وظهر الباطل؟!..بقلم: د. عبد الرزاق المؤنس

وظهر الباطل؟!..بقلم: د. عبد الرزاق المؤنس

تحليل وآراء

الأربعاء، ٢٤ سبتمبر ٢٠١٤

في ميزان القرآن الكريم: (.. وجعل كلمة الذين كفروا السفلى؛ وكلمةُ الله هي العليا..)، وفيه أيضاً: (وقل جاء الحق وزهق الباطل..)؛ فمَن هم الذين كفروا؟ ومَن هم الذين آمنوا أهل الحق؟! وهل كلمة الذين كفروا اليوم هي السفلى؟ وما هي مواقع كلمة (الله عز وجل) في توظيفات سكان منازل الحق والرسالات ممن يزعمون أنّهم مسلمون أو مؤمنون؟!
دون البحث في كلمة الله العليا في عقيدة الحقيقة، ولكنها في التعامل معها هي بريئة حقاً ممن يحملون اسمها ويعملون كما نشهد ضد منهجها بل ينتهزون طهارة اعتبارها ليزكّوا اعتبارهم في الإثم والعدوان والنفاق والخيانات والتآمر مع الشياطين من الجنة والناس؛ فكان أمثلة هؤلاء الذين كثروا ويتكاثرون سواء كانوا من أبناء جلدتنا ووطننا وديننا وعروبتنا أم كانوا وكان بسببهم وجود مرتزقة الحثالة من صعاليك هذا الزمن والعالم؛ فمَن المؤاخذ، ومَن المسؤول عن هذه السقطة التي صدعت سورية والأمة العربية والإسلامية؟ وإنّ كلمة الباطل والخطيئة والفواحش والرذائل والإجرام والتخريب والفساد لم تنتصر لأنّ كلمة النصر لا تليق إلا بالحق وأهله الشرفاء؛ ولكن أقول: إنّ هذا الباطل قد طغى على الحق من حيث أهله المؤتمنين عليه لا من حيث حقيقة مصطلحه.. أما إذا أردنا أن نتحدث عن واقع الخطاب التربوي والديني والإصلاحي فإنّه اليوم – كما هي نتائج حقيقته- في أسوء ظرف واهنٍ يتقلب فيه، وهذا لا تنفع فيه المجاملات والنفاقيات وإرضاء من نرجوهم أو نخاف منهم لأنّ الحق يقاس على مستوى إرضاء الله تعالى الحق عن صدق ومصداقيات لا إرضاء عبيده الذين يَعُقّون دِينهُ ويكذبون في حمله والدعوة إليه..، وإنّ كل من يتحمل في زعمه وفي مهنة الصناعة الدينية والأخلاقية والتربوية مواقع ومقامات وشعائريات عليه أن يُخضِع هويته هذه لتحقيق النص القرآني ولفعل الهدي النبوي في معاييره المتفق عليها في مصطلحات الأسوة الحسنة والطاعات وحسن الأخلاق والرحمة للعالمين والاحتكام الفقهي العلمي العقيدي الحكيم في (مَن أطاع الرسول فقد أطاع الله) وفي (ومَن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون)؛ ألا إنّ المشهد الإيماني والإسلامي الظاهر هذه الأيام قد أُفرِغ من جميع مضمناته الأخوية والتراحمية وما يتلازم معها من قيم المحبة والسلام والتلطف والعدل واتقاء العداوة والبغضاء والإثم والعدوان..، فهل هذه الأمة اليوم من غير تلك القيم والقداسات إلا هيكلٌ يُفرِّغ فيه أعداء الحق والإنسانية والظالمون كل أذيات الشر والأحقاد والتفرقة بأيدي أبناء جلدتنا وأوطاننا وأبناء أرض الرسالات الذين انقلبوا إلى ظلاميين ومتشددين أو متفلّتين أو منافقين أو خونة متآمرين ارتفعت عنهم الأمانة إلى غير رجعة!..
وماذا تنفع عندئذ العمائم واللحى إن وجدت أو مواقع الخطاب التربوي والديني وإعلامياتها إذا كانت نتائجها اليوم ومن وقت سابق متصلٍ به هو ما نشهده ونراه من أزمات أخلاق وأزمات إخلاص وأزمات إيثار وأزمات جهل في الفقهيات والنصوص التي تحكم على النفوس حتى ظهرت في الأمة طبقة متأسلمين تصدرت للإفتاءات على قدسية الدين الحق وعلى كرامته، وكان منها مَن حَجَّر سماحة الهدي النبوي ورحمته وسعة فتاويه ورأفته عن ثقة وحق وإحكام وحكمة إلى حد ظهور فئة من هؤلاء اليوم قد حرّفوا فعلاً موجبات النصوص القرآنية والنبوية، وتأوّلوا عن جهل مركب القاعدة الفقهية (لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان) دون أن يوثقوا فعلها بما لا يتعارض مع ثوابت تلك النصوص ووثائق الحق!!، فما هي نتائج هذا الظهور للباطل والطغيان والتدابر والتشاحن في هذه الأمة؟ وما هي فائدة تدينياتها ووقفياتها ودعواتها إلى الله تعالى؟! بل ما هي الاجتهادات الحكيمة المتعقلة في مواجهة الأخطاء والمفاسد؟ وهل توجد من الدعاة أهلياتٌ قادرة من قبل واليوم أيضاً على تضييق دائرة الخطأ والفساد وتغيير النفوس المخطئة بوعي وتفهمٍ وترجيح للمصلحة الأهم والأولى كما كان أسلوب الرسول صلى الله عليه وسلم في قضايا كثيرة من حقوق الله تعالى وحقوق العباد؟! ألا إنّها مشكلة النفوس التي لم تطمئن بذكر الله ولم تنهض بالإيثار ولم تحْيَ بالحب والتواضع كما قال الله تعالى: (.. فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله لا يخافون لومة لائم..)، هذه صفة سورة المائدة آية 54، هؤلاء الذين يحبهم الله تعالى لأنّهم لا يعتزون إلا به ولا يستجيبون إلا لمن خلقهم وصنعهم، وصاحب الصنعة أعلم بمصلحة صنعته؛ فهل نحن أذلة على المؤمنين- أي متواضعين متصادقين كالجسد الواحد- أم نحن في المقلوب وفي المنكوس من هذه المعادلة!! أذلة على الكافرين أعزة مستكبرين متباغضين على المؤمنين؟ وهل لا نخاف في الله لومة لائم أم لأنّنا لم نأبه للخوف من الله- وهو خوف تكريمي في الجزاء- ابتلانا الله تعالى بالخوف بعضنا من بعض بل الخوف من ظلنا!؟