إسقاط الرموز.. بقلم: فادي برهان

إسقاط الرموز.. بقلم: فادي برهان

تحليل وآراء

الأربعاء، ١٧ سبتمبر ٢٠١٤

في ظل معركة حامية الوطيس متشعبة الأطراف امتدت منذ سنوات وسنوات، وسعت وتسعى بشكل حثيث للقضاء على الرموز ومحو آثارها بالمطلق لكيلا تتأصل القناعات في عقول الأجيال ونفوسها بأنّ هذا التراب قد جُبل بدماء المجاهدين لينال استقلاله، وأنّ هذا الوطن قد سيّجه الرجال بسيوفهم وحرابهم وفؤوسهم، في ظل هذه الحرب الضروس وبدل أن نقف ضدها صفاً واحداً كالبنيان المرصوص ونوحد الكلمة والموقف لنكون درعاً حصيناً يحمي الوطن وأهله من كل شرّ، نجد أنفسنا وكأننا خير معين لتلك الحرب على أوطاننا ورموزنا وأبطالنا الذين خاضوا معركة الاستقلال، والذين يعود الفضل لهم وحدهم في صون التراب وحفظه من دنس الغازي والمحتل.
 وتأتي الدراما السورية أيضاً لتخوض المعركة إلى جانب العدو إن علمت أم لم تعلم، وبشكل مباشر أو غير مباشر. فمنذ أن نَعُم الوطن باستقلاله وانقشعت عن سمائه غمامة العدوان في السابع عشر من نيسان عام 1946م لم تحاول الدراما السورية إخراج مسلسل أو فيلم يحكي قصة المجاهدين أو يجسد على الأقل شخصية أحد قادة الثورة السورية الكبرى، بل شرعت بإخراج مسلسلات تجسد سيرة شخصيات وهمية مختلقة لم يكن لها وجود حقيقي وواقعي على الأرض، وامتهنت ذلك كصنعة تدر المال والأرباح وتسعى للثراء دون النظر إلى دور الإعلام في ترسيخ مبادئ الوطنية والقومية في نفوس أبناء الوطن، ولذا بقيت سيرة هؤلاء العمالقة حبيسة الصفحات الصفراء لا يذكرها إلا من كان قاصداً أو باحثاً مهتماً، فلماذا، ونحن في سنة 2014م لم نستطع أن نجسد جلاء المستعمر الأجنبي عن أرضنا بمسلسل أو فيلم أو غير ذلك ؟ ولماذا نستعيض عن ذلك بمسلسلات تجسد سيرة الشخصيات الوهمية التي اختلقها الكاتب من بنات أفكاره؟ ألا يجدر بنا أن نجسد شخصية القائد العام لجيوش الثورة السورية الكبرى سلطان باشا الأطرش على _سبيل المثال_ إعلامياً كي نستلهم من سيرته الدروس والعبر؟
 ألا يجدر بنا أن نضيء على حياة قادة الكتلة الوطنية بدمشق ونضالهم السياسي والاجتماعي بدءاً من السيد محسن الأمين إلى شكري بك القوتلي إلى فخري البارودي وفارس الخوري وغيرهم من الزعماء السياسيين؟
ألا يجدر بنا أن نتعلم من الشيخ صالح العلي دروس الكرامة والرجولة والشهامة والبطولة التي خطها على جبين المجد عبّراً لا تُمحى؟
إن كانت نصوص السيناريو قد أعيت الكتّاب والمؤلفين بتسطيرها فهذه قصص وحكايات رجالنا تنتظر من يجسدها فتوفر العذاب والضنك والسهر على مؤلفينا، وإن كانت مخيلة البعض تسعى لاختلاق شخصيات وهمية لتكتب عنها، فهذه واقعية شخصياتنا وأحداثنا قد فرضت حيثياتها منذ سنة 1946م ومازالت إلى الآن بانتظار من يلتفت إليها، فيوسف العظمة وأحمد مريود وإبراهيم هنانو وسعيد العاص وحسن الخراط ورمضان شلاش وغيرهم من قادة الثورة هم أصحاب الجهاد الحقيقي الذين قادوا معركة النصر والاستقلال، وما نشاهده اليوم على الشاشات في مسلسل باب الحارة وليالي الصالحية والخوالي وأيام شامية و..و..إنما هي شخصيات وهمية مكذوبة فرضتها على عقولنا إيحاءات السيناريو في محاولة فاقعة لمحو ذكر أصحاب الكرامة والإباء الذين أبوا الخضوع والهوان، فأين الدراما السورية من هؤلاء؟ وهل المال الخليجي الذي يلعب بدفة إنتاجنا التلفزيوني هو الذي يقف وراء هذه المؤامرة ليطمس تاريخنا ويجعلنا بلا هوية؟ أم إنّ نجومنا هم الذين يلهثون وراء المال ولا يهمهم التاريخ؟
 يبقى السؤال هنا في عهدتهم فهم مادة الإنتاج وأساسه ولولاهم لما استطاعت الدراما إنتاج حلقة واحدة مما تنتجه اليوم من ترهات وهرطقات أوصلتنا إلى ما وصلنا إليه من ثقافة الأنفاق والمتاريس والسلب والنهب والخطف والاعتداء.