مورك تنتظر دورها..

مورك تنتظر دورها..

تحليل وآراء

الجمعة، ١٩ سبتمبر ٢٠١٤

 تشهد العديد من الجبهات في سورية هذه الأيام عملياتٍ نوعية وواسعة، فالجيش السوري يُحرز تقدماً كبيراً في الحسكة والقامشلي من خلال السيطرة على العديد من القرى بهدف تعزيز نطاق السيطرة وقطع طرقات إمداد "داعش" هناك، كما أنّ جبهة الغوطة الشرقية تشهد معارك ضارية خصوصاً في الدخانية وجوبر، جوبر التي أصبحت بحكم الساقطة عسكرياً بعد سيطرة الجيش العربي السوري على برج فتينة وهو أعلى بناء كان يستخدمه المسلحون في عمليات القنص والقصف بالأسلحة المباشرة، الاّ أنّ ما يجري في جبهة ريف حماه يذكرنا بنفس الزخم الذي رافق معارك حلب، حيث تحقّق وحدات الجيش السوري تقدماّ كبيراً، وآخرها اليوم بعد تثبيت الجيش السوري سيطرته على: كفرهود، التريمسة، الجلمة، مزارع ابو رعيد، الروضة، العزيزية وجبين بالإضافة الى تل ملح وهو نقطة هامّة واستراتيجية.
وعلى ما يبدو فإنّ جبهة ريف حماه ستكون الأكثر حسماً في القادم من الأيام، نظراً للإنقلاب الجذري الذي حصل فيها خلال فترة زمنية قصيرة.
فالناظر الى خرائط السيطرة الجديدة يدرك أنّ ما حقّقه الجيش السوري في ريف حماه هو إنجازات كبيرة ستسرّع في حسم المعارك القادمة، فمن وضعٍ حرجٍ كانت فيه الجماعات المسلحة تهدّد مدينة محردة ووصول هذه الجماعات الى أماكن تهدد قدرة استمرار مطار حماه بالإستمرار بعمله، الى وضعٍ معاكسٍ تماماً سقطت فيه بيد الجيش السوري كل من حلفايا وطيبة الإمام وتل الناصرية والعديد من القرى كان آخرها ما ذكرته أعلاه.
وأهمية القرى التي سقطت بيد الجيش السوري اليوم أنها تتيح له إمكانية القيام بالمناورة والإلتفاف وتحجيم النطاق الجغرافي الذي تتحرك فيه الجماعات المسلحة، إضافةً الى إتاحة الفرصة للجيش السوري أن يحشد قواته بزخمٍ أكبر على اتجاهات الهجوم القادمة.
لم يعد هناك شكٌّ أنّ الجيش السوري بات على وشك التقدم من ثلاثة إتجاهات هجوم رئيسية قد تكون في وقتٍ واحد بهدف المناورة وتشتيت قوة الجماعات المسلحة، وقد تكون من اتجاهٍ واحد أو إثنين، وهذا أمر بالتأكيد تقرّره عمليات الجيش السوري بحسب الوضع الميداني التفصيلي.
في العناوين الرئيسية لم يتبقَّ للجماعات المسلحة سوى ثلاثة مواقع كبيرة وهي اللطامنة وكفرزيتا ومورك، تشكّل كفرزيتا المعقل الأكبر بينها من حيث العديد البشري أو التسليح، وأيضاً لوجود أغلب مراكز القيادة والمستودعات الرئيسية والمراكز الإعلامية ونقاط الإخلاء الطبي، ومن هنا تبدو كفرزيتا برأيي الهدف القادم لقوات الجيش العربي السوري، وفي حال تم إختيار مورك كهدف رئيسي لإعتبارات وقوعها على الطريق الدولي فستجري الأمور بشكلٍ مختلف، إلّا أنّ اللطامنة ستكون في الحالتين الممرّ الطبيعي لقوات الجيش السوري في الحالتين، كونها تقع في منتصف المسافة بين تمركز وحدات الجيش السوري وكل من مورك وكفرزيتا.
