من ستوكهولم إلى بروكسل، تعزيز عضوية تركيا الأخوانية في الناتو ..بقلم : المحامي أحمد طارق قلعه جي

من ستوكهولم إلى بروكسل، تعزيز عضوية تركيا الأخوانية في الناتو ..بقلم : المحامي أحمد طارق قلعه جي

تحليل وآراء

الأحد، ٢١ سبتمبر ٢٠١٤

يثير الأداء التركي الملتبس اليوم الكثير من التساؤلات حول حقيقة الدور المستقبلي الذي سيوكل إليها ضمن الجيوبوليتيك الذي يُعمل على تشكيله أميركياً وغربياً وعربياً، فهي من جهة تشارك في مؤتمر ويلز لحلف شمال الأطلسي بوصفها عضواً في الحلف وفي مؤتمر جدة الأخير للحرب على الإرهاب، وشاركت أيضاً في اجتماع باريس الذي أرادت فرنسا من خلاله إيجاد دور مواز للولايات المتحدة في المنطقة، ومن جهة أخرى ترفض تركيا الدخول في حرب على تنظيم داعش وتستقبل قادة الأخوان المسلمين المبعدين من قطر فتثير زوبعة من الغبار في علاقاتها مع السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي ومصر التي تنظر بعين الريبة لكل دولة تدعم الأخوان المصنفين كمنظمة إرهابية. فتتقارب بذلك من واشنطن التي لم تلفظ الأخوان ورغم ما ثبت في التقارير أنّ حزب العدالة والتنمية ورجب طيب أردوغان هو الأب الروحي لتنظيم داعش إلا أنّ تركيا اليوم تعلن عن احتمال فرض منطقة عازلة على حدودها الجنوبية للحد من خطر تمدد داعش داخل تركيا، لكن معسكرات داعش موجودة في غازي عنتاب وهاتاي وفي كل تلك المناطق الحدودية، لهذا لابد من الحديث عما تريده تركيا وما يريده الغرب منها في الحاضر والمستقبل ولأي سبب تغاضت الأمم المتحدة عن جرائمها المثبتة والمدانة وفق قرارات الأمم المتحدة وآخرها القرار 2170 الصادر عن مجلس الأمن. الهدف بالتأكيد تكشف وحتى قبل انعقاد مؤتمر الناتو في ويلز، كانت الرسالة واضحة بكلام سونر كاجنتاي في مقاله لمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى ومفادها أنّ على تركيا أن تنخرط في الحلف الأطلسي وأنّ هذه هي الفرصة التاريخية للقيام بهذا العمل للتعويض عن فشلها في لعب الدور سابقاً، يقول كاجنتاي: تورطت أنقرة في الحرب السورية، حيث فتحت تركيا 510 أميال من حدودها الطويلة لدعم المتمردين، وتتدخل تركيا أيضاً في السياسة العراقية فتدعم الأكراد ضد الحكومة المركزية في بغداد، ودعمت أنقرة الأخوان المسلمين في ليبيا وسورية ومصر على أمل تحويل هذه الأصول إلى وكلاء أنقرة لنفوذها في الشرق الأوسط. لكن هذه المناورة كان لها نتائج كارثية، تركيا اليوم متورطة في سورية بحرب دون أفق، وفشلت سياسة أنقرة في دعم الأكراد في العراق أيضاً، تركيا فقدت اليوم كل سبل الوصول إلى منطقة الشرق الأوسط وتغلق حدودها مع سورية والعراق. كما أنّ العلاقات التركية المصرية متوترة بسبب دعم أنقرة للأخوان المسلمين ولأجلهم أصبحت تركيا مكروهة سعودياً، كما أنّ علاقات تركيا مع إيران تشهد توتراً وتراجعاً في قاعدة " لا صراع " السائدة منذ فترة طويلة بين البلدين، إضافة إلى تأثر العلاقات التركية– الإسرائيلية لدعم أنقرة حركة حماس، وبالتالي على أنقرة التي أفقدها أردوغان إرثها الكمالي أن تعود للانخراط في الحلف الأطلسي والتعاون مع حلفائها السابقين الولايات المتحدة والأوروبيين وفي هذه الأوقات بالتحديد. في المقابل ليست هي المرة الأولى التي تنظر فيها تركيا إلى هذه الدعوات بعين الريبة وتحاول انتهاج سياستها الخاصة مع إيجاد تقاطعات عدة تحافظ على علاقتها مع الغرب والولايات