من «حلب اليوم» إلى البومة «الأناضول».. الحرب الإعلامية التركية

من «حلب اليوم» إلى البومة «الأناضول».. الحرب الإعلامية التركية

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢٣ سبتمبر ٢٠١٤

 ستمئة عامٍ من الإحتلال لم تكفِ تركيا لتكفّ شرّها عن بلادنا. هذه الدولة العظمى التي تغتصب لواء اسكندرون السوري منذ زمن، لم تتريّث اليوم في المشاركة بمشروع تقسيم وتفتيت هذه البلاد، المشروع الإرهابي عينه الذي يقضي بقتل البشر والحجر، لا بل كانت شريكاً أساسياً في مشروع إرسال ثقافة القتل والنحر والإمارات الإسلامية عبر حدودها وانطلاقاً من أراضيها.
في المعركة الإعلامية كانت تركيا الداعم الأوّل والمموّل الأساسي لكلّ حركة صناعة رأي عام مناهض للدولة السورية، وكذلك لحركة المقاومة والممانعة في المنطقة.

ففي العام 2012، بدأت عدة قنوات جديدة بالظهور على قمر نايل سات وكذلك القمر التركي، السهل التقاطهما داخل سوريا. قنواتٌ لم تكن موجودة قبل بدء الأزمة، لبست منذ انطلاقتها عباءة المعارضة السورية المسلّحة، وكانت الوجه الإعلامي لجبهة النصرة وتنظيم داعش حتى قبل الإعلان عن قيامهما، عندما كانت الحركات المتشدّدة مؤطرة في ألويةٍ تتبع التنظيم المسمّى في حينها بالجيش الحر.

قناة سوريا الحرة، أو ما يعرف بالإنجليزية بـfree syria، نشأت عام 2012، مركز بثّها العاصمة التركية أنقرة، تقوم طيلة أوقات بثّها بعرض ڤيديوهات يصوّرها مقاتلو الجيش الحر سابقاً، النصرة وداعش اليوم، في مختلف أنحاء سوريا. القناة لا تريك أيّ مذيع، لا بل أنّها تبث إتصالاتٍ هاتفية معظمها مركّب بشكلٍ واضح، لمن اختبر العمل الإعلامي، لناحية الصدى في الصوت وما شابه، بين المذيع غير المرئي والمتصل المجهول أيضاً على ڤيديو من الميدان. الڤيديوهات معظمها إن لم تكن بأكملها مصورة بكاميرا الهاتف، وهو ما تقصده من وراء إنشائها، لتظهر بالتالي أنّ ما يسمّى بالـ"ثورة" السورية وليدة عامة الشعب والكادحين، وأنّه لا ميزانيات بيد المحتجين والمقاتلين.

قناة "حلب اليوم" هي نموذج آخر من المال والسطوة التركيين الذين وُظّفا في الإعلام. هذه القناة التي ما لبثت من تاريخ افتتاحها في تشرين الثاني من العام 2012، أن بدأت بالترويج لكل من يقاتل الدولة والجيش في سوريا، ولكنّها وعلى عكس قناة "سوريا الحرة"، لبست العباءة الإجتماعية. لهذه القناة شبكة مراسلين، قاموا بنقل الحالة المعيشية التي زادوا من صعوبتها بتقاريرهم، لسكان مناطق محافظة حلب، تلك التي كانت تحت سيطرة الجيش الحر بالطبع. تركّزت تقاريرها من داخل مدينة الباب، المركز الإستخباراتي الأكبر في العالم هذه الأيّام، حيث نقلت صحيفة النيوزويك أنّ معظم أجهزة الإستخبارات العالمية موجودة بداخلها، ومنها توجّه الألوية والعناصر التي أشرفت هي على تدريبها وإرسالها إلى سوريا.
ينقل إعلامي سوري من سكان أنقرة، رفض الكشف عن اسمه، أنّ شركة انتاج تركية عرضت عليه العمل داخل قناة "حلب اليوم" براتب مغرٍ جدّاً. فإذاً الأتراك يمسكون بالإعلام "الحر"، عذرًا، الإعلام "الداعشي".

على صعيدٍ متّصل، برز في الآونة الأخيرة نشاط وكالة الأناضول للأنباء بشكلٍ ملفتٍ جداً. فهذه الوكالة كادت أن تكون الناطقة بإسم تنظيم داعش وجبهة النصرة. فالمتابع اللبناني اعتاد أن يتلقف أخبار التنظيمات التكفيرية من تغريدات عناصرها على موقع تويتر، لتفاجئ الوكالة الرأي العام والمتابعين أنّها هي المصدر الموثوق لأخبار هؤلاء. فتكاد تكون "البومة" التي لا تبشّر اللبنانيين سوى بذبح الجنود وقتلهم، أو في أحسن الأحوال بتهديداتٍ بقتلهم.

القضاء اللبناني الذي اعتاد على استدعاء الصحافيين اللبنانيين ممّن ينشرون أي خبرٍ أو صورة مصدرها العناصر المسلحة في جرود عرسال أو حتى في الداخل السوري، وهو ما حصل مع الزميلة نانسي السبع قبل فترة بقضية عناصر جبهة النصرة داخل مستشفى بيروت الحكومي، لم ينتبه أنّ هذه الوكالة التي هي على علاقة وثيقة بالإرهابيين مركزها وسط بيروت، وملاصقة للسراي الحكومي تحديداً، أي حيث يعتصم أهالي الجنود الرهائن بشكلٍ يومي.
ألا يحق للقضاء اللبناني مساءلة الوكالة التركية عن مصادرها.. فقط كي لا تكون داعش بـ"كراڤات" بيننا ونحن آخر من يعلم؟

لم تشارك تركيا في الدعم العسكري للمجموعات التكفيرية فقط، لا بل ساهمت بخلق مجتمعٍ كاملٍ يحويها، بيئة حاضنة يغذّيها إعلام تموّله هي، تفتح له الهواء كي يبثّ سمومه، وتديره عبر شركات إنتاج متخصّصة.
فكما العدو القابع على حدودنا الجنوبية، يتربّص بنا، هناك عدوٌّ على حدودنا الشمالية، تربّص وخطّط ونفّذ وقتل ويمارس اليوم علينا بالسياسة والإعلام أحقر ما يمكن للمخلوقات البشرية فعله.. إنّه العدو التركي.