وتعتبر مورك من حيث الأهمية الطريق الأقرب والأفضل للوصول الى خان شيخون، ولكن أيّ تقدمٍ سريع بهذا الإتجاه دون تطهير باقي مناطق ريف حماه قد يشكل مخاطرة اذا لم تتم السيطرة على كفرزيتا وكرناز وبعض الجيوب الصغيرة الأخرى بينهما، لإرتباط هذه المناطق بريف ادلب وبخط إمداد يصل الى الحدود مع تركيا.
في الجانب الإستراتيجي للمعركة يمكننا أن نقول إنّ الجيش السوري بات يتحكم بمفاصل الميدان في ريف حماه وما بعد ريف حماه، فالجيش الذي يسيطر أساساً على جبل زين العابدين شرق قمحانة وهو أعلى نقطة في المنطقة تشرف بالنظر الى خان شيخون شمالاً وكل الريف الغربي وصولاً الى سلسلة جبال اللاذقية، ومن جبل زين العابدين استطاع الجيش السوري أن يؤمن قدرات القيادة والسيطرة النارية والتحكم بوحداته المتقدمة، إضافةً الى أنّ السيطرة على مساحات واسعة من الجغرافيا بما فيها تل الناصرية وتل ملح التي تؤمن حالياً قدرات السيطرة التكتيكية لأي هجوم قادم سيكون بإتجاه المحاور الأساسية الثلاثة كرناز – كفرزيتا – مورك والتي تشكل اللطامنة بالنسبة لها نقطة تحكم وإنتقال.
وقد سبق هجمات اليوم مرحلتان من الهجوم كانت بدايتها التقدم الى أرزة وبعض القرى، فيما كانت الموجة الثانية من الهجوم بإتجاه تل الناصرية وحلفايا أطلقت عليهم قفزة النمر الأولى وقفزة النمر الثانية، وها نحن نشهد اليوم القفزة الثالثة، فهل سنشهد قفزات أخرى وكم سيكون عددها؟ الجواب بالتأكيد مرهونٌ بتطورات الميدان والحسابات العسكرية الدقيقة وحجم القوى والقدرات.
كما أنّ عزل ما يجري في ريف حماه عن باقي المناطق وخصوصاً في ريفي حلب وحمص أمرٌ ينافي ما تخطط له القيادة السورية، التي يبدو واضحاً لها أنّ العمليات التي ينفذها الجيش السوري هي عمليات مترابطة تستهدف إعادة بسط سلطة الدولة على كامل أراضيها وهذا ما يبدو واضحاً من خلال سير العمليات.
وعلى رأس أولويات القيادة العسكرية، يبدو واضحاً إتجاه وحدات الجيش نحو حسم معركة الطرق الرئيسية والتلال الحاكمة، التي يتخلّلها الكثير من المعارك داخل القرى والمدن والشوارع المليئة بالأنفاق والعبوات الناسفة والكمائن والقناصة، وهي أنواع من القتال تنهزم فيها أكبر الجيوش وهو عكس ما يحصل في سورية مع الجيش العربي السوري الذي يتجاوز كل هذه المشاكل بعدد قوات أقل من عدد الجماعات المسلحة، رغم أنه يحتاج نظريًا لثلاثة أضعاف قوتها للتغلب عليها وإلحاق الهزيمة بها.
ختاماً: إنّ التعجيل في إنهاء معركة ريف حماه سيتيح للجيش السوري تطوير هجماته في أماكن أخرى من سورية، خصوصاً أنّنا على مشارف مرحلة إقليمية ودولية ستتّسم بالتعقيد وقد تكون بداية للدخول في مفاوضات شاملة لخلق تسويات ما، أو ممرًا لمرحلة من المواجهات الكبيرة في ظلّ صراعٍ حسم فيه الجيش السوري الشق الإستراتيجي من المعركة، وعليه يمكن إعتبار حسم معركة ريف حماه المدخل الى إنهاء مرحلة المعارك الكبرى خصوصاً أنّ من يراقب الجبهات يعلم أنّ حسم المعارك يسير بخطى متسارعة في كل المناطق السورية مع تثبيت بعض الجبهات على ما هي عليه للعديد من الإعتبارات.