خبير متقاعد...ماذا بعد؟.. بقلم:سامر يحيى

خبير متقاعد...ماذا بعد؟.. بقلم:سامر يحيى

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢٣ سبتمبر ٢٠١٤

التقاعد لا يعني انتهاء الحياة العملية لفردٍ من المجتمع، أو عدم قيامه بأي دورٍ سواء في قطّاع حكومي أو خاص، أو حتى شخصي، بل هو فرصة للراحة والتخلّص من الدوام اليومي والروتين، والنثريات الحياتية للتفرغ للأمور الجوهرية الفكرية، والخلود للراحة وغسل تجاعيد السنوات الطوال التي بذلها في الجهد والعمل.
ورغم أنّ مفهوم التقاعد قد بدأ مع النهضة الصناعية لإتاحة الفرصة للشباب لتولّي المسؤولية، وضخ الدماء الجديدة في العمل، تحت شعار حقوق الإنسان وحريّته، متجاهلين أنّ ليس هذا هو الأساس الذي يمكن الاعتماد عليه، ولم يكن في يومٍ من الأيام من بلغ سناً تجاوز الستين قد انتهت قدرته على العطاء والإبداع، فما أكثر الشباب في سن الثلاثين لا قدرة لهم على تطوير أسلوب حياتهم، وترى شيوخاً بلغوا الستين وكلّهم حيوية ونشاط وعمل جدي دون كلل أو ملل، ومن هذا المنطلق ليس دور الحكومة تكريم هذا المتقاعد بإعطائه الراتب التقاعدي فقط، بل العمل على الاستفادة من خبراته طوال السنين التي مرّت، عبر تحقيق بعض المتطلّبات له، والتي لا تتطلّب مبلغاً مادياً بقدر ما تتطلّب تعاوناً من الجميع، لكي لا يكون هذا الرجل عالةً على عائلته وأسرته، ولا على مجتمعه، بل أن يكون عاملاً ووطنياً ونشيطاً، وقادراً على الإبداع والعطاء، ولا نبرّر للبعض التمسّك بمكانته بحجّة الخبرة والمعرفة، ولا يبرّر إقالة البعض من عمله بسبب وصوله لسن التقاعد، بل علينا إيجاد النظرية الأسلم التي تساهم في الاستفادة من هؤلاء، لكن أرى بأنّ الأهم هو عدم السماح لمن بلغ الستين من العمر تسلّم أي منصب أو عملٍ أو دورٍ وظيفي وإداري، واقتصار هذا الدور على الشباب وأصحاب الخبرات والقدرة على العطاء، ورغم أنّ الخبرة لا تأتي إلا بعد دورات تدريب وتأهيل، فهذه الدورات تحتاج للخبرات التي هي كبار السن لما خاضوه من تجارب وأعمال بلورت أفكارهم، وصاغت آراءهم لتكون قابلةً للتطبيق وتجاوز الكثير من المعوقات.
 ومن الأمور المهمة التي يتوجّب على كل منا اتباعها وبالتأكيد ستستمر لتبلغ سني التقاعد، عدم احتكار الأفكار والآراء والاستفادة من التجارب التي يمرّ بها الشخص، بل أن يعطيها لجميع زملائه في القسم أو الدائرة أو المؤسسة، وعندما نتخلّص من فكرة "أنّ غيري سيأخذ أفكاري ويصعد على كتفي" أو أن نقول "كما بدأت من الصفر، فليتعذب زميلي ويبدأ من الصفر"، متجاهلاً أنّ واجبنا الوطني يتطلّب منا أن يقوم كل منا بتقديم أفكاره من أجل استفادة الجميع، ليبدأ كل منا من حيث انتهى الآخر ليكمل المشوار، عبر الاستفادة من الإيجابيات وتفادي السلبيات، لاختيار الطرق الأسلم والأقوم، فعندما يقوم كل منا بدوره وواجبه، بالتأكيد كلنا سيرتقي ويصل لمبتغاه.
 نعم التقاعد ليس عملية تبديل مقاعد بين جيلٍ قديم وجيل حديث، وليست مجرّد ضخ دماء جديدة، بل هو عملية جمع بين عنفوان الشباب، وحكمة الشيوخ، والتزاوج بين هاتين الفكرتين لتحقيق النهضة الحقيقية للمجتمع. وباعتبار أنّه أصبحت لدينا وزارة للتنمية الإدارية، قد يكون مهماً الاستفادة منها في تعزيز الدور الوظيفي والإداري، وذلك عبر العمل على ما يلي:
ـ عقد لقاءات دورية (لمن يرغب من المتقاعدين) كل في اختصاصه، في المؤسسة التي كان يعمل بها، أو في المراكز الثقافية أو لجان الأحياء، وغيرها، يقدّم في اللقاءات خلاصة أفكاره وتجاربه، وقد يمكن رفعها كرأي استشاري للجهات صاحبة الشأن للاستفادة منها.
ـ اقتصار أعمال الخبرة على الفكر والكتابة والإبداع، والابتعاد كليّاً عن المناصب الإدارية أو الوظيفية وحتى الاستشارية، مهما اقتضت الضرورة، لأنّ الشخص الذي لم يستطع تأهيل فريق عمل ليقوم بعمله، بالتأكيد لن يكون قادراً على القيام بعملٍ حقيقي لصالح المجتمع مهما ادّعى أنّه ذو خبرة.
ـ قيام كل موظفٍ حكومي على مشارف التقاعد، ولاسيما في السنوات الخمس الأخيرة بتدريب وتأهيل العاملين معه في نفس القسم، وعدم احتكار المسؤولية للاحتفاظ بمكانته.
ـ الأخذ بالاعتبار أنّ المتقاعد ثروة وطنية يجب دراسة إمكانية استثمارها، وليس الاقتصار على إعطائه راتباً شهرياً قد يسدّ رمق حياته، لكنه لن يسمن من جوع. 
ـ ضرورة عقد لقاءات دورية مع العاملين في المؤسسة الواحدة، والقسم الواحد، أسبوعياً أو شهرياً، لتبادل الآراء والخبرات ونقاش المشكلات التي تعترض كل منهم وطرق حلّها، وبذلك يصبح الجميع ذوي خبرة ويساهمون بشكلٍ فعال ببناء الوطن. ـ معاملة الموظف حسب إنتاجيته وإبداعه في عمله، لا قصره على سنوات خدمته وخبراته النظرية التي يكتسبها.
    ختاماً أقول إنّ العطاء لا عمر له، والإبداع لا تحدّه سنّ أو موقع أو مكان، بل هو عملية مستمرة تبدأ من الصغر وتتطوّر حتى مغادرة الحياة، وقد يكون الإنسان أكثر إبداعاً، عندما يتخلّص من الروتين للانطلاق للعمل الجدي، فلنعمل معاً لنكون يداً بيد لبناء الوطن لا أن نكون عبئاً على بعضنا ولا على أسرتنا، وبالتالي عبئاً على الوطن، وخاصةً في هذه الظروف الدقيقة.