بين القنيطرة ودمشق.. أضغاث أحلام

بين القنيطرة ودمشق.. أضغاث أحلام

تحليل وآراء

الجمعة، ١٢ سبتمبر ٢٠١٤

 مشكلة الحرب في سورية أنّ الإعلام يصوّرها بحسب الرغبات لا الوقائع، ولا أبالغ إن قلت إنّ أكثر من نصف المعركة يتحكم بها إلإعلام المرتبط أصلاً بما يجري توجيهاً وتضليلاً.
والمشكلة الثانية هي أنّ الغالبية الساحقة من المتابعين لا يعرفون الجغرافية ممّا يسهّل إحداث الإرباك أو تحقيق الغايات في سياق الحرب النفسية التي تديرها أجهزة المخابرات بالتعاون الوثيق مع آلاف الخبراء من كلّ الإختصاصات.
هذه المقدمة كان لا بدّ منها للدخول في صلب الموضوع كون الكلام عن معركةٍ يتم تصويرها على أنها ستكون المعركة الفاصلة بغزو دمشق.
وما لا يعرفه الكثيرون أنّ ما حقّقته الجماعات المسلّحة في القنيطرة ومحيطها لا يتعدى انتصارات موضعية تكتيكية على وحدات صغيرة للجيش العربي السوري، متمركزة أصلاً على شاكلة مجموعات ومفارز استطلاع في منطقة التماس مع القوات الصهيونية ومهمتها الأساسية هي إبلاغ القيادة بأية تحركات معادية.
هذه المجموعات والمفارز، والتي تمّ دعمها بمجموعات قليلة خلال الأسابيع الماضية، انسحبت الى مناطق خط الدفاع الأول للجيش السوري عند حدود بلدة جبا حيث يوجد تل الشعّار وتل الكروم، وهما تلّان يشرفان على كلّ المنطقة بما فيها تلك التي سيطرت عليها الجماعات المسلّحة.
ورغم سيطرة الجماعات المسلّحة على تلّ مسحرة إلا أنّ هذا التّل الذي يتوسط منطقة منبسطة قرب بلدة مسحرة لا يعتبر ذا أهمية استراتيجية كونه وكل المنطقة المحيطة به تحت السيطرة النارية للجيش السوري.
الجماعات المسلّحة أعلنت أنها حقّقت أهدافها من معركة "فالمغيرات صبحاً"، وهي صادقة في إعلانها كون المناطق التي سيطرت عليها تدخل في نطاق الشريط العازل الذي تسعى له "إسرائيل" لخلق منطقة حماية للخطوط الصهيونية تتولاها هذه الجماعات، رغم النفي الذي تقوم به حول التنسيق مع القيادة الصهيونية والذي تكذّبه الوقائع والتصريحات.
ومن المناطق التي استطاعت الجماعات المسلّحة السيطرة عليها كان منذ يومين تل مسحرة الذي يجاور بلدة مسحرة، وهو مجرّد مرتفع يؤمن لهذه الجماعات إمكانية المراقبة والاستطلاع لمناطق تموضعها لتأمين حرية الحركة والتبليغ عن أية تحركات للجيش السوري على شكل دوريات أو كمائن.
وكانت هذه الجماعات قد سيطرت منذ بدء هجماتها على معبر القنيطرة وعلى العديد من البلدات، أهمها القحطانية جنوب القنيطرة ومجدوليا وكوم الباشا ونبع الصخر وتل الحارة، وهي بلدات تشكل شريطاً واحداً مترابطاً قريباً من مناطق انتشار القوات الصهيونية.
ومن المهمّ التذكير بأنّ القوات الصهيونية قدّمت للجماعات المسلّحة كل التسهيلات في التقدم الى هذا الشريط من داخل الأراضي المحتلة، إضافةً الى التخطيط والدعم الناري المدفعي والصاروخي والجوي وكذلك المعلومات الإستخباراتية من مرصد جبل الشيخ وبواسطة طائرات الإستطلاع، وكذلك الدعم اللوجستي والإستشفائي حيث لم يعد سرّاً وجود مئات المصابين من هذه الجماعات في المستشفيات الصهيونية.
بعض قادة هذه الجماعات ذهب بعيداً في توصيف نتائج هذه المعركة حيث قالوا إنّ معركة حصار دمشق والتقدم اليها صار قاب قوسين أو أدنى.
ومما قاله البعض أنّ ربط مناطق سيطرتهم الحالية بريف دمشق الغربي والجنوبي هو مسألة وقت لا أكثر.
العارفون بطبيعة المنطقة وتعقيداتها الجغرافية وطبيعة إنتشار وحدات الجيش العربي السوري من تل الشعّار وتل الكروم، مروراً بسعسع والكسوة وخان الشيح وجديدة عرطوز وصولًا الى دمشق، يعرفون أنّ ما يتكلم عنه قادة الجماعات المسلّحة هو أضغاث أحلامٍ لا يمكن تحقيقها بموازين القوى الحالية.
فمجرد الحديث عن خطوط القتال الحالية وتمركز قوات الجيش العربي السوري، نعرف أنّ الجيش السوري يسيطر حالياً على أهم التلال الحاكمة والتي تشرف على ساحة المعركة، خصوصاً أنّ قوات يتم إرسالها لتعزيز خط الدفاع الأول في مناطق إنتشار اللواء 90 على امتداد الخط بين مدينة الثورة وبلدة جبا وكذلك القوات التي تدافع عن مدينة القنيطرة.
إنّ إختراق هذا الخط فقط يحتاج الى أعداد بشرية من المسلحين تتجاوز ما استخدموه في هجماتهم على القرى التي سيطروا عليها أضعافًا كثيرة، إضافةً الى أنّ خطوط الدفاع الممتدّة الى دمشق تتميز بالوعورة والتضاريس المعقّدة ويتواجد عليها الكثير من نقاط القتال للجيش السوري وهي في الأساس معدّة ومجهزّة لمواجهة أيّ تقدّم صهيوني محتمل.
يبقى أنّ وجود بعض الخلايا النائمة وتواجد الجماعات المسلّحة في أكثر من منطقة على إمتداد المسافة بين القنيطرة ودمشق تتمّ معالجته من خلال المتابعة الأمنية حيناً والإشتباك المباشر أحياناً أخرى، بحيث يمكن القول إنّ العديد من نقاط التواجد وتحديداً في ريف الكسوة قد تم عزلها وتقطيع مفاصلها في عملياتٍ سابقة للجيش السوري بهدف منع هذه المجموعات من التواصل وخلق خط جبهة وبهدف تأمين الطريق الى منطقة درعا وإبقاء الطريق آمناً لحركة وحدات الجيش السوري وإمداداته.
إنّ الإقتراب من دمشق ما زال مسألة معقدّة وصعبة لا يمكن للجماعات المسلّحة أن تتجاوز مصاعبه وتعقيداته، خصوصاً أنّ الجيش السوري قادرٌ على ضرب أيّ تقدّمٍ تحت أية مفاجأة بالطيران وهو أمرٌ افتراضي أكثر منه واقعي إلاّ إذا انهارت القوات المدافعة عن خطوط الجبهة الحالية وخطوط الدفاع المتتالية عن العاصمة دمشق.