ماذا بعد عدرا؟

ماذا بعد عدرا؟

تحليل وآراء

الجمعة، ٢٦ سبتمبر ٢٠١٤

 يدرك زهران علوش قبل غيره أنّ ما بعد معركة عدرا العمّالية ليس كما قبلها، فسيطرة الجيش العربي السوري على عدرا العمّالية أجبرت زهران علوش على إطلاق النفير العام، في تطّورٍ غير مسبوق منذ بدء المعارك الهجومية للجيش العربي السوري، وهذا يعني أنّ علوش يُدرك تماماً أنّ وجهة الجيش السوري القادمة هي دوما.
دوما التي تشكّل المعقل الأخير لـ"جيش الإسلام"، القوّة الأكبر والتي يقع عليها عبء التصدّي لهجمات الجيش السوري في الغوطة الشرقية، في ظلّ نزاعات بين علوش و"جيش الأمة" وفصائل أخرى على قيادة الجماعات المسلّحة، وهو في الأصل نزاعٌ قائم على خلافات مرتبطة بتقاسم النفوذ والسيطرة وليس على المبادئ والقيم.
في التقييم المباشر لما حدث في درعا العمّالية، يعرف المتابعون لسير المعارك الميدانية أنّ ما حقّقه الجيش السوري كان متوقّعاً لجهة المتغيرات التي أرخت بثقلها على خارطة السيطرة في الغوطة الشرقية، والأمر جاء نتيجة تراكمات كبيرة من التخطيط والجهود والعمليات التي اتسّمت بالدقة وحسن التنظيم والدراية والتأني، حيث كان لتحرير المليحة التي كانت عسكرياً بمثابة خطّ الدفاع الأول من الجهة الغربية لدوما التأثير الأكبر في تراجع القدرة القتالية الميدانية للجماعات المسلّحة، حيث تعرضّت هذه الجماعات على مدى أربعة أشهر لخسائر فادحة في القدرة البشرية وفقدت أكثر من 20 قيادياً لهذه الجماعات بنتيجة المعارك أو الإستهداف القائم على متابعة استخباراتية، إضافةً الى خسارتها عدداً كبيراً من أسلحتها المتوسطة والثقيلة، ما فتح الباب أمام الجيش السوري للدخول في مرحلة تثبيت خطوطه والإنتقال السلِس الى مواقع متقدمة شرقي المليحة، وهذا ما حدا بالجماعات المسلّحة التسلّل باتجاه الدخّانية والكبّاس في محاولةٍ لوقف تقدّم الجيش بإتجاه عين ترما وتعزيز جبهة جوبر وتشتيت جهد وحدات الجيش السوري.
في الوقت نفسه الذي ما زالت فيه وحدات الجيش السوري تعيد إحكام سيطرتها على الدخانية، يمكن القول إنّ معركة جوبر على وشك الإنتهاء خصوصاً بعد تحرير عدرا العمالية.
الجماعات المسلّحة التي تُدرك الآن أنّ معركتها الرئيسية هي دوما سوف تحاول تعزيز هذه الجبهة من خلال تأمين انسحاب مسلّحيها من جوبر ووضعهم في خطوط دفاع جديدة قد تكون ما بعد زملكا وعين ترما، لأنّ وضع الجماعات المسلحة فيها مع الدخانية سيكون صعباً في حال سقوط جوبر كون الجيش السوري سيمتلك من بعدها قدرة مناورة والتفاف أكبر، إضافةّ الى زخم بشري يُستخدم حالياً في جوبر سيتّم زجّه في محاور أخرى.
