الذبح.. أصله وفصله، لماذا رقابنا؟

الذبح.. أصله وفصله، لماذا رقابنا؟

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٩ سبتمبر ٢٠١٤

 "بالذبح جئناكم بلا اتفاقية"
عادةً ما تشهد الصراعات والحروب مجازر وعمليات قتل غير مألوفة، ومع كلّ حربٍ جديدةٍ تطفو على وجهها طريقةٌ مستحدثة من القتل. تاريخنا الحديث يشهد أنّ حرب تموز شهدت القنابل العنقودية وحرب غزة شهدت السلاح الكيميائي، أمّا الأزمة السورية والحرب بين الدولة والإرهاب، فقد أدخلت إلى بلادنا مصطلحًا قديمًا جديدًا لم يكن يُستعمل حيث بتنا، نحنُ المشاهدون واللاعبون في هذا الميدان، نستعمله.
الذبح بمعناه الحرفي، وسيلةٌ جديدةٌ لبثّ الإرهاب في مجتمعنا. تنظيم داعش، ومعه جبهة النصرة، وقبلها التسميات القديمة للألوية التي انضوت تحت ما سُمّي في حينه الجيش الحر، هم أعادوا القتل بهذه الطريقة بعدما كانت قد غابت عن بلادنا لحوالي 1400 سنة، منذ الحروب الدينية العبثية التي كانت تشن في تلك الأيّام، والتي كانت تُقطع الرؤوس فيها بشكلٍ ظالمٍ وغادر، كما اليوم.
نظريةٌ علميةٌ سياسيةٌ تؤكّد أنّ الذبح هو الوسيلة الفضلى لفرض هيبة التنظيمات التكفيرية في بلاد الشام والرافدين، نظراً للحالة الشعبية التي عجزت عن تشكيلها في أيٍّ من الدول التي قاتلت على أراضيها، فاستعاضوا عن تكوين شعبية تشكّل بيئة حاضنة داعمة برأيٍ عامٍ يهاب التماس مع أي عنصرٍ من التنظيم أو حتى انتقاد التنظيم وأفعاله مخافة إقامة الحد الشرعي، الذي فسّرته قيادات التنظيمات الإرهابية على أنّه لا يقوم سوى بالذبح.
نجحت هذه التنظيمات بفرض سطوتها على المجتمعات، ليس لجهة السيطرة العسكرية، بل لجهة زرع الخوف في النفوس. من أين أتت هذه الفكرة الى بلادنا؟ وهل أنّها خرجت حقّاً من عندنا نحو العالم؟
يؤكّد العديد ممّن واكبوا عمليات الإقتتال على الأرض السورية، أنّ الفترات الأولى من الحرب شهدت عمليات ذبح لجنودٍ سوريين، وكذلك لمواطنين مدنيين، على يد مقاتلين أجانب. تنوّعت جنسيات هؤلاء ما بين شيشان وأوروبيين مسلمين أتوا إلى بلادنا لممارسة غرائزهم. يؤكّد شهود عيان، أنّ المقاتلين اللبنانيين والسوريين والعراقيين لم يعمدوا إلى القتل سوى رمياً بالرصاص، لمن يزعموا أنّه عميل للدولة السورية أو لحزب الله. ولكن، مع اختلاط المضلّلين من أبناء الأرض مع القادمين إليها من ما وراء الحدود، يبدو جليّاً أنّ ثقافة الذبح انتشرت بين من يحكون لغتنا. فبات المقاتل السوري واللبناني والعراقي والفلسطيني والمصري كالأفغاني والشيشاني، يذبح ويكبّر لدى قطعه رأس إنسانٍ من الوريد للوريد.
في الخامس عشر من تشرين الأوّل العام الماضي لقي المدعو أبو مسلم الشيشاني مصرعه في ريف اللاذقية على يد جنودٍ من الجيش العربي السوري. في اليوم التالي نشرت عدة صحف أجنبية سيرة المجرم الأكثر ذبحاً في سوريا. أبو مسلم الشيشاني تمكّن خلال سنة ونصف فقط (دخل سوريا في نيسان 2012) من قطع رأس حوالي 378 إنساناً من سكان سوريا. يروي عبد القادر يوسف لسلاب نيوز، مسقط رأسه "كفرية" في ريف اللاذقية، أنّ الشيشاني هذا اضطر في مرةٍ من المرات لأن يسير حوالي 18 كيلومتراً سيراً على الأقدام في الريف الشمالي للاذقية لقطع رأس جندي سوري، كان أمير جبهة النصرة قد أقام عليه الحد الشرعي.
أمّا اليوم، فعمر ميقاتي الملقّب بأبو بلال، وهو لبناني من طرابلس، يقطع رؤوس الجنود اللبنانيين المختطفين لدى تنظيم داعش الإرهابي. تقول الروايات إنّ أبو بلال هذا، الذي لم يتخطَّ العشرين من العمر بعد، قد قام بذبح أكثر من 25 إنساناً، ولدى سؤاله في بلدة رنكس من قبل أحد الصحافيين عن أعداد الرؤوس الذي قطعها (الحديث قبل أشهر)، أجاب بأنّها تجاوزت العشرين دون أن يتذكّر الرقم الدقيق.
يرى متخصّصون في الطب النفسي، أنّ لعملية قطع الرأس أسباب عديدة وأبرزها:
1. النفس الإجرامي
2. النشوة المتولّدة من رائحة الدماء
3. لذة تعذيب الضحية
4. الكبت الجنسي والنقص في فرض السطوة
5. مبرّرات دينية.

