عين عرب (كوباني) تحت رحمة داعش..

عين عرب (كوباني) تحت رحمة داعش..

تحليل وآراء

الأحد، ٢١ سبتمبر ٢٠١٤

 عين عرب أو "كوباني" كما يسميها الأكراد تنتظر قوات "داعش"، فالتنظيم الذي اختفت قواته في الرقّة ظهر بقوّة في المناطق القريبة من عين عرب ومن ثلاث جهات ليجتاح حوالي 60 قرية كردية في الأرياف الغربية والشرقية والجنوبية لعين عرب، ويصل من الجهة الشرقية الى قرية خراب عطو التي تشهد حالياً قتالاً عنيفاً.
من الجهة الشرقية التي شكلّت تل أبيض مصدر الهجوم الرئيسي استطاعت قوة داعش السيطرة على العديد من القرى أهمها: كورك، شاوك، منجوك، بيرعرب، جرن، الزرزوري، شويتي، سارونج، زر، كولتب، بيرحبش، خان، كوبلك، قزعلي، قرتل، بيرناصر، لقلق، قرفل، سرزوري، هولك، كتكانية، كري سور، حرية ودرب حسن.
ومن هذه الجهة وصلت قوات داعش الى مشارف قرية خراب عطو التي تبعد عن مدخل كوباني الشرقي حوالي 10 كلم فقط.
أما من جهة الجنوب الشرقي فقد كان زخم الهجوم منطلقاً من عين عيسى ومقر اللواء 93 السابق، ووصل زخم الهجوم الى مشارف قومجي في جنوب عين عرب حيث التقت قوات داعش مع قوات أخرى سيطرت على جسر قره قوزاق وعبرته شمالاً ووصلت الى قرية قومجي، وهي تستعد لإكمال مسيرها باتجاه المدخل الجنوبي لعين عرب.
بين جسر قره قوزاق جنوباً وجسر القطار التركي شمالاً، سقط العديد من القرى بيد داعش وأهمها: زيارت، بياضية، كنعفتار، آشمة، زرك، تورمان، كورك، تعلك، دكرمان، بوراز وجعدة.
قوات داعش التي اندفعت بقوّة كبيرة من اتجاهات الهجوم الرئيسية الثلاثة قُدّر عدد قواتها المهاجمة بأكثر من 7000 مقاتل بدعم من 40 دبابة وحوالي 90 عربة قتال مدرعة وعشرات المدافع والهاونات والراجمات ومئات سيارات الدفع الرباعي المحمولة.
زحفٌ سريعٌ تقوم به قوات داعش، يقابله مقاومة عنيفة من المقاتلين الأكراد في ظل دعوات من كل القيادات الكردية لنجدة عين عرب ومدّها بالرجال والسلاح لمقاومة زحف داعش.
المعلومات الواردة أشارت الى سيطرة داعش على حوالي 60 قرية في أرياف كوباني من جهاتها الثلاث الغربية والشرقية والجنوبية، فيما الجهة الشمالية الملاصقة للحدود التركية تشهد نزوحاً كبيراً من القرى التي سقطت بيد داعش ومن كوباني نفسها، في ظلّ صمتٍ تركي وعرقلة كبيرة للنازحين، في وقتٍ بدأت فيه قوات كبيرة من الجيش التركي تنتشر في الجهة المقابلة للحدود.
الملفت للنظر هو استخدام داعش للأسلوب نفسه الذي استخدمته في العراق، عبر حشد جزءٍ كبير من قوتها البشرية والنارية في اتجاه هجومٍ أساسي خلق نوعاً من الذعر والهلع، أدّى الى سقوطٍ سريعٍ للقرى تحت عامل الخوف، اسلوب داعش هذا يتّم تحت ستار من السريّة بحيث لا يتيح للقوة المدافعة أن تحشد قواتها لمواجهة الهجوم، ونظراً لامتلاك داعش ما تحتاجه من دبابات ومدرعات وسيارات دفع رباعية وقوة نار كبيرة فإنّها تستطيع أن تحقق أهدافها بسرعة قياسية.
