كلام في السياسة | داعش لبنان: مشاهدات وتقارير

كلام في السياسة | داعش لبنان: مشاهدات وتقارير

تحليل وآراء

السبت، ٢٠ سبتمبر ٢٠١٤

يروي شاهد عيان، عابر للحدود اللبنانية السورية عند نقطة المصنع قبل أيام، أن طابوراً من الباصات الكبيرة كان يدخل أمامه من سوريا إلى الأراضي اللبنانية. لفته أن الباصات تحمل لوحات تسجيل سورية عائدة إلى محافظة الرقة. كان بعض ركاب تلك الباصات يترجلون منها ويمشون صوب مراكز العبور، في انتظار وصول باصاتهم إليها. كان معظمهم من الرجال. وكان بعضهم ملتحياً. بادر الرجل إلى محادثتهم. سألهم من أي منطقة سورية يأتون. فأجابوه بصراحة: من الرقة. من عاصمة خلافة البغدادي.

سألهم كم استغرقت رحلتهم. فأشاروا إلى أنهم أمضوا نحو 48 ساعة على الطريق. بين التفاف على صحراء وتجنب نقاط غير آمنة وتوسل طريق صالحة للمرور. فاستوضحهم: وكم تستغرق الرحلة بين منطقتهم وبين الحدود السورية مع تركيا، فكان جوابهم بوضوح: بضع ساعات فقط. لماذا اخترتم إذن الطريق الأبعد والأكثر مسافة للجوء إلى لبنان بدل تركيا؟ ليأتيه الرد مباشراً: هنا أفضل!
يكمل شاهد العيان روايته، يقول إنه منذ بدأت الاستعدادات الإعلامية والدبلوماسية للحرب الأميركية الغربية على "داعش"، انطلقت حملة نزوح جديدة وكثيفة من مناطق سيطرة هذا التنظيم الإرهابي، وخصوصاً في اتجاه الأراضي اللبنانية. من جهة أخرى، يؤكد بعض هؤلاء النازحين، أنه بعد الغارة الغربية الأولى على مناطق سيطرة الإرهابيين في شمال غرب العراق، اختفى الوجود الداعشي في الرقة نفسها، كما في العديد من مدن سيطرة "داعش". قيل في المدينة إنهم أعادوا انتشارهم. قيل أيضاً إن قسماً كبيراً من المسلحين انتقل إلى مراكزه القتالية. قيل كذلك إن إرهابيي "الخلافة" اندسوا بين السكان واندمجوا في المحيط المدني. وقيل أيضاً إن قسماً منهم انتقل إلى مناطق أخرى.
مهما تكن صحة الروايات ودقة الوقائع، تعتقد جهات سياسية لبنانية متابعة للملف، أن إرهابيي "داعش" يستمرون في التدفق إلى لبنان. وأن خطوط نقلهم وانتقالهم بين الرقة، وبالتالي بين خلافتهم في غرب العراق وشرق سوريا، وبين شمال شرق لبنان، لا تزال مفتوحة. كل التواصل متاح على تلك الدروب. الأشخاص والسلاح والذخائر، وطبعاً عتاد العنف ومخزون الحقد وحوافز القتل الوحشي.
في مقلب آخر بعيد جداً عن دولة "داعش"، يتحدث الغربيون عن مشروع حرب ضد «حشاشي» شيخ الجبل الجديد. حرب لم يتحدد في عواصم الغرب بعد موعد بدايتها. بعضهم يتوقعها وشيكة. بعض آخر يريدها فوراً. بعض ثالث يفضل أن تُعلن بعد قرار من مجلس الأمن، وأن تحمل رقماً مميزاً تحت رقم الفصل السابع الشهير. لكنهم جميعاً يعرفون موعد نهاية تلك الحرب. أو على الأقل يتوافقون حول آجالها. إنها حرب لأعوام طويلة. حرب لعقد آت ربما. حرب حددت أهدافها العسكرية على نحو غامض: غارات جوية على مراكز «داعش»، لكن أهدافها السياسية محددة على نحو أكثر غموضاً: هل هي لاحتواء ذلك التنظيم؟ أم لاستئصاله؟ أم لإضعافه والاستمرار في استخدامه؟ أم لإعادة رسم حدود دولته المقدر لها أن تعيش طويلاً؟ ام لمجرد حماية الخطوط الحمر الغربية التي تخطاها الدواعش في نشوة دهسهم للدول والحدود والرؤوس؟
قبل أيام قيل كلام اسرائيلي عن أن الممنوع هو وصول «داعش» إلى الأردن. وكل يوم ثمة همس من صوب العارفين بنيات اسرائيل، عن شريط عازل بات منجزاً في جوار القنيطرة. بزعامة إسلاميين لا يختلفون عن الدواعش، إلا بالإمرة الخليجية الصغيرة المعروفة. شريط احتياطي استباقي لفوضى داعشية قد يفجرها الغرب في كل المنطقة، وقد تتفجر وتتوالد وتتوالى.
بين حرب دولة «داعش» الواقعة بين دولتي العراق وسوريا، وحرب الغرب المقبلة على أجنحة دول الأطلسي بمدى أعوام طويلة، ثمة حرب كبيرة منسية في دولة صغيرة منسية اسمها لبنان. كيف يمكن احتواؤها؟ كيف التصدي لها أو ربحها أو على الأقل عدم خسارتها، من أجل عدم خسارة وطن واستباحة شعب؟ فعلياً، يبدو الموضوع غائباً عن أذهان كثيرين. في التقارير المحظورة تعلو لهجات التحذير. يقال إن الخلايا النائمة باتت في كل لبنان. يقال إن بؤراً ثلاثاً باتت مقلقة: بعد عرسال، الشمال بات له "أميره"، والبقاع الغربي يستعد. يقال أكثر إن الشتاء لن يكون فصل الخير هذه السنة، إذا ما استمر السلوك الرسمي والحكومي على هذا النحو. شتاء عرسال ينذر بمعركة. وشتاء كل القرى الجبلية يسكنه الرعب منذ اللحظة. بعض رؤساء البلديات في المناطق المرتفعة، رفعوا تقارير إلى جهات سياسية، تفيد بأن عدد "النازحين" في بلداتهم بات أكبر بكثير من عدد سكان تلك القرى والبلدات في فصل الشتاء. في إحدى القرى الكسروانية ثمة 600 نازح، فيما شتاؤها لا يؤنسه أكثر من مئتي مواطن من ابنائها في بيوتهم. ماذا لو كان بين هؤلاء مسلحون؟ قد يكون سيناريو شمال الغرب العراق أكثر تلقائية وهدوءاً وانقلاباً ابيض، قبل أبيض الثلج حتى...
ويقال أيضاً، إن الجيش قادر حتى الآن على الحسم. لا يلزمه إلا قرار سياسي وطني ميثاقي جامع. قرار لا يلزمه إلا سلطة لبنانية مكونة على هذا الأساس. فهل تكون قبل الشتاء، أم تأتي العاصفة صوب الفراغ، كما في كل طبيعة؟!