بالشق الديني، يقول فضيلة الشيخ عمر راجحة، "إنّ ذبح الإنسان محرّمٌ شرعاً" ويتساءل "كيف يجوز أن يذبح إنسان لمجرّد أنّه يخالف الآخر بالرأي أو المُعتقد! فهذا من الكبائر التي ترفضها الشريعة الإسلامية، وقد شدّدت الشريعة على الرفق بالحيوان حين ذبحه لغاية الأكل، فهل ستحلّل ذبح الإنسان؟ بالطبع كلّا". يختم الشيخ راجحة أنّ "من يفتي بالذبح فهو جاهل بأحكام الدين الإسلامي الحنيف السمح".
ممّا لا شكّ فيه أنّ تنظيم داعش وأخواته قد نجحوا في فرض الإرهاب في مجتمعنا، وكذلك الخوف في نفوس البعض، وما الصور التي ينشرها عن ذبح المواطنين والجنود سوى وسيلة للوصول إلى ما يهدفون إليه. ممّا لا شكّ فيه أيضاً، أنّ الذبح هو سلعة مستوردة من الخارج إلينا، فإبن الأرض الذي تربّى فيها وعايش حنّيتها لا يمكنه أن يرويها من دماء نظيرٍ له في الخلق، ولكن لكل قاعدة شواذ، والشواذ اليوم هم أولئك القلّة التي رافقت من أتوا لتقسيم بلادنا ونشر الفساد والقتل والظلم فيها، لتتجلّى الحكمة التي يتعلّمها الأطفال في الصغر مرة أخرى "لا تعاشر رفاق السوء".
"بالذبح جئناكم".. لا يمكن لعبارة أخرى أن تنقل لنا صورة أمقت عن داعش والنصرة، فصرخات المذبوح لا حاجة لنا أن نسمعها بشكلٍ مباشر، علينا فقط أن نغمض أعيننا ونتخيّلها، عندها سندرك كم أنّ تآمر البعض على سوريا كان قاسياً، وكيف أنّ نأي البعض بنفسه عن ما يحصل وراء حدود سايكس بيكو أتى بالويل على رقابنا، فلنتخيّل فقط ما يشعر به جنود الجيش اللبناني اليوم، مع إدراك أنّ الخيال علمياً لا يساهم سوى باستحضار ما نسبته 10% من مشاعر الواقع. أنتم الذين اعتبرتموهم ثوّاراً تخيّلوا رقابكم، تحسّسوها، راجعوا أنفسكم، واعتذروا إلى الشعب السوري والجنود اللبنانيين، بالطريقة التي تريدون، بالكلام أو الإيماء أو حتى الإختفاء، في كلا الحالات... اعتذروا.