باستثناء النشابية والبلالية التي ستكون هدفاً مؤكداً للجيش السوري فإنّ باقي قرى وبلدات الغوطة الشرقية لا تشكّل نقاطاً يمكن القول إنها قادرة على وقف إندفاعة الجيش السوري، ومن هنا نتوقّع أن يبدأ الجيش السوري بعد تثبيت نقاطه في عدرا العماليّة لتكثيف الضغط على كل محاور الغوطة الشرقية، لإجبار الجماعات المسلّحة على توزيع جهدها وقواتها في أماكن ليست بنفس القدرة والكفاءة سواء في التحصين أو العتاد كما كان حال المليحة وما هو عليه الآن حال ما تبقّى من مسلحي جوبر.
تحرير عدرا العمّالية جاء على عكس ما توقّعته الجماعات المسلّحة، فزخم الهجوم الرئيسي للجيش السوري كان بإتجاه عدرا البلد حيث وصلت طلائع الجيش السوري الى منطقة سوق الغنم، ولم يكن أي من هذه الجماعات يتوقّع أن يندفع الجيش السوري في عدرا العمّالية التي بدأت فيها العملية من خلال نفق حفره جنود الجيش السوري أوصلهم الى قلب الجماعات ليشكّل عنصر مفاجأة وصدمة، هذا التسلّل عبر النفق ترافق مع عملية إندفاع مباشرة لوحدات الجيش استثمرت حالة الإرباك والصدمة في صفوف المسلّحين وحقّقت أهدافها التي تشكّل نقلة إستراتيجية في عزل الجماعات المسلّحة التي ستخوض معاركها القادمة محرومةً من خطوط الإمداد بإتجاه البادية شرقاً والأردن غرباً.
إنّ ما يعقّد الأمور على الجماعات المسلّحة في المرحلة القادمة هي مجموعة من الأسباب ستؤدي إلى خسارتها المعركة، وهي عوامل ترتكز الى وقائع لا يمكن لهذه الجماعات تجاوزها ببساطة وهي:
1- حرمان هذه الجماعات من خطوط الإمداد ما سيُلزمها الإعتماد على مخزونها من الذخائر، وهذا ما سيضطرها الى تقنين إستخدام هذا المخزون خصوصاً أنّ الجيش السوري سيبدأ بالضغط وعدم إتاحة الفرصة لهذه الجماعات أن تكون بوضعٍ مريح.
2- توقّع موجة من الإحتجاجات الشعبية المضادّة لهذه الجماعات في القرى والبلدات التي تسيطر عليها بما فيها دوما نفسها، تساهم في خلق حالة تماس سلبية بين الجماعات والأهالي.
3- تنامي حدّة النزاعات بين الجماعات والتي تحصل عادةً بعد كل هزيمة تتعرّض لها، وهو أمر يحصل في كل الجبهات وليس في الغوطة الشرقية فقط.
4- تفعيل بعض المصالحات المجمدّة وخصوصاً في حرستا التي لم تُنجز فيها المصالحة نتيجة ضغط الجماعات المسلّحة والتي قد تكون مرشحّة للنجاح في القريب العاجل، ما ينقل خط الإشتباك مع دوما من جهة حرستا الى مسافات قريبة.
ومن المهمّ إلإشارة الى أنّ وحدات الجيش السوري لم تعد تعتمد على نمط محدّد من القتال، فما جرى في عدرا العمالية لجهة استخدام الجيش السوري الأنفاق يدلّ على قدرة الجيش على الإستفادة من أساليب الجماعات واستخدامها ضدّها، الأمر نفسه يحصل في اعتماد الجيش على وحدات النخبة والمهام الخاصّة بأعداد قليلة من الجنود عبر عمليات خاصّة تتسلّل الى قلب هذه الجماعات لإحداث الإرباك والصدمة.
اذا لم تحصل تطّورات مفاجئة يمكننا القول إنّ العدّ العكسي لتحرير الغوطة الشرقية قد بدأ، ومنذ اللحظة يمكن التأكيد أنّ مفاتيح الميدان صارت بالكامل بيد القيادة العسكرية السورية، فكلمّا ضاقت مساحة الأرض التي تسيطر عليها هذه الجماعات كلمّا صارت نهايتها أقرب.