الضربات الجوية لداعش ترويضٌ للوحش، وليس قتله

الضربات الجوية لداعش ترويضٌ للوحش، وليس قتله

تحليل وآراء

الأربعاء، ٢٤ سبتمبر ٢٠١٤

 سأكتفي من خلال هذا الموضوع بالتعرض للجانب العسكري من المسألة كون التعرّض للبعد السياسي للضربات الجوية الأميركية قد وصل الى مرحلة الإشباع، إن من حيث توصيف العلاقة الوثيقة لأجهزة المخابرات بما فيها الأميركية بداعش وغيرها من الجماعات الإرهابية، أو من حيث التعرّض لأبعاد وأهداف الضربات الأميركية في إعادة صياغة شكلٍ جديد للتدخل في المنطقة ورسم قوانين صراع جديدة تتلاءم مع متطلبات السياسة الأميركية.
30 طلعة جوية شملت أكثر من 80 غارة نفذتها طائرات أميركية وسعودية وإماراتية وبحرينية وقطرية وأردنية بمشاركة 20 طائرة أميركية، انطلق بعضها من على متن حاملتي طائرات في البحر الأحمر وبحر الخليج العربي ومن مطار اربيل في إقليم كردستان، وعشر طائرات عربية بمعدل طائرتين من كل دولة مشاركة بالغارات، إضافةً الى عدد لم يحدّد من صواريخ توماهوك الجوالة وهي صواريخ قادرة على إصابة أهدافها بدقة كبيرة.
توزّعت الغارات على مدينة الرقّة التي شنت فيها الطائرات 20 غارة استهدفت مبانٍ ومواقع أهمها مبنى المحافظة ومعسكر تدريب الطلائع وحاجز الفرسان غربي المدينة ومبنى أمن الدولة، كما استهدفت الطائرات مطار الطبقة وأطرافه بخمس غارات إضافةً الى ثلاث غارات على موقع قيادة اللواء 93 وثلاث غارات على بلدة تل أبيض شمال شرق الرقّة.
الغارات أيضاً طالت موقعين لجبهة النصرة في ريف ادلب عند المنطقة الحدودية مع تركيا، استهدفت مصنعاً للأسلحة في بلدة سرمدا وموقعاً قيادياً في بلدة كفردريان قُتل فيها حوالي 50 بينهم ابو يوسف التركي أحد القادة الميدانيين لجبهة النصرة وعدد من المدنيين في محيط الموقع.
كما شملت الضربة غارات على دير الزور والبوكمال ومنطقة الهول في ريف الحسكة وفي مدينة القائم.
نتيجة هذه الضربات، بحسب المعلومات الواردة، أدّت الى مقتل حوالي 70 مقاتلاّ من داعش و50 من جبهة النصرة فيما نشرت بعض المواقع أرقامًا وصلت الى 300 قتيل لداعش ومئات الجرحى.
في الجانب العسكري المرتبط بهذه الضربات الجوية فمن المعروف أنّ أي ضربات جوية ضد قوة برية لا يمكن أن تحقق أهدافها إلا إذا واكبتها هجمات لقوات برية على المواقع التي تتعرض للهجوم، والدليل على صحة هذا الكلام هو ما جرى  في رأس العين وغرب وجنوب عين عرب عندما تقدمت وحدات حماية الشعب الكردية الى مواقع لداعش وسيطرت عليها بعدما ضربها الطيران الحربي السوري، وتحديداً في قرى الغرة والمفلوجة وابو تليل في ريف الحسكة وغرفة عمليات في قرية عالية لداعش في رأس العين شمال حلب.
إنّ حجم الضربة الجوية التي نفذّتها أميركا مع حلفائها لا يتناسب أبداً مع حجم الخسائر التي تكبدتها داعش المستنفرة والتي وضعت مقاتليها (مقتل 70 مقاتل) في حالة انتشار، وهو ما يؤكده عدد الإصابات في صفوف داعش التي كان لها الحصة الكبيرة من الضربات، في حين أنّ غارتين على مواقع النصرة في سرمدا وكفردريان أدّيتا الى مقتل 50 بينهم 11 مدنياً، والسبب أنّ جبهة النصرة لم تكن تتحسّب لهذه الضربات ولم تتخذ الإجراءات اللازمة لتحاشيها.
الأمر الهام هو أنّ تجارب سابقة في القصف من الجو لم تستطع أن تنهي نفوذ الجماعات الإرهابية، والدليل آلاف الضربات التي قامت بها أميركا منذ سنوات في افغانستان وباكستان واليمن والصومال ومناطق أخرى من العالم.