يُذكر أنّ حوالي ألف مواطن كردي تمّ إعتبارهم من المفقودين، ويُرجّح أنّ تنظيم داعش قام بتصفيتهم على غرار كلّ عملياته العسكرية.
وما يشير الى الوضع الصعب الذي ينتظر عين عرب هو النداءات التي تُوجّه في كل الإتجاهات والهجرة الكبيرة حتى من كوباني نفسها، حيث بلغ رقم النازحين قرابة الـ50 ألف، ما يجعل من كوباني مدينة أشباح بإستثناء المدافعين عنها وجزء من الأهالي ممّن قرّر البقاء فيها.
أمّا كيف اندفعت داعش بهذه القوّة الكبيرة وتحت عين المراقبة الأميركية والغربية للمنطقة ولم تستطع الأقمار الصناعية ولا طائرات الإستطلاع اكتشافها، فهو سؤالٌ من السهل الإجابة عليه في ظل القرار الأميركي بشنّ الحرب على داعش التي يُراد لها أن تحقّق أمرين اثنين:
1- نعرف جميعاً مدى العلاقة الكبيرة بين أميركا والأكراد، وحيث أنّ داعش تهاجم مناطق كردية من تل ابيض الى عفرين في المستقبل وهذا ما يؤكده خط سير قوات داعش في الريف الشمالي لحلب، بهدف إعطاء مبرّر لأميركا أن يكون لها موطئ قدم في هذه المناطق للضغط على سورية.
2- مساهمة ما تقوم به داعش بخلق الشريط العازل الممتد من القامشلي الى عفرين بمعق يصل الى مواقع تمركز الجماعات المسلحة حول مدينة حلب.
ولأنّ الغالبية الساحقة من أكراد سورية بإستثاء أكراد القامشلي والحسكة الذين يقاتلون الآن الى جانب الجيش السوري، ذهبوا إما باتجاه الحياد أو الإنحياز لما يسمى بالثورة السورية، فإنّ الأمر في كوباني مرشّح على احتمالاتٍ سيئة وصعبة حيث لا توجد أيّة قوات للجيش السوري في المنطقة، حتى لو رغبت المجموعات الكردية بالعودة الى حضن الدولة والتعاون معها كما يحصل في القامشلي والحسكة، وبالتالي فإنّ وضع عين عرب سيكون صعباً رغم توافد مئات المقاتلين الأكراد من الجانب التركي للمساعدة في القتال، في حين أنّ الجيش السوري لن يكون في وضعٍ يجعله يضع ثقلاً نارياً أو لوجستياً تحتاجه قواته في أماكن أخرى من سورية لسببين اثنين وهما:
1- ليست هذه المعركة معركة مباشرة للجيش السوري، حيث يمكن تصنيفها بين جماعات تشترك بالعداء للدولة السورية.
2- صعوبة نقل قوات سورية تابعة للجيش حتى لو تغير الموقف السياسي للأكراد.
ويبقى أنّ ما تقوم به داعش هو تحت العين التركية التي ترتبط بداعش إرتباطاً وثيقاً في كل النواحي وأهمها الجانب الإقتصادي، وسيطرة داعش على هذا الشريط ربما تشكّل للأتراك حافزاً كبيراً لضمّ مناطق سيطرة داعش لها بحسب مخطط التقسيم الذي تسعى اليه أميركا والغرب، إضافةً الى أنّه إجراءٌ تقوم به داعش استباقياً بعد معلومات عن إمكانية تحشيد الأكراد الى جانب الجماعات المسلّحة الأخرى التي تسعى أميركا لتدريبها وتسليحها وزجّها بمواجهة داعش.
في كلّ الأحوال فإنّ ما يجري في عين عرب ومحيطها هو تصفية حسابات بين مجموعات تشاركت العداء للدولة والجيش في سورية، وتصبّ في خانة الصراع الإقليمي والدولي الذي يخدم أميركا وحلفاءها، ولا يمكن إعتباره أكثر من مدخل للعديد من الأمور ومنها إعادة خلط الأوراق والإصطفافات.