الوطنية في المغترب.. بقلم: سامر يحيى

الوطنية في المغترب.. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الجمعة، ١٩ سبتمبر ٢٠١٤

العين بعد فراقها الوطنا                     لا ساكناً ألفت ولا سكنا
يا موطناً عبث الزمان به                     من ذا الذي أغرى بك الزمنا
عطفوا عليك فأوسعوك أذى                وهم يسمّون الأذى مننا
إنّ الغريب معذّب أبداً                       إن حل لم ينعم وإن ظعنا
كأنما خير الدين الزركلي يعيش بيننا الآن ويرى ما  تمرّ به سوريتنا الحبيبة من امتحانٍ قاسٍ لمدى صبر أبنائها في حمايتها والذود عن كرامتها والحفاظ على أمنها واستقرارها، ويشعر شعور أبناء البلد وهم يرون تكالب الذئاب التي تدّعي حرصها على وطننا وتحقيق حريّة الإنسان والعيش الرغيد عبر تقديم الدعم المادي والمعنوي والسلاح لمن لا يفهم معنى الوطنية والوطن، ولا قيمة الإنسان في الوطن، ولا يؤمن حتى بالديانات السماوية التي يدّعي أنّه يطبّق شريعتها على الأرض. نعم إنّ ما ألمّ بسوريتنا في السنوات الأخيرة كانت له تأثيرات سلبية جمّة ماديّة ومعنوية على كافّة أبنائه دون استثناء ــ لا يعتبر الانتهازي والمنافق ابن الوطن بل هو عدوه الخطر جداًــ واضطرار البعض للخروج بحثاً عن الأمن والاستقرار وهرباً من جحيم سلاحٍ يقدّمه العدو وينفّذ الحُكم الصديق، والبعض الغريب عن الوطن والإنسانية بآنٍ معاً، باسم الحرية والدين، وبالتأكيد خرج البعض تحت التخويف والترغيب والترهيب من قنواتٍ إعلامية وشخصيات لا وطنية، وقد تفاجأ الجميع بأنّ لا كرامة مثل كرامة الشخص في وطنه، ولا عيشَ عزيزاً للمرء إلا في وطنه.
بالتأكيد لا نغفل أنّ المغترب ليس من خرج بالفترة الأخيرة، ولكن اختلفت المعاملة في الدول التي كنّا نظنّها شقيقة أو صديقة بعد الأحداث الأخيرة، ولا ننسى أبناء الوطن، الذين غادروه منذ سنوات طويلة، والبعض منهم ولد وعاش وغادر الحياة وهو في المغترب، وفي بعض الإحصاءات تدلّ على أنّ عدد السوريين خارجها يعادل عدد سكّان سورية لعام 2010، والقسم الأكبر من هؤلاء لديه حس وطني ومستعدٌ لتقديم كل ما بوسعه لمساعدة أبناء بلده، وأثبتت الأزمة الأخيرة ذلك، إذ قدّم الكثير منهم كل ما يستطيعون من أموال واحتواء لأبناء البلد، بغضّ النظر لمن قدّموا المال، لكنّهم بالتأكيد كانوا مدفوعين بحب الوطن وأبنائه، سواءً تأثّروا بالدعايات السلبية والتي سعت لتشويه صورة الوطن وأبنائه، تحت شعارات زائفة وتضليلٍ إعلامي بات واضحاً للجميع، وخاصّة القنوات والدول التي تدّعي أنّها تريد تحقيق "الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان"، والتي تأكّدت الغالبية القصوى أنّ هدفها الحقيقي هو تدمير البلاد العربية بيد أبنائها، وتشويه سمعتهم، وتوسيع الفجوة بينهم لئلا يفكّرون بإعادة توحيد صفوفهم ثانية، واستغلال اقتصاده وثرواته.
وما المشاركة الكبيرة سواء في تقديم الهبات والتبرّعات والمساعدات على الأقل للأقارب والأصدقاء، وصولاً للمشاركة الكبرى في الاستحقاق الانتخابي عام 2014، رغم وقوف الكثير من الدول الديمقراطية في منع السوريين من ممارسة حقّهم بالتعبير عن رأيهم، تحت مبرّرات واهية أثبتت زيف ديمقراطيتهم وادعاءاتهم.
