ضجّة في نيويورك... والهدف سورية

ضجّة في نيويورك... والهدف سورية

تحليل وآراء

الجمعة، ٢٦ سبتمبر ٢٠١٤

«داعش» في نيويورك، هي الحاضر الغائب. إذ ليس بالقليل أن يُخيّم شبح هذا التنظيم على أجواء الدورة العاديّة للجمعيّة العامة للأمم المتحدة، ويفرض أولوياته على مجمل نشاطاتها.
لا يزال الحشد الدولي في بداياته. الغالبية مع المواجهة، لكنّ الإستراتيجيّة ناقصة، وتكتنفها مطامع، ومصالح تريد الكثير من دول التحالف تحقيقها. صحيح أنّ الهدف المعلن تمكين حكومة حيدر العبادي من السيطرة في العراق، لكنّ الهدف الأول هو دمشق: إنها في عين العاصفة وساحة التلاقي بين مصالح الولايات المتحدة وكلّ من روسيا وإيران، أو ساحة المواجهة، وليّ الأذرع.
المتداول حتى الآن، إضعاف «داعش» في سوريا، ثم الإلتفات لإضعاف النظام، والدفع بالجميع الى جنيف - 3 لتطبيق جنيف - 1، بمباركة روسيّة - إيرانيّة.
العناوين واضحة ولا خلاف عليها، إنما الخلاف على التفاصيل. والدول الكبرى حدَّدت مهماتها: قصف جوّي وتعاون مخابراتي، لكن كيف ستسير الأمور إذا ما تغلغل التنظيم بين الأبرياء العزّل؟ هل تهدم المنازل على رؤوس قاطنيها بحجّة ضرب الإرهابييّن؟ لا يزال الغموض يحتلّ مساحة كبيرة في منطقة التحالف، خصوصاً ما يتَّصل بالعلاقات الأميركيّة - الروسيّة، والأميركيّة - الإيرانيّة.
القراءات الديبلوماسيّة ليست واحدة. البعض يقول إنّ الجبهة الأميركيّة - الروسيّة المشتعلة في أوكرانيا تشهد إنفراجات ستنعكس على علاقة القطبين في مقاربة الملف السوري، كأن تقتنع موسكو بأنّ الرئيس بشّار الأسد سيكون جزءاً من التسوية، لا أن تكون التسوية برئاسته، وهندسته، وإشرافه. والحال هذه قد تسري على طهران إذا ما أُخذ ببعض شروطها في معالجة ملفها النووي.
فيما البعض الآخر يقول إنّ المقاربات ربما تشتمل العناوين فقط حتى الآن، فيما التفاصيل لا تزال بمنأى عن أيّ تفاهم، لأنّها مربكة، وتتناول الخريطة التفصيليّة للمصالح الدوليّة في الشرق الأوسط الجديد.
لقد مكّن النظام السوري روسيا من العودة الى المنطقة من البوابة الدمشقيّة، ووفّر لأسطولها قاعدة بحرية مفتوحة على المتوسط، فهل تستغني عن إلتزاماتها وتعهّداتها بطرفة عين، ومجّاناً، وبلا أيّ ضمانات او إلتزامات، لأنّ الولايات المتحدة قرَّرت الدفاع عن نفسها ومصالحها من خطرِ تنظيمٍ تعبت كثيراً مع حلفائها ليبلغ ما بلغ من قوّة وشراسة؟
الأمر يسري أيضاً على طهران. هل ستقنع الأسد في أن يكون جزءاً من التسوية، ومقابل أيّ ثمن؟ المسألة ليست بهذه البساطة، وإيجاد تسوية مقبولة للملف النووي لا يحلّ المشكلة.
فإستراتيجيّة إيران أوسع وأكبر وأبعد من هذا الملف. الهلال الشيعي الممتد من عتباتها المقدسة مروراً بالعراق وسوريا ولبنان، وصولاً الى الأردن والخليج، لا يزال يحتل الأولوية، ولا يمكن الرهان على تسويات او «مكافآت» تُعطى لها مقابل التخلّي عن هذه الإستراتيجيّة، إلّا إذا أصبحت مقتنعة بأنّ تحقيق الأهداف الكبيرة قد يتطلّب التضحيات في بعض المواقع الصغيرة.
والجديد اللافت أنّ روسيا وإيران توافقتا على فضح العيوب والثغرات التي أظهرها التحالف الدولي في الأمم المتحدة. إجتمع مجلس الأمن وقرَّر بالإجماع اتخاذ قوانين صارمة تمنع الدول من تصدير مسلّحيها وإرهابيّيها الى المنطقة.
هذا يعني إعترافاً ضمنيّاً بالمسؤولية عن مدّ «داعش» بالدعم البشري. يناشد الرئيس باراك أوباما حلفاءه الخليجيين بالتوقف عن دعم «داعش» بالمال والسلاح، وهذا يعني فضح الأدوار، وتحديد المسؤوليات.
هناك حرب كونية قد أُعلنت، لكنّ الأهداف المضمرة لا تزال تفرّق أكثر ممّا تجمع. وإذا كان من المهم أن يضرب التحالف في سوريا، يبقى الأهم معرفة لمن ستكون الضربة الأخيرة.
سوريا ولبنان، مرّة جديدة على نار حامية لإنضاج طبخة مصيرهما ومستقبلهما، لكنّ المؤسف أنّ الطبّاخين كثر، والخوف كل الخوف أن «تتشوشط» الطبخة.