الحاسة السادسة.. د. اسكندر لوقـا

الحاسة السادسة.. د. اسكندر لوقـا

تحليل وآراء

الأحد، ٢١ سبتمبر ٢٠١٤

منذ أن كنا طلاباً في مراحل دراستنا الأولى ونحن نعلم بأنّ للإنسان خمس حواس رئيسة هي حاسة النظر، السمع، الشم، الذوق، اللمس. فإذا فقد الإنسان حاسة النظر لما أمكنه تخطي الحفر أمامه وخصوصاً إذا كان يسير وحيداً وعلى أرض تحفل بحفرة هنا وحفرة هناك. وإذا فقد السمع ربما أصيب بمكروه لأنّه أراد الانتقال من رصيف إلى رصيف مقابل ولم يسمع صوت عجلات سيارة مسرعة يقودها شاب أرعن يتحدث بالهاتف كأنه يقود طائرة. وإذا فقد حاسة الشم ربما أصيب بإغماءة وهو مستلق على مقعده أو في فراشه في منزله ولم يستشعر الرائحة المنبثقة من جرة الغاز التي أصيبت بعطل طارئ وكانت سبباً في وفاته. وإذا فقد حاسة الذوق فإنّه لن يهنأ بتناول طعامه لأنّه لا يستطيع التمييز بين الحار والبارد بين الحلو والحامض وهكذا. وإذا فقد حاسة اللمس، فإنّه قد يعرض نفسه للسعة إناء أو أي شيء آخر يؤدي إلى إصابته بحرق من الدرجة الثانية أو الثالثة يجعله يلجأ إلى الطبيب المختص أو المستشفى لمعالجة حروقه.
ولكن ماذا عن الحاسة الأهم؟ الحاسة التي نسميها بالحاسة السادسة التي تنبئ صاحبها برؤية شخص ما ساعة تخيل شكله ولم يكن يتوقع رؤيته، وماذا عن تلقيه اتصالاً هاتفياً من أحد معارفه في اللحظة التي فكر فيه؟ وماذا عن حوادث مماثلة تتصل بهذه الحاسة التي هي جزء منه كما باقي الحواس التي يملكها؟
إنّ فقدان هذه الحاسة هي الخسارة الحقيقية التي تصيب الإنسان، وإذا ما فقدها صار يعرف بأنّه إنسان متمسح (مثل جلد التمساح)، أي لا حس ولا من يحزنون.
وفي وقتنا الراهن على سبيل المثال، أحياناً يلاقي أحدنا أناساً يسعون إلى اقتناص الفرص الناتجة عن أوضاع البلد الحالية الصعبة، فيسعون إلى أكل الحصرم حتى يضرس أبناء وطنهم، وإلى ذلك لا يشعرون بما يعاني منه هؤلاء فيزيدون الطين بلة كأن اقتناص الفرص شطارة في حين هي، على الأرض، عنوان جشع لا يوصف بأقل من أنّه ظاهرة تبعد صاحبه عن مفهوم البشر، وبالتالي تقصيه إلى عالم الغابات حيث القوي يأكل الضعيف، وليس من أحد يردعه.
في حال فقد الإنسان حاسته السادسة التي تقوم مقام البوصلة في سياق تحديد مساره وصولاً إلى هدفه المنشود، من الطبيعي أن يضع نفسه في مربع المنبوذين في بيئته وبين معارفه. عندما يفقد الإنسان إحساسه، لا يمكنه التعايش مع من يملك الشعور بأنّه الجزء لا الكل في بيئته، ومع مرور الوقت لابد أن يفتقد إنسانيته في ذاته قبل أن يفتقد ذاته بين أقرانه. إنّ الإحساس بالآخر ينمي لدى الإنسان الشعور بإنسانيته وغيريته لا بأنانيته إلى درجة إصابته بمرض الانفصام كما هو حال البعض ممن يقفون في صفوف تجار الأزمات وأغنياء الحروب.
iskandarlouka@yahoo.con