إنّ هذه الأزمة وهذه الظروف تطلب من كل منا، ولاسيّما الجهات المختّصة بالتواصل مع أبنائنا في المغترب، لاسيّما وزارة الخارجية والمغتربين، وهيئة التخطيط والتعاون الدولي بالاستفادة من أبنائنا بالمغترب للمساهمة بشرحٍ أكبر لموقف سورية الحقيقي الذي بات جليّاً للقاصي والداني دقّته ومصداقيته، بغضّ النظر عن الأخطاء الفردية التي تحصل هنا وهناك، وتوسيع دائرة التعاون بين أبناء المجتمع العربي السوري داخل وخارج القطر، للمساهمة الفعّالة في بناء الوطن، بعد أن برهن وجود إرهابيين من دولٍ تدّعي التقدّم والحريّة والحضارة والرقّي، زيف مقولة أنّ سبب الإرهاب هو تخلّف الشعوب وتقصير الحكام، بل أكّدت أنّ الإرهاب ما هو إلا صنيعة جهات استخباراتية غربية صهيونية هدفها تدمير الدول العربية بأيديهم، وتدمير اقتصادها وتشويه سمعة مهبط الوحي والديانات السماوية، ما يتطلّب من كل منا اقتراح أفكارٍ تساهم بتطوير هذا التعاون بين أبناء الوطن أيّاً كانوا من أجل تحفيز إظهار الروح الوطنية الموجودة في صدور الغالبية من أبناء هذا الوطن.
ـ استمرار وزارة الخارجية والمغتربين بالتعاون مع الجاليات في المغترب، وتطوير هذا التعاون بابتكار الأساليب الأكثر نجاعة لصناعة لوبي عربي سوري حقيقي في الخارج لدعم قضايانا.
ـ استمرار البحث والعمل للتوصل إلى طريقة مناسبة لاستقطاب أبناء الوطن في الخارج من المغرّر بهم، وتصحيح أفكارهم المغلوطة عن الوطن والعودة لحضن الوطن، أو المساهمة ببنائه، وعدم السماح لأحد باستغلالهم مادياً وفكرياً وجسدياً، ولو عانى البعض منهم من تصرّفات فردية شخصانية تسيء لمؤسسته قبل أن تسيء للمواطن.
ـ إيجاد الوسيلة الفعّالة بمشاركة نخبة الوطنيين والقادرين على القضاء على ظاهرة التسّول والتجارة اللاأخلاقية التي يقوم بها البعض تحت شعار "مهجّر سوري"، ولا أحد ينكر جهود وزارة الخارجية والمغتربين، ولكن تحتاج لتعاون الجميع، وقيام كل مواطنٍ عربي سوري بالتعاون مع السفارات وعدم رمي المسؤولية عليها وحدها..
ـ التعاون مع الفعاليات الاقتصادية الوطنية في الخارج لتشغيل العمالة السورية المقيمة في تلك البلدان، وعدم جعلهم أدوات بيد عناصر سلبية في الدول المقيمين بها ويستغلّونهم من كافة النواحي، ولا شكّ أنّ هذه العمالة كلّها ستصبّ لصالح الوطن والمجتمع، وخاصّة إن استطاعت إقامة مصانع سورية خالصة في تلك البلدان المقيمة بها..
ـ التعاون لإيجاد مخرجٍ سليم لعملية الهروب غير الشرعي للمواطن السوري الذي خرج مجبراً تحت ظروفٍ معينة بغض النظر، سواءً في الدول التي لنا فيها سفارات، أو التعاون مع الوطنيين المخلصين لسوريتهم، وما أكثرهم في بلدان الاغتراب لتجميع العدد الأكبر من هؤلاء، والحفاظ على كرامة المواطن السوري مرفوعةً، وعدم السماح لأحد باستغلاله تحت أي ظرف، فسورية التي كانت الملاذ لكل محتاجٍ رغم ظروفها القاسية، ستبقى الملاذ للجميع، ولن تعامل الآخرين كما يعاملونهم بل العكس فالسوريون يعاملون الإحسان بأفضل منه، ولا يردّون الإساءة بالإساءة، فهم أرقى من ذلك، ويغفرون ويسامحون لكن لا ينسون.. 
الوطن هو الملاذ للجميع، وسورية تحتضن جميع أبنائها، ولا تفرّق بينهم من حيث الانتماء لمذهب أو عقيدة أو قوميةٍ، إلاّ من خان الوطن فهذا بالتأكيد لا يعتبر وطنياً، ولا يستحق لقب "مواطن عربي سوري" وما أكثر الشرفاء بل هم الغالبية العظمى من الشعب السوري، ما يستدعي منا جميعاً التعاون معاً للوقوف يداً واحدة داخل وخارج سورية، لإنقاذ الوطن من محنته، لكي نعطي الآخر الدروس والعبر.. ونحن قادرون على ذلك..
ولم أجد أفضل مما أختم به كلماتي من قول الشاعر إلياس قنصل:
أبعد ربوع رصّع المجد أرضها                 نرى لذة العيش في وطن ثان
وهل بعد سورية تروق لشاعر              بلاد، ولو كانت كجنة رضوان