المتحدة من جهة وبين النواة الأساسية لطموحاتها الخاصة، عودة تركيا كإمبراطورية إسلامية مسيطرة على المنطقة. ولأنّ هذا الحلم لا يتفق مع التحالفات الأميركية الحالية المطروحة، فإنّ لتركيا رأياً آخر في التحالف الذي دعا إليه باراك أوباما ذي الثلاثة اتجاهات، محاربة داعش في العراق وسورية أولاً ومحاصرة روسيا ثانياً وإسقاط سورية ثالثاً. وإن كانت تركيا راغبة في ثانياً وثالثاً إلا أنّها تقف على مسافة من الاتجاه الأول لأنّه لا يتناسب مع توجهها الحالي وربما مع قدراتها. لذلك لم تكن زيارة جون كيري إلى أنقرة موفقة، فالحرد التركي مرده إلى تنامي العلاقات الأميركية السعودية والكردية، وإن كان أردوغان قد رحب ظاهرياً بقيام دولة كردستان، إلا أنّه ووفق ما هو ثابت دعم داعش في هجومها على الإقليم والمناطق الكردية في العراق وسورية، وبهذا أضعف من قدرات حزب العمال الكردستاني في تركيا ودفعه إلى سحب جزء كبير من عناصره في تركيا للتوجه إلى العراق وسورية، كما تنظر تركيا إلى السعودية كمنافس يجب تقليص نفوذه خاصة مع إشكالية علاقة النظامين مع الأخوان المسلمين، المحاولات الأميركية على طريق ضم تركيا إلى التحالف ضد داعش لم تتوقف، فالمطلوب من تركيا أمر آخر غير قتال داعش، لأنّ الولايات المتحدة لا تريد القضاء على التنظيم ولا تريد لتركيا أن توقف دعمها له، المطلوب من تركيا أن تنسى مسألة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وأن تعزز عضويتها في الأطلسي كدولة إسلامية كرّست نفسها عرابة للأخوان المسلمين ولتنظيم داعش في وقت واحد، وبالتالي هي الدولة القادرة على قيادة المنطقة في المرحلة القادمة وإخضاع الحركات الإسلاموية تحت عباءتها وإماهة التصادم بين تلك الحركات وبين الأطلسي، الذي ووفق إستراتيجية الحرب الرابعة فإنّ عناصره وقواته لن تدخل في اشتباكات برية مباشرة في المنطقة كما في السابق لإسقاط الأنظمة ولمحاصرة الدول، لكنها ستعتمد على هذه الحركات حتى في التأثير على روسيا والصين وباكستان والهند وأفريقيا، وستعتمد على إشاعة مصطلح الدولة الإسلامية الضعيفة والعاجزة بالنسبة لتنظيم داعش في إتباعها مستقبلاً لتركيا التي ستقابل إعلان إسرائيل كدولة يهودية في المنطقة، وبهذا أيضاً ستحوّل السعودية إلى المرتبة الثانية في الاعتماد الأميركي والأطلسي.
تركيا التي استطاع أردوغان أن يستفيد من التناقضات الحاصلة ومن رعايته للحركات الإسلامية والأخوان في أدلجة جزء هام من المجتمع التركي لمحاربة العلمانية الأتاتوركية والأكراد في آن واحد، استطاع النجاح في الانتخابات كخطوة نحو حلمه في إعادة دولة السلاجقة، لكن مباركة الغرب لهذا التوجه محكومة بالانصياع مجدداً إلى الأطلسي وإثبات فاعلية عضوية تركيا في خدمة الحلف ليس في المنطقة فقط، وإنما في الحرب المقبلة مع روسيا والصين، لكن أردوغان لن يحلم في دخول عتبة الاتحاد الأوروبي فقد حُجم وضعه باعتباره الدولة الوظيفية الجديدة في المنطقة كبديل عن السعودية. ينظر المراقبون إلى الوضع الداخلي التركي باهتمام، هل يمكن لأردوغان الذي يجعل بلاده اليوم خزاناً للإيديولوجيا المتطرفة أن يحقق حلمه وأن يقضي على العلمانية بشكل تام؟ وما هي تداعيات ذلك على مجتمع قابل للانفجار في أية لحظة بسبب التناقضات العميقة التي أصابت المجتمع التركي؟ هناك شبه إجماع على أنّ تركيا لن تكون في مأمن من التشظي والانقسام على نفسها كأثر ارتدادي لا مفر منه.