قلم حام.. ((البيئة النابذة للتقصي)).. بقلم:ظافر أحمد

قلم حام.. ((البيئة النابذة للتقصي)).. بقلم:ظافر أحمد

تحليل وآراء

الاثنين، ٢٢ سبتمبر ٢٠١٤

يبدو أنّه بدأ الاهتمام بالإعلام الاستقصائي في بلدنا، ..لماذا كان خارج الاهتمام طوال سنوات سابقة؟ الجواب عن هذا السؤال يحتاج إلى استقصاء..!
هذا النوع الذي غالباً يسمى عالمياً بالتقصي المعمّق مجهول القيمة في سورية، فالإعلام الذي لا يخوض في خلفيات خبر عن رفع ثمن البنزين عندما يتم رفعه أو رفع ثمن أي سلعة إستراتيجية، ولا يتقصى عميقاً في أي أزمة فرعية كون الأزمة الأساسية المرتبطة بالحرب الدائرة حالياً ومنذ 2011 تطغى على أي تقصٍ..، ولا يتقصى عن (سيفي) مسؤولين يتم اختيار بعضهم بما يثقلهم من سوء أداء أو هنات وثغرات في تاريخهم الوظيفي ..هذا الإعلام يحتاج إلى التقصي المعمّق؟!.
الإعلام الاستقصائي يمكنه أن يساهم بشكل فعّال في تطوير أداء عمل المؤسسات ومكافحة الفساد والخلل، ولكن يحتاج قبل أي مستلزمات للتقصي إلى بيئة رسمية حاضنة تؤمن بأهمية المعلومة وأهمية الإعلام الاستقصائي، بيئة رسمية لا تخجل من أن يسلّط الإعلام الرسمي الضوء على واقع السلع الإستراتيجية، وواقع منافسة الحكومة لديوك السوق في رفع الأسعار، وواقع الحال في أي قطاع اقتصادي..، إذ كيف يمكن التقصي المعمّق إذا كان مصدر الإعلام الرسمي منذ 2011 على الأقل ما يُفصح عنه الوزراء والإداريون في شتى درجات الإدارة من دون إمكانية خرق أي مؤسسة رسمية بمعلومة وواقعة تقصٍ معمّق؟!
الإعلام الذي يخجل من التقصي المعمّق في واقعة انتحار رئيس حكومة أسبق وغيره من بعض المسؤولين، أو يخجل من الخوض في التقصي عن مسؤولين مهمين فضائحيين أكثر من فضيحة وصولهم وانتقائهم للكراسي الرفيعة في المستوى، لا يمكنه الإقلاع في التقصي المعمّق من دون بيئة رسمية تؤمّن بالتقصي المعمّق..
قبل إجراء أي ندوات تخص الإعلام الاستقصائي وقبل ممارسة أي تقصٍ معمّق يجب إقناع الوزراء والإداريين من شتى درجات الإدارة بأهمية التقصي المعمق والإعلام الاستقصائي، ويجب إقناعهم بأنّ الرقم مهما كان فضائحياً يجب مداولته وتوضيحه للنّاس بكل خلفياته وحيثياته والوقائع المرتبطة به كحق من حقوق النّاس في معرفة الحقائق..
لم يثبت تاريخياً أي إيجابية في تجاهل القضايا التي صنّفت حساسة، فهاهو البلد منذ 2011 مكشوف إعلامياً وسياسياً واجتماعياً واقتصادياً، وكل قضاياه الحساسة موضوعة في التداول العالمي وليس المحلي فقط! بعد أزمة عاصفة ما هو الأمر الحساس الذي نخجل من التقصي به؟!.
اليوم يجب البحث في عقبات الإعلام الاستقصائي قبل البحث في دور الإعلام الاستقصائي، معرفة العقبة والثغرة لتجاوزها وتصويبها أهم من الإقلاع بإعلام استقصائي يتعثر بشتى المسؤولين الذين يمكنهم نسف المستقبل الوظيفي لأي إعلامي يمتلك الحماسة والإرادة والقدرة على ممارسة التقصي المعمّق..!
يجب الانتباه إلى أنّ عقبات التقصي المعمّق هي ذاتها عقبات مكافحة الفساد، والعوامل المشجعة على تجاهل التقصي والحفاظ على السطحية في الإعلام هي ذاتها عوامل البيئة الرسمية والوظيفية النابذة لمكافحة الفساد والجاذبة للفساد!.
شتى الأمور الحساسة في ملفات فساد خطيرة ومن خلال تجربة سنوات طويلة بقيت من دون إفصاح ومن دون تقصٍ، هل كان يمكن للإعلام التقصي بها؟! أي أمر مشابه حالياً هل يمكن للإعلام التقصي حوله؟!.
ما هي معايير الجرأة في إعلامنا هذه الأيام؟ الجواب يجب أن يكون موضع بحث قبل الانطلاق بالإعلام الاستقصائي..
ما هي إمكانيات التقصي المعمّق؟ الجواب يجب أن يكون موضع بحث..
من هو الإعلامي الذي يمتلك مقدرة التقصي المعمّق؟ الجواب يجب أن يكون موضع بحث، فهل ذلك الإعلامي الذي يصر على إبراز أي نشاط مهما كان روتينياً وشكلياً ومملاً لمجرد أنّ النشاط لوزير حتى لو كان وزيراً شكلياً، هل ذلك الإعلامي هو المتمكن والذي يمكنه الانطلاق في التقصي المعمّق؟!.
أين هم الإعلاميون الذين يحملون مواصفات التقصي المعمّق؟ أين هؤلاء الذين يتجرؤون على مواجهة مسؤولين جاهزين لسحق مستقبل الإعلامي الذي يفكّر في التقصي المعمّق؟!.
أسئلة كثيرة غيرها وحساسة تؤدي إلى تحديد خارطة البيئة المطلوبة للانطلاق في الإعلام الاستقصائي وضمان نجاحه، فالمستلزمات هي الأولوية وتأمينها هو الخطوة الأولى في رحلة لابد منها سواء كانت رحلة ألف ميل أو مليون ميل أو أقل..
في الإعلام الاستقصائي وبمجرد تأمين المستلزمات وتحضير البيئة الرسمية له النجاح يبدأ من الخطوة الأولى كي تكون رحلة الألف ميل ناجحة جداً..، لا شيء ينقصنا سوى بيئة رسمية تتحمل إعلاماً استقصائياً، وهي التي لم يثبت أنّها تحمّلت وتتحمل إعلاماً لا يتقصى وإعلاماً يتقصى بربع أو أنصاف الحقائق..!.