ويبقى أنّ دول التحالف ستجد نفسها في الأيام والشهور القادمة تنفذ عمليات مطاردة جوية أكثر منها عمليات عسكرية، كون الضربة الجوية الأولى قد استهدفت أغلب مراكز قيادة ومعسكرات داعش والتي يبدو أنها كانت تحتوي عددًا قليلًا من المقاتلين اقتصر على عناصر الحماية والحراسة، فيما عمد التنظيم منذ حوالي الشهر الى نشر قواته بشكلٍ يُجبر أميركا على تنفيذ آلاف الضربات الجوية المكلفة والطويلة.
وفي معلوماتٍ مؤكدة أنّ قيادات وعناصر داعش تعمد منذ فترة الى التحرك بواسطة سيارات مدنية ستجعل من استهدافها عملية صعبة وتحتاج الى جهد استخباراتي كبير جداً.
في حين أنّ دول التحالف ستعمد لمواجهة الأمر الى استخدام طائراتٍ بدون طيار، ما يمكن أن يعرّض المدنيين للخطر وهو أمر يحصل كثيرًا في اليمن وباكستان ويمكن أن يتكرر في سورية.
والمسألة المعقدة والتي يمكن أن تأخذ الأمور الى أماكن غير محسوبة هي أنّ سلاج الجو السوري ما زال يعمل على كامل الأراضي السورية، وهو ما يمكن أن يضع الطائرات الأميركية والحليفة لها في مواجهة جوية اذا لم يتمّ تنسيق الملاحة الجوية وحركة الطائرات ومهماتها، وحتى في حال تمكنت الطائرات الأميركية من التهرب من بطاريات الدفاع الجوي فإنّ طائرات سلاح الجو السوري من طراز ميغ 25 وميغ 29 قادرة على مطاردة المقاتلات والإشتباك معها، إلّا أنّ هذا الأمر غير مرشّح للحصول حيث كانت سورية قد أكدت أنّ المندوب الأميركي في الأمم المتحدة أبلغ المندوب السوري مسبقاً بالغارات.
بالتزامن فإنّ رسائل روسية مباشرة وغير مباشرة قد تمّ إرسالها وتمثلت باتصال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأمين عام الأمم المتحدة بان كي مون، ووصول سفينة روسية الى ميناء طرطوس تحمل أسلحة متنوعة أهمها منظومات مضادة للطائرات وصواريخ أرض بحر المتطورة.
ختاماً: سورية التي وافقت على القرار الأممي 2170 هي أول من أعلنت منذ سنوات أنّ ما تواجهه في معركتها هي أشرس الجماعات الإرهابية، الأمر الذي أدركه البعض متأخراً وبدأ بحشد ما يلزم لمواجهته. إنّ رفض سورية المشاركة في أحلاف من النوع الذي تقوده أميركا سببه إدراك القيادة السورية أنّ ما تعلنه أميركا يختلف عمّا تنويه، فأميركا التي خاضت أفظع الحروب منذ فييتنام مروراً بافغانستان والعراق، ودعمها المطلق لرأس حربة الإرهاب في المنطقة وأعني الكيان الصهيوني، لا يؤهلها أخلاقياً وهي التي صنعت أغلب الحركات والتنظيمات التكفيرية أن تقود الحملة ضد الوحش الذي صنعته هي ومن ساهم معها اليوم بتنفيذ الضربة الجوية، وكلنا نعرف الدور القطري والسعودي والأردني في تمويل وتدريب وتسهيل أعمال هذه الجماعات. أقصى ما ستفعله أميركا من خلال الضربات الجوية هو ترويض وحشها ورسم مساراتٍ له بما يتناسب مع سياساتها ومصالحها التي لم يخجل أوباما في التصريح عنها علناً، في حين أنه لم يشر أبداً لما فعلته الجماعات الإرهابية من تمزيق للمكونات التاريخية في المنطقة وما تعانيه الشعوب من شرّ الوحش الذي صنعته أميركا.
يبقى أنّ ما أشرت اليه عن ضرورة التعاون بين القوات الجوية والبرية للقضاء على البنية العسكرية، هو أمرٌ لن تستطيع أميركا تحقيقه في المرحلة الحالية، وهو ما يحقّقه الجيش السوري في الأماكن التي تتعاون فيها وحدات حماية الشعب الكردية معه في الحسكة وأرياف عين عرب، والى حين تبلور وقائع جديدة قد تذهب الأمور في اتجاهاتٍ عديدة هي رهن بتطور الأحداث وموازين القوى التي يفرضها الميدان.