الجيش السوري يصوّب منجل عزرائيل على تجمعات المسلحين..الهيبة الأميركية مهددة في سورية والقبعات الزرق تكشف شراكة المعارضة مع إسرائيل

الجيش السوري يصوّب منجل عزرائيل على تجمعات المسلحين..الهيبة الأميركية مهددة في سورية والقبعات الزرق تكشف شراكة المعارضة مع إسرائيل

تحليل وآراء

السبت، ٢٠ سبتمبر ٢٠١٤

علي مخلوف
يستمر الرتم العسكري على وقع أقدام الجنود، دوي كبير لسمفونية الموت التي يعزفها سلاح الجو السوري، مصوباً منجل عزرائيل على تجمعات الإرهاب في مناطق عديدة، ضربات مركزة في جوبر وفق استراتيجية لها حساسية خاصة، الطوق سيكتمل على الغوطة فيما الجزيرة السورية باتت الآن مسرح حرب عالمي، الهيبة الأميركية مهددة في سورية، وحلفاء دمشق لن يسكتوا عن أية خروقات، وفي مكان ليس ببعيد حيث رمال آل سعود يتم إعداد ميليشيا بديلة عن "الحر"، أما القبعات الزرق فقد اختفت تماماً عن منطقة الفصل في الجولان المحتل معلنة شراكةً غير قابلة للطعن بين المعارضة والكيان الإسرائيلي، في حين تعيش أنقرة حالياً مزيجاً من نقيضين، نشوة تحولها إلى عاصمة للإخوان المسلمين ومخاوفها من تهديدات داعش التي باتت قاب قوسين منها.
ملحمة العسكر مستمرة
في جوبر تستمر العمليات العسكرية على ذات الوتيرة، بعض المراقبين يصفونها بأنّها ستعتمد على سياسة الإنهاك قبل اقتحامها برياً كما حدث في القصير، والبعض الآخر يرجع حساسية الموقف هناك لقرب جوبر من العاصمة واتصالها بالعديد من القرى، فضلاً عما يُحكى بوجود مدينة أخرى تحت جوبر لكثرة الأنفاق والملاجئ وغرف العمليات المحفورة تحتها، وفي الزاهرة تم حصاد عشرات المسلحين الذين خرجوا فجأة من مجارير الصرف الصحي كجرذان هائمة على وجوهها، لم تأخذ العملية هناك أكثر من ساعات، في دوما ينفذ الطيران السوري غارات دقيقة فتستنفر ميليشيا ما تُسمى جيش الإسلام وتهدد دمشق بالقصف إن لم يتم إخلاء معتقلين ينتمون لها، يتزامن ذلك مع قرب الحديث عن ضربات أميركية ما جعل البعض يعتقد بأنّ أصوات هذه الميليشيا علت الآن مستقوية بالأميركي، دوما في حكم المنتهية بعد جوبر بسبب اكتمال الطوق حولها ما يجعل الضربة قاصمة للنظام السعودي الذي يدعم ميليشيا "جيش الإسلام" على ما يبدو هذا هو السبب الذي يجعل الرياض تسرع في تدريب آلاف المقاتلين على أراضيها وتعمل مع واشنطن على كسب الوقت قبل توجه الجيش العربي السوري نحو دوما، وفي الجزيرة السورية دمرت قوات خاصة من الجيش السوري جسراً حيوياً بدير الزور يستخدمه تنظيم الدولة الإسلامية في نقل الإمدادات إلى المناطق التي يسيطر عليها شرق سورية، يتزامن ذلك مع ضربات جوية مركزة لسلاح الجو السوري على مواقع داعش في الجزيرة السورية، بالمحصلة فإنّ الجيش السوري يدرك أهمية الوقت وأهمية القيام بعمليات استبقاية، وهو لا يدع مجالاً للخصوم من أجل المماطلة لكسب ذلك الوقت، والدليل العمليات الحربية المستمرة والمركزة في العديد من المناطق في آن واحد.
تهديد الهيبة الأميركية في سورية
لم تعتد واشنطن أن يتم تعريض هيبتها لمثل هذا الاختبار والتهديد كما هو حاصل الآن في سورية، كلام صريح من القيادة السورية يحذر الأميركيين من مغبة أية ضربات جوية دون التنسيق مع دمشق، ردة الفعل السورية كانت كصاعقة فاجأت الأميركيين الذين انبروا إلى التحذير من قيامهم بضرب الدفاعات الجوية السورية في حال إسقاط طائرات أميركية.
في هذا السياق نقلت وكالة "رويترز" عن مسؤولين أميركيين، لم تذكر أسماءهم، قولهم إنّه يجب على الرئيس بشار الأسد ألا يتدخل لأنّ الولايات المتحدة تمتلك معلومات جيدة عن مواقع الدفاعات الجوية السورية ومنشآت القيادة والحكم، مؤكدين أنّه في حال أظهر الجيش العربي السوري تهديداً للقوة الأميركية في المنطقة فإنّه سيضع الدفاعات الجوية السورية في خطر!
إذاً الأميركيون الآن أمام موقف محرج للغاية، فهم قد أعلنوا ضمن جعجعتهم الدولية أنّهم لن يتوانوا عن ضرب داعش في كل مكان لاسيما في العراق وسورية، الأخيرة هددت وحذرت من خرق سيادتها، الأميركيون عليهم أن يختاروا إما أن يتورطوا أكثر في الرمال المتحركة السورية أو أن يعيدوا حساباتهم بما يحفظ ماء وجههم، تخيلوا الجلجلة التي ستحدث إن تم إسقاط طائرات أميركية في سماء سورية، هل ستنفذ واشنطن تهديدها باستهداف الدفاعات الجوية؟ ماذا سيكون رد فعل موسكو عندها؟ ألم تفكر أميركا بأنظمة الدفاع الجوية الروسية المتطورة التي باتت موجودة في سورية؟ وهل تستطيع أميركا في هذا التوقيت تحمل اشتعال المواجهة مع الروس نتيجة ذلك؟ أليست الأولوية لديهم هي لحرب داعش؟ إن حصل ذلك كم سيؤثر ذلك على ما خططت له واشنطن بالتنسيق مع حلفائها؟
ميليشيا بديلة عن الحر قريباً
على الرغم من كل تلك الجماعات المدعومة بالمال والسلاح والمقاتلين والعتاد والغطاء السياسي لم تستطع أميركا وحلفاؤها العرب أن يحققوا ما كانوا يصبون إليه، مرض الشرذمة تفشى كالطاعون بين تلك الميليشيات، الحر لم يعد موجوداً إلا ضمن شراذم ومجموعات متفرقة ومتباعدة، وميليشيا جيش الإسلام اتخذت من دوما إمارة لها، أما النصرة فهي تارةً عدوة لجهة وتارةً حليفة لها، أسماء كثيرة، وقد اختلط الحابل بالنابل ولم تعد لدى كل من واشنطن والرياض تلك القدرة للسيطرة عليها كما يجب، فكان لابد من إنشاء ميليشيا جديدة تكون بديلة عن "الحر" لكن أكثر تنظيماً ومضمونة الولاء وغير قابلة للتفكك، ضمن هذا السياق أعلن المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية العقيد ستيف وارن بأنّ خطة أميركية قد بدأ تنفيذها بالتعاون مع النظام السعودي وتتضمن تدريب الآلاف من المقاتلين "السوريين" على أراض سعودية، وأضاف ستيف بأنّ تدريب هؤلاء سينقسم إلى ثلاث مراحل، أولها تدريبهم على مهام الأمن لحماية المناطق المحيطة بهم، والمحافظة والدفاع عن المناطق التي سيتم تحريرها من قبضة داعش، وثانيها تدريبهم على مهام هجومية لزيادة الضغط على داعش والدولة السورية، وأخيراً سيتم تدريب هذه العناصر على مهام تتعلق بمكافحة الإرهاب!
من كلام المسؤول الأميركي يتبين أنّ المخاوف من قيام واشنطن استغلال حربها على داعش في محاولة لقلب ميزان القوى في سورية، هي مخاوف مشروعة، إذ ما معنى تدريب هؤلاء المسلحين على شن هجمات لمواقع تابعة للجيش السوري بالتزامن مع قيام حرب أميركية على داعش في سورية، هذه الحرب لن تكون بطبيعة الحال لوقت قصير بل قد تمتد لسنوات، ثم ما معنى حماية المناطق المحيطة بهم؟ هل يعني ذلك التمهيد لإقامة مناطق عازلة أو آمنة تحت غطاء نيران أميركية كثيفة ستمكّن هؤلاء عما عجزوا عن تحقيقه خلال السنوات الماضية؟
البعض يرى بأنّ النظام السعودي يدرب هؤلاء الخمسة آلاف من أجل حمايته ضد أي اعتداء محتمل قد يقوم به مقاتلو داعش، لاسيما بعد الحديث عن تهديد داعشي لمكة وغيرها، هذا بعيد عن المنطق باعتقادنا، إذ إنّ أرض الحجاز المحتلة من قبل النظام السعودي باتت تُعتبر كإحدى الولايات الأميركية وهي خط أحمر لواشنطن لن تسمح بوقوعها في أيدي هؤلاء، يتقاطع ذلك مع وجود معلومات تفيد بأنّ أميركا قد استجلبت قوات كوماندوس محترفة ترابط الآن في السعودية تحسباً لأي تهديد قد يطيح بمصالحها وبعرش آل سعود في آن واحد.
سر اختفاء القبعات الزرق
أعلن ستيفان دوجاريك المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة أنّ عناصر القوة الخاصة بفض الاشتباك بين الجيش السوري وجيش الاحتلال الإسرائيلي تم نقلهم إلى الشطر الآخر من الجولان الذي تحتله إسرائيل، والسبب في مغادرتها هو هجوم من قبل مسلحين معارضين في المنطقة.
إذاً فإنّ منطقة الفصل في الجولان السوري المحتل باتت تسيطر عليها الآن الجماعات المسلحة المنتمية لما تُسمى بالمعارضة، الأمر الذي ينسف كل الأكاذيب التي روجها أساطين تلك المعارضة من إسلامويين وليبراليين وغيرهم من أنّ إسرائيل هي العدو التالي وأنّ الأولوية الآن للنظام!
بوصلة المعارضة لا تشير إلا إلى عدو واحد هو الدولة السورية ولن يكون لها أي أعداء بعد ذلك، إذ كيف تسمح إسرائيل لتلك الجماعات بالسيطرة على منطقة كهذه وفي ذات الوقت تقدم لهم تغطية نارية وتساعدهم بقصف مواقع تابعة للجيش العربي السوري! أليس ذلك تحالفاً وشراكة غير قابلة للطعن والتشكيك بين تلك الجماعات والكيان الإسرائيلي، أساساً لم يمض أيام على زيارة المدعو كمال اللبواني إلى الكيان الصهيوني حتى تبادر تل أبيب للاستجابة إلى استغاثاته بنصرة جماعته المعارضة الحاملة للسلاح تحت رايات سماوية كاذبة! وقبل كل ذلك لم يُمحَ بعد كل ذلك الحبر الذي وثّق قيام المستشفيات الإسرائيلية بتقديم الطبابة لجرحى المعارضة، ولم ينسَ السوريون مشاركة كل من بسمة قضماني في إحدى المحاضرات المقامة ضمن الكيان الصهيوني، ولن يغيب بعد عن الأذهان أيضاً المقابلات التي أجراها كل من برهان غليون ومحمد طيفور مع صحف إسرائيلية أبرزها يديعوت أحرونوت.
بالعودة إلى أسباب اختفاء القبعات الزرق نعتقد بأنّ إفساح مجال للجماعات المسلحة من أجل البدء بعمليات ضد مواقع للجيش العربي السوري بالتزامن مع الضربات الجوية الأميركية على تجمعات داعش هو الأساس، يُضاف إلى ذلك حصول المسلحين على هامش أكبر من أجل الحركة مع توفر غطاء ناري إسرائيلي لهم، وإمكانية سيطرتهم على مناطق في القنيطرة بما يفسح المجال أمامهم للعمل بأريحية أكبر من أجل استهداف العاصمة فضلاً عن تأمين منطقة شبه عازلة يمكن أن يتم من خلالها إدخال أعداد جديدة من المسلحين أيضاً.
تركيا بين داعش والأخوان
بعد فوز رجب طيب أردوغان برئاسة تركيا والحديث عن محاولاته في تعديل الدستور من خلال توسيع صلاحياته كرئيس، هاهي أنقرة تستفيد مجدداً من المتغيرات الإقليمية فالقطري لم يعد مرغوباً كما كان قبل سنتين وأكثر، والأخوان باتوا عبئاً ثقيلاً لا يمكن لتلك المشيخة الصغيرة تحمل تكاليفها الباهظة لاسيما ضمن محيطها الخليجي المعادي لمدرسة سيد قطب وغيره، لذلك فقد تبرعت أنقرة أن تكون الملجأ الأخير لقيادات الأخوان المطرودة من الدوحة بهذا يكون قد تحقق لأردوغان حلم تحويل أنقرة إلى مركز تجمع إقليمي لكل أخوان المنطقة المنبوذين في الدول العربية، فهل ستستفيد تركيا من وجودهم لديها؟ بالتأكيد نعم لكن هل سيكون ذلك من خلال تشكيل ميليشيات مسلحة تابعة لهم يوكل إليها حماية الحدود التركية ومواجهة داعش التي باتت تهدد الأتراك أيضاً؟ فقد ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية أنّ ما يقارب ألف تركي انضموا إلى تنظيم "الدولة الإسلامية"، مشيرة إلى أنّ تركيا هي واحدة من أكبر مصادر المقاتلين الأجانب لهذا التنظيم المتطرف، وفي ذات السياق أيضاً نقلت وسائل إعلام تركية عن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قوله "إنّ الجيش التركي يعد خططاً لاحتمال إقامة منطقة عازلة" على الحدود الجنوبية للبلاد في مواجهة تهديد متشددي تنظيم الدولة الإسلامية في كل من العراق وسورية".
بلا شك سيكون الأخوان ورقة لعب باليد التركية، لكن ما مدى ارتباطها بلعبة الحرب على داعش هذا ما ستجيب عنه الأيام القادمة.
المجهر السياسي
أكد قائد الحرس الثوري الإيراني اللواء محمد علي جعفري أنّ الدعم الأميركي للمعارضة السورية لن يغير المعادلات على الأرض لأنّه لم ينقطع طوال الأزمة، كاشفاً أنّ مهمة فيلق القدس في الحرس الثوري هي خارج الحدود الإيرانية وتختصر بدعم الشعوب المظلومة والمستضعفة ودعم المقاومين في دول مثل لبنان وسورية والعراق، مضيفاً أنّ للفيلق دوراً في نجاح هذه الشعوب وصمودها من خلال تدريبها ونقل الخبرات العسكرية لها وتقديم الاستشارات والنصائح.
كلام جعفري هو بالتأكيد رسالة مباشرة موجهة للمحور الخصم (الغربي ـ الأعرابي) هذا الاعتراف ليس بجديد إذ إنّ الأنظمة المعادية لسورية وحلفائها لطالما أشارت إلى دور هذا الفيلق وحياكة القصص حوله، لكن الإشارة الصريحة هذه المرة إلى فيلق القدس وقبل بدء الحملة العالمية على داعش ووجود تهديد أميركي لسورية له معنى هام، قد يُفهم منه بأنّ الفيلق سيكون متواجداً بقوة على الأراضي السورية لمحاربة داعش أيضاً والذود عن الحليف السوري الوثيق.
...
أعلن رئيس مجلس الدوما الروسي سيرغي ناريشكين أنّ الولايات المتحدة والدول الحليفة لها تدفع العالم إلى حافة "حرب باردة" جديدة، مشيراً إلى أنّ قمة الناتو الأخيرة أدت إلى تفاقم الوضع في أوكرانيا، لأنّ تزويد أوكرانيا بالسلاح من دول أعضاء في الحلف سيمثل تدخلاً واضحاً في شؤون أوكرانيا الداخلية ومساهمة في ارتكاب جرائم حرب هناك.
النبرة الروسية الحانقة على أميركا واضحة للغاية وعلى كافة المستويات، مجلس الدوما أحد مراكز القرار الروسي يرى أنّ واشنطن أججت حرباً باردة جديدة بدأت من البوابة السورية واستعر زمهريرها من البوابة الأوكرانية، هذا الاستياء الروسي لن يبقى بطبيعة الحال ضمن الرد السياسي والدبلوماسي بل سيُترجم إلى خطوات فعلية على الساحتين السورية والأوكرانية.