطر عليها، ولا تسجّل عمليات الرصد لمستشفيات هذه المناطق أية معلومات عن خسائر تتناسب مع حجم الضربات الجويّة.
وبالرجوع الى تفاصيل الغارات الجوية نرى أنّ ضربة جويّة واحدة عن طريق الخطأ ادّت الى استشهاد 90 جندياً عراقياً وهو أمر عندما يحصل خلال اسبوع من الغارات فإنه سيتكرّر عشرات المرّات اذا استغرقت الغارات سنوات.
في سورية نمط آخر من الغارات على أهداف حيوية وهامّة تضربها الطائرات الأميركية لم تقصفه الطائرات السورية سابقاً، كمصافي النفط ومعامل الغاز واهراءات الحبوب لإرتباط هذه الأهداف بالبنية الإقتصادية الحيوية للدولة السورية ولما سيشكّل قصفها وتدميرها من خسارة للدولة.
أميركا ستسعى بكل قوّة في المرحلة القادمة الى رفع سقف المعركة وهذا الأمر سيحصل بالتدريج وضمن عمليات جس نبض ستستمر لفترة ليست قصيرة، لإبقاء منسوب التوتّر عالياً ولمتابعة مسار الأمور لتقدير الموقف وإتخاذ القرار ضمن مراحل زمنية قد تكون متباعدة لتحقيق أكبر قدر من الغايات السياسية من خلال الضربات الجويّة.
تركيا تبدو في وضعٍ لا تُحسد عليه بنتيجة حالة الإرباك الكبيرة التي تسود قياداتها نظراً لتداخل الأمور ببعضها، فتركيا الراغبة أن تكون ضمن الحلف انتظرت إطلاق سراح الرهائن الأتراك لدى داعش ليعلن كل من رئيسها ووزير خارجيتها الرغبة في المشاركة بضرب داعش، وذهبت أبعد من باقي أطراف التحالف ولن تكتفي بالضربات الجويّة وهو ما سيسعى اليه اردوغان لإستصدار قانون يجيز للجيش التركي العمل خارج اراضي تركيا.
واذا نظرنا للأمر من زاوية أخرى فإنّ تركيا إن أعلنت الحرب على داعش ستكون في موقف محرج لمجموعة من الأسباب أهمها:
1- إنّ حوالي 12% من مقاتلي "داعش" هم من الأتراك الذين تمّ تجنيدهم وما زالت عائلاتهم داخل تركيا والتي يمكن أن تتحرك سلباً في حال تعرضهم للأذى بفعل تدخّل الجيش التركي.
2- وجود عشرات الجماعات المتشدّدة التي ستتحرك في الداخل التركي وهي مجموعات تحمل نفس افكار داعش، إضافةً الى وجود تنظيم داعش نفسه في تركيا.
والسؤال المطروح بجديّة هو: كيف سيكون ردّ سورية ومحور المقاومة على هذه الهجمة الأميركية التي تلبس لبوس مكافحة الإرهاب؟
حتى اللحظة وبرغم ما قدّمته روسيا وايران من دعم سياسي ولوجستي وعسكري لسورية يقتصر الموقفين الروسي والإيراني بخصوص التحدي الجديد على المواقف السياسية الشاجبة لتصرفات أميركا واعتبار ضرباتها غير شرعية، وهو موقف أخلاقي جيد يضاف الى سلسلة المواقف السابقة بما فيها استخدام روسيا والصين لحق الفيتو، الاّ أنّه بتقديري لا يتناسب مع طبيعة المستجدات.
روسيا التي أعلنت أنها ستزوّد سورية بكل ما تحتاجه من الطائرات الحديثة ومنظومات الدفاع الجوّي s-300 وتدريب الكادرات السورية عليها، هو موقف يشبه موقف القيادة السوفياتية خلال حرب 1967 التي تردّدت ولم تنفذ تهديداتها آنذاك بتوجيه ضربة لـ"إسرائيل"، وعملت فيما بعد على تزويد مصر وسورية بأسلحة حديثة ساهمت في صنع نصر تشرين 1973.
لا أحد بالتأكيد يستطيع معرفة تفاصيل ما تحت الطاولة وكيف تسير الأمور وكيف يتّم تدوير الزوايا، الا أنّ أموراً ينبغي على محور المقاومة القيام بها رغم أنّ غارات التحالف لم تتعرض بعد لمواقع الجيش السوري، حيث أنّ الإعتداء على البنية التحتية وتدميرها يشكّل مخاطر توازي مخاطر التعرض للجيش السوري، وعليه يجب أن تبدأ مرحلة جديدة من التلويح بمكامن القوة، فعلى ما يبدو لم تفهم أميركا جيداً رسالة اليمن، ولأنّ ما يفرمل أميركا أمرٌ من اثنين: أمن ربيبتها "إسرائيل"، والنفط.
أما كيف تتمّ ترجمة هذا الموقف، فمن خلال تنفيذ روسيا وإيران لمضمون معاهدات الدفاع المشترك بينهما وبين سورية من خلال إرسال وحدات عسكرية روسية وإيرانية ووضعها في القتال الى جانب وحدات الجيش السوري في مواجهة المجموعات الإرهابية، وكذلك تزويد سورية بأحدث القاذفات الحربية وإستخدامها في المرحلة الأولى من قبل طيارين روس وايرانيين الى حين إستكمال الطيارين السوريين تدريباتهم المتقدمة، وهو أمر كان يجب أن يحصل منذ فترة طويلة ولم يحصل لأسباب عديدة، وهذا الإجراء سيسرّع بالتأكيد في إرساء تسويات شاملة على مستوى المنطقة على غير الصورة التي ترغبها أميركا التي لا مانع لديها أن تنضمّ روسيا وإيران للتحالف ولكن بالشروط الأميركية.
إنّ قيام روسيا وايران ومعهما الصين بتنفيذ إجراءات سريعة تُشعر أميركا بجديّة التوجّه سيخفّف من الإندفاعة الأميركية ويجعلها تتراجع وتقبل الدخول بتسوية شاملة حول كل الملفّات، ولا يجب أن تُترك سورية وحدها أبداً نتيجة تردّد أو قراءة خاطئة للأهداف الأميركية حتى ولو كانت أميركا قد وعدت بعض الأطراف بعدم التعرّض للجيش السوري، فالتجربة الطويلة مع أميركا يجب ألّا ترتكز على الوعود التي لم تفِ أميركا بأيّ منها طيلة